عمال ومصابون يروون تفاصيل جديدة لحادثة ميناء العقبة

عمال ومصابون يروون تفاصيل جديدة لحادثة ميناء العقبة
الوقائع الاخبارية:لم يكن بعض العاملين يعلمون أن توجههم إلى ميناء العقبة يوم الأحد الماضي سيكون آخر نشاطٍ لهم، فبعد ساعات قليلة كانوا على موعد مع انقضاء حياتهم جراء اختناق بغاز الكلورين إثر وقوع خزان لدى مناولته على أحد الأرصفة.

كان العمال الأكثر تضرراً من الحادث، وبخاصة مع تأكيدات من عاملين مصابين وذويهم تواصل معهم "المرصد العمالي الأردني" أنّ الرصيف حيث وقعت الحادثة لم يكن مخصصاً للغاز ولا يعرفون أصلاً ما طلب منهم مناولته.

أحمد أبو غريقانة عامل مصاب، خرج من المستشفى صباح الخميس وما يزال متأثراً بإصابته بالتهاب الرئتين جراء استنشاق غاز الكلورين، وبجعبته أدوية للتخفيف من آلام الرئتين.

يروي أبو غريقانة لموقع "المرصد العمالي الأردني" تفاصيل ما جرى في الميناء، فيقول إنّه كان يوزع الماء على العاملين في الرصيف لحظة الحادث، ليتفاجأ بسقوط الخزان على الأرض وتحوّل الأجواء إلى هواء أصفر خانق، فلاذ منها باستقلال مركبته "بك أب" وغاب عن الوعي ليجد نفسه في المستشفى متأثراً بذلك.

"لو ما كنت بوزع مي ومعي بِكم كان متت مثلي مثل الشباب"، بهذه الكلمات يختصر أبو غريقانة خطورة ما تعرض له، فبعد أن كان يعمل في التحميل والتنزيل تغير عمله العام الماضي ليصبح سائقاً في الساحات التابعة لشركة تشغيل الموانئ براتب يصل 400 دينار.

يعمل في الميناء عشرات العاملين، ووفقاً له لم يكن أحد منهم يعلم ما حمولة التنزيل، وتكتفي الإدارة بالأوامر دون الإشارة إلى نوع الحمولة ومحتوياتها.

يقول أبو غريقانة إنّ باخرة كهذه ممنوعة من الدخول إلى الميناء، ولم تدخل مثلها إلّا مرة واحدة و"الله ستر يومها"، ذلك لأنها كانت تحمل موادَّ كيماوية، علماً أنّه لو كان أحد من العمال يعلم ما تحمل لرفضوا تحميلها، أو طلبوا في الحد الأدنى أقنعة وكمامات خاصة وأدوات مناسبة لذلك.

ووفقاً له، يحاول بعض الأشخاص في الإدارة تغيير مجرى الحقائق من خلال تحميل العمال المسؤولية بعدم تغيير أدوات التحميل للشفت المسائي، رغم أنّ الحبال مر على استخدامها سنوات دون تغيير مع غياب لأدوات السلامة المهنية الخاصة بالتحميل والتنزيل وعدم وجود أي نظام معني بهذا الأمر.

ويستذكر مطالبتهم قبل ذلك بعد وفاة شاب جراء سقوط "مواسير" فوقه العام الماضي، فكانت إجابة الشركة أين الخطورة في عملكم؟، مع رفض صرف علاوة خطورة.

راتب أبو غريقانة لا يجاوز 400 دينار، ومن بعمره البالغ 34 عاما وعمله في حال الزواج يحصل 420 دينار مع علاوة عائلية، علماً بأن من مر على عمله في الميناء 10 سنوات قد يصل راتبه إلى 550 دينار فقط.

معظم العاملين المتوفين، بحسب حديثه، قريبون من عمره، حتى أنّ أحدهم كان قد عقد قرانه قبل الحادثة بنحو أسبوع.

أما نبيل أبو معيتيق، الذي فقد اثنين من أقربائه ويرقد شقيقه في العناية الحثيثة إثر الحادث نفسه، فيؤكد عدم وجود أي إجراءات للسلامة العامة في الميناء، خلافا لميناء الحاويات، الذي غالباً ما يخصص لكل نوع بضاعة رصيف.

ويؤكد أبو معيتيق أنّ الرصيف المخصص لهذا الخزان هو رصيف الغاز المعني بالبترول والمواد الكيماوية، إلّا أنّه نزل في رصيف بضائع مادية كالأخشاب والأغنام وغيرها.

