ماذا تعني دعوة السيسي لتحويل ودائع الخليج إلى استثمارات؟
الوقائع الاخبارية : شكلت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دول الخليج إلى تحويل ودائعها لدى البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة تحولا في سياسة مصر الاقتصادية نحو تعظيم فرص الاستثمار المباشر بدلا من الاعتماد على الودائع في تأمين الاحتياطي النقدي.
وقال السيسي -خلال حواره مع عدد من الإعلاميين بمدينة السادات شمال القاهرة- الاثنين الماضي "نحاول من جانبنا أن نجعل هذه الودائع استثمارات، ونحن لدينا مشروعات كثيرة، فمصر بها 100 مليون وفرص كثيرة، سواء كاستثمار مشترك أو منفرد".
ولطالما قدمت السعودية والإمارات والكويت دعما ماليا سخيا للسلطات المصرية منذ يوليو/تموز 2013 على شكل ودائع بمليارات الدولارات لدى المركزي المصري، وشكلت تلك الودائع أغلبية حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي.
وآخر وديعة تلقتها مصر كانت في 30 مارس/آذار الماضي من السعودية بقيمة 5 مليارات دولار، لمواجهة تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا وتعزيز الاحتياطي النقدي لديها الذي تراجع بشكل حاد جراء استخدامه في دعم الجنيه المصري وتغطية تخارج استثمارات الأجانب وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالديون الخارجية وتأمين استيراد السلع الإستراتيجية.
تآكل الاحتياطي النقدي
وفقد احتياطي مصر من النقد الأجنبي 5.5 مليارات دولار خلال أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين ليصل إلى 35.5 مليار دولار بنهاية مايو/أيار انخفاضا من 40.99 مليار دولار بنهاية مارس/آذار الماضي، وفق البنك المركزي.
وأرجع المركزي أسباب الانخفاض حينها إلى تعويض التدفقات الأجنبية الخارجة وسداد خدمة الديون وشراء السلع الإستراتيجية، وقال إنه حشد احتياطيات العملات الأجنبية الزائدة لتهدئة الأسواق خلال فترات الضغط الاستثنائي.
وفي غضون ذلك، ارتفع الدين الخارجي لمصر نهاية العام الماضي إلى 145.5 مليار دولار، كما أظهرت بيانات البنك ارتفاع الدين العام المحلي إلى 4 تريليونات و742 مليار جنيه (255 مليار دولار) بنهاية يونيو/حزيران 2020.
ويلعب دعم السعودية والإمارات للاحتياطي النقدي دورا مهما في استقرار الجنيه المصري أيضا بحسب تصريحات صحفية للخبير المصرفي محمد عبد العال، إلى جانب تنشيط الاستثمار المباشر وغير المباشر وتقليص أي نقص في العملات بسبب التبعات السلبية العالمية للحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها المتوقعة على تفاقم العجز في الميزان التجاري.
الدعم وإما الفوضى
وأثار مقال للإعلامي المصري عماد الدين أديب يتحدث فيه عن ضرورة دعم الدول العربية لمصر في مواجهة تأثيرات حرب روسيا على أوكرانيا جدلا واسعا وتساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر.
وحذر أديب في المقال من عواقب كارثية تهدد أوروبا والدول العربية إذا لم تقم بدعم الاقتصاد المصري بشكل عاجل ومباشر بمبلغ 25 مليار دولار تحملته الموازنة المصرية نتيجة لتلك الحرب، وفق قوله.
وأتبع الإعلامي المصري عمرو أديب مقال شقيقه عماد بفقرة بعنوان "شكرا على السمكة لكنني أريد الصنارة" في برنامجه "الحكاية" المذاع على إحدى القنوات الفضائية، مطالبا دول مجلس التعاون الخليجي بتحويل ودائعها لدى مصر إلى استثمارات.
وقال أديب "نحن نشكركم على الودائع وعلى الدعم العربي الموجود، ولكن لماذا لا يكون استثمارا؟ هذه هي سياسة مصر الحالية التي ترى أن توطين الاستثمارات والشراكة معها أفضل من الودائع".
ومن أجل تعزيز هذا التوجه في جذب استثمارات عربية مباشرة في الاقتصاد المصري عقدت الحكومة العديد من الاتفاقيات مع كل من السعودية والإمارات وقطر لإنشاء صناديق استثمارية وشراكات بمليارات الدولارات.
رسالة استثمارية للعالم
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب أن دعوة السيسي لتحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات هي رسالة لزيادة الاستثمارات المباشرة في مصر والتأكيد على وجود مناخ استثماري مشجع، وأن حالة عدم اليقين التي كانت موجودة في سوق تسيطر عليه الدولة لم تعد موجودة.
وأضاف عبد المطلب في حديثه للجزيرة نت أن دعوة الرئيس السيسي إيجابية للطرفين، وهي رسالة لطمأنة المستثمرين المحليين والاستثمار العالمي، وأن مناخ الاستثمار في مصر سوف يصبح أكثر تنافسية، وهي دعوة تعكس رغبة السلطات في تصويب سياساتها الاقتصادية.
وتتمثل أهمية الودائع الخليجية التي بدأت قبل 10 سنوات بوديعة قطرية عام 2012 -بحسب الخبير الاقتصادي- في رفع قيمة الاحتياطي النقدي الذي يعزز موقف مصر عند التفاوض مع المؤسسات والبنوك الدولية للحصول على قروض أو مساعدات أو تمويل مشروعات استثمارية وعدم تخفيض تصنيف مصر الائتماني.
وأشار عبد المطلب إلى أنه يجب أن نتساءل: ألا يعني تحويل الودائع إلى استثمارات تخفيض حجم الاحتياطي؟ الإجابة هي أن هذه الودائع لم تكن موجودة بهيئة أموال مخزنة وإنما يتم استخدامها لتمويل الواردات، وكانت تدخل مكانها أرصدة دولارية من خلال عوائد الصادرات والسياحة وقناة السويس والمصريين بالخارج.
كيف تآكل الاحتياطي المصري؟
تتعدد أغراض البنوك المركزية من تكوين احتياطيات من العملات الأجنبية لديها، وفق الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، منها مواجهة الاحتياجات الاستيرادية الطارئة، ومواجهة ارتفاع أسعار الواردات، وزيادة القدرة على تحمل الصدمات الخارجية، والدفاع عن سعر الصرف من خلال ضخ الدولارات بالسوق عند نقص المعروض منه، والوفاء بالديون الخارجية، وتمويل كافة المدفوعات الخارجية عند عجز الموارد الدولارية عن الوفاء بذلك.
وأشار الولي في مقال له على موقع الجزيرة مباشر إلى أن كل تلك الشواهد تشير إلى وجود نقص حاد في الدولار داخل الأسواق المصرية امتص تلك القروض، إلى جانب دفع قيمة الواردات وسداد فوائد وأقساط الدين الخارجي.
وتوقع تكرار ذلك مع الحصول على قروض جديدة ستتجه أولا لسد العجز في صافي الأصول الأجنبية للجهاز المصرفي وتلبية الطلبات الاستيرادية ومواجهة زيادة ارتفاع أسعار الواردات.
ورأى الولي أن البديل أمام السلطات المصرية هو التوسع في بيع الأصول المملوكة للدولة لتدبير سيولة دولارية، خاصة في ظل غياب الأموال الساخنة واستمرار توقف قدوم السياحة الروسية والأوكرانية، وضعف حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالعالم، وخروج المستثمرين الأجانب من البورصة المصرية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.