الركود الاقتصادي يفسد فرحة العراقيين مع اقتراب عيد الأضحى
الوقائع الاخبارية : اعتادت الأسر العراقية على ارتياد الأسواق المحلية قبل أيام عيد الأضحى المبارك لشراء الملابس والتجهيز الغذائي لصناعة الحلويات وغيرها، إلا أن مظاهر التسوق والتجوال في الأسواق تراجعت قبل عيد هذا العام، وباتت الأسواق حزينة تبحث عن زبائنها.
وهناك أسباب كثيرة ضربت مفاصل الأسواق المحلية متأثرة بالأزمات التي لحقت بالاقتصاد العراقي مجتمعة، وهي أزمات جعلت هذا العيد ليس كسابقه من الأعياد، حيث يعاني العراقيون من تراجع مزمن في القوة الشرائية.
سبات تام
ويقول حسن المياحي صاحب متجر لبيع الملابس النسائية في منطقة بغداد الجديدة التجارية جنوبي شرقي العاصمة إن "حالة السوق منذ بداية العام الجاري في سبات تام"، مشيرا إلى أن "هناك ضعفا كبيرا في تبضع الأسر لشراء ملابس العيد عكس ما حدث في أعياد العام الماضي التي شهدت إقبالا كبيرا خصوصا في الأيام القليلة قبل عيدي الفطر والأضحى".
وكشف المياحي في حديثه للجزيرة نت عن تعرضه لخسارة كبيرة بسبب عدم البيع لأيام متتالية، وقال "في بعض الأحيان لا يدخل إلى متجري أي زبون".
ويربط المياحي حالة السوق العراقي بالأوضاع السياسية، خصوصا أن البلد الآن في دوامة التناحر السياسي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو وضع يضاف له ارتفاع أسعار البضائع من المصدر الرئيسي، ما يدفع أصحاب متاجر التجزئة لرفع أسعار البيع للمواطنين.
ولا تختلف الحال مع أصحاب المتاجر الغذائية في بغداد، فهم يواجهون أضرارا مالية كبيرة مع تراجع الإقبال على محلاتهم في الفترة التي تسبق العيد، على عكس ما كان عليه الوضع في السنوات الماضية.
ويقول زين العابدين القريشي صاحب متجر للمواد الغذائية في منطقة المشتل (جنوبي بغداد) إن "أسعار المواد الغذائية شهدت خلال العامين الماضيين ارتفاعا كبيرا".
واتهم القريشي بعض التجار المستوردين بالتلاعب بالأسعار وتحقيق ربح كبير على حساب المواطنين، وقال إن "بعض التجار المستوردين تسابقوا لزيادة أسعار المواد الغذائية، ولم يكن أمامنا سوى زيادة الأسعار بعد رفع تجار الجملة أسعارهم بنسب تصل إلى 60%".
التضخم الركودي
وتكشف الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم عن "أركان التضخم الركودي الذي يضرب الاقتصاد العراقي في الوقت الحالي"، وقالت للجزيرة نت إن "السياسة النقدية التي اتبعت عبر تخفيض سعر الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي عام 2020 أدت لموجة تضخمية ضربت الاقتصاد الوطني، وهو اقتصاد منكشف يعتمد على الاستيراد فقط بشكل جعله عرضة لموجة التضخم الدولية".
وترى سميسم أن "الأحداث الاقتصادية التي شهدها العالم وارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد جائحة كورونا؛ كانا سببا في ظهور حركة أسعار جديدة ساهمت بانتقال التضخم إلى العراق. والاقتصاد العراقي غير مرن ولا يملك جهازا إنتاجيا كالزراعة والصناعة، وتفتقر سياسة التجارة للضوابط الحمائية للمنتج المحلي، إضافة لانتشار الفساد المالي والإداري في دوائر القطاع العام؛ مما زاد حجم البطالة، وبهذا اكتملت جميع أركان التضخم الركودي في العراق".
التضخم المرتفع
ويشهد العراق معدلات تضخم مرتفعة يحدد عواملها وأسبابها الباحث الاقتصادي رامي محسن جواد بالقول إن بيانات وزارة التخطيط العراقية سجلت ارتفاعا طفيفا بمعدل التضخم الشهري لمايو/أيار الماضي بحدود 0.2%؛ لكنها سجلت ارتفاعا بمعدل التضخم السنوي بمقدار 5.4% مقارنة بذات الشهر عام 2021.
ويشير جواد إلى أن "الإصدار النقدي للبنك المركزي العراقي -الذي ارتفع بحدود 60% منذ بداية عام 2020 وسجل 83.3 تريليون دينار (1 دولار يساوي 1460 دينارا) لغاية مايو/أيار عام 2022 بمعدل ارتفاع شهري بحدود 2%- هو من أخطر مسببات التضخم".
وأضاف جواد أن" هذا الارتفاع في الإصدار النقدي (طبع الأموال) يأتي نتيجة ارتفاع الاقتراض الداخلي لوزارة المالية وزيادة مبيعاتها للبنك المركزي من الدولار لتغطية المصاريف التشغيلية للدولة وعجزها عن سد حاجتها من الدينار عبر آليات تحد من الاعتماد على عائدات النفط الدولارية، كما أن "سياسة البنك المركزي -خصوصا فيما يتعلق بالقروض العقارية وقروض المشاريع منخفضة الفائدة- تساهم بشكل كبير بارتفاع معدلات التضخم".
ومع استمرار الارتفاع العالمي للتضخم المرتبط بشكل مباشر بارتفاع أسعار النفط الخام وضعف سلاسل التوريد، يتوقع الباحث الاقتصادي ارتفاع مستويات التضخم لنهاية العام الجاري ووصولها إلى حدود 7%.
ويبدي جواد استغرابه من سكوت البنك المركزي ووزارة المالية وعدم اتخاذهما أي إجراءات علاجية للحد من ارتفاع التضخم كرفع معدلات الفائدة على القروض أو بيع سندات للجمهور لسحب الكتلة النقدية أو توسيع القاعدة الضريبية التي تعاني من ضعف في إجراءات تحصيلها التي لا تتجاوز 12% من إجمالي الأنشطة والدخول النقدية الخاضعة للضريبة. وخلص إلى أن"ذلك الارتفاع سينعكس سلبا ويؤثر بشكل مباشر على الفئات الهشة ومتوسطة الدخل من المجتمع العراقي".