بناءً على عمله في الميناء منذ نحو 30 سنة، يبين أنّ حمولة الغاز في ميناء الحاويات عادة يتناولها مختصون ومدربون عليها بارتداء كمامات وقفازات وسترات، وبوجود مركبة إسعاف وإطفائيتين لتلافي حصول أي حادث.

ويستغرب حتى اللحظة من عدم تواصل أي شخص من الإدارة معهم للاطمئنان على الشاب العشريني على الأقل، الذي يعمل في التحميل والتنزيل وكل شيء.

مصدر كان عمل في الشركة أكثر من عام، وفضّل عدم ذكر اسمه، أكدّ أنّ موافقة مناولة المواد في الموانئ تتم بناءً على نوع المادة ومدى خطورتها أو تلويثها وفقاً لبروتوكول عالمي معتمد في مختلف الموانئ العالمية، يعرف بـ (IMDG) كود وهو اختصار لـ"المدونة البحرية للبضائع الخطرة".

ويقول المصدر لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ الكلورين يصنف خطراً، وبناءً عليه فإنّه يمنع إدخاله أو الموافقة على مناولته فهو غاز مسال.

ويتفق مع ما ورد من أحاديث زملائه في الميناء بأنّ أدوات السلامة العامة "عفا عليها الزمن"، وقد لا يتوافر سوى السترة الفوسفورية وحذاء الأمان، التي تعد آخر مراحل أدوات السلامة ويسبقها الكثير، وفي الآونة الأخيرة فقط جرى تزويد العاملي بالخوذات.

لدى استذكاره لبعض توصيات الموظفين بضرورة توفير أدوات السلامة والصحة المهنية كنت إجابة الإدارة في بعض الأوقات لمن طالب "ما إلك دخل".

وحول قسم السلامة التابع لمديرية العمليات، يكشف أنّ هناك موظفين فيه يستمعون للتوصيات ويوافقون عليها دون تنفيذ لأسباب مجهولة مع وضع مراقبي سلامة مهنية هم أصلاً عاملون في التحميل والتنزيل وليس لديهم وعيٌ في ذلك أو علم بما يجب يتوفر أو حتى كيفية استخدام هذه الأدوات.

وعلى إثر الحادث الذي وقع في الميناء، توفي 13 بحسب تصريحات حكومية 6 منهم أجانب، وأُصيب أكثر من 200 شخص، وعلى خلفيته أيضاً أعلن عمال الميناء إضراباً مفتوحاً عن العمل حتى الحصول على حقوقهم وحق من توفي وأصيب منهم، ولضمان عدم تكرار هذه الحادثة.

كما يهدف العمال من إضرابهم إلى تفير كافة متطلبات وأدوات السلامة العامة والمهنية لا سيما وأنه يطالبون فيها منذ سنوات.

من جانبه، أصدر المرصد العمالي الأردني عقب الحادث بياناً حول مؤكداً أنه حدث نتيجة عدم التزام إدارة شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ بتوفير شروط الصحة والسلامة المهنية التي من المفترض أن تتوافر للعاملين خصوصا في ظل طبيعة عملهم الخطرة المتمثلة بالمواد السامة التي يتعاملون معها وتحميل وتنزيل بضائع ثقيلة.

وأشار المرصد في البيان إلى أن توفير شروط الصحة والسلامة والأدوات الوقائية في ميناء العقبة كانت واحدة من مطالبات العاملين في إضراباتهم واعتصاماتهم السابقة.

ولفت إلى أن بعض العاملين المتوفين كانوا من سائقي المركبات الكبيرة في الميناء وغير مشمولين بالضمان الاجتماعي، ما يشير إلى أن الأدوات الحمائية التي توفرها مؤسسة الضمان غير كافية لشمول جميع العمال.

وبين المرصد أن الأدوات والآليات التي يعمل عليها العاملون في الميناء قديمة ومتهالكة وغير آمنة، داعيا إلى ضرورة تجديدها وتوفير أساليب آمنة للتعامل معها.

وجدد المرصد مطالبته بتكثيف الرقابة على المنشآت والمؤسسات للوقوف على مدى التزامها بمعايير الصحة والسلامة المهنية التي تعد أحد معايير العمل اللائق، وجزء أساسي من الحقوق والمبادئ الأساسية في بيئة العمل، للحؤول دون وقوع مثل هذه الحوادث مستقبلا.
تابعوا الوقائع على