أكثر معاملاته مع الاتحاد الأوروبي.. كيف يؤثر انخفاض اليورو وارتفاع الدولار على المغرب؟
الوقائع الاخبارية :تمثل التجارة مع الاتحاد الأوروبي حوالي 60% من المبادلات الخارجية للمملكة المغربية، ما يجعل من المغرب الشريك الأول للاتحاد الأوروبي جنوب البحر الأبيض المتوسط.
وشهدت العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" انخفاضا غير مسبوق مقارنة بالدولار الأميركي، ويشغل هذا الواقع الاقتصادي والسياسي والمالي الأوروبي العالم، بما قد يؤول له من تأثيرات على مستقبل أوروبا وشركائها.
ويتوقع أن يشهد المغرب تأثيرا مزدوجا لثنائية انخفاض اليورو وارتفاع الدولار على اقتصاده، بحيث تُفاقم فاتورة الطاقة العجز التجاري وتتقلص إيرادات الصادرات باليورو وتحويلات المغتربين، ويستفيد منه المستوردون.
تأثيرات وأخرى تناقشها "الجزيرة نت" مع 3 خبراء ومحللين متخصصين في المالية الدولية والمالية العامة؛ المحلل والاستشاري المالي الطيب أعيس، وأستاذ المالية الدولية أبو الجواد كمال، والخبير الدولي أستاذ المالية واقتصاد المؤسسات سعيد يوسف.
ما مميزات الوضع الحالي وتداعيات انخفاض اليورو بشكل عام؟
وفق التحليلات الاقتصادية المواكبة للظرفية الحالية يعد الاقتصاد الأوروبي أكثر المتضررين من تأثيرات الحرب في أوكرانيا نتيجة ارتباطه الكبير بمنتجات الطاقة الروسية.
ويقول الخبير المالي سعيد يوسف إن الحرب الروسية الأوكرانية شكلت النقطة التي أفاضت الكأس، ذلك أن الاقتصاد الأوروبي يعاني الهشاشة بعد كورونا، مقابل قوة الاقتصاد الأميركي، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم التي أدت إلى انخفاض قيمة العملة. ويرى الطيب أعيس أن المستفيد الأول من حركية العملات (انخفاض اليورو وارتفاع الدولار) هي أميركا، معتبرا أن المنافس الحقيقي لأميركا هي أوروبا متحدة مُهيكلَة وقوية. ويعتقد أعيس أن الأزمة الأوروبية في بدايتها وأن خريف وشتاء أوروبا سيكون قاسيا.
ويوضح أعيس في السياق ذاته أن رفع نسب الفائدة في الولايات المتحدة سيؤدي إلى مزيد من هروب رؤوس الأموال نحو أميركا وبالتالي زيادة الضغط على اليورو لصالح الدولار وارتفاع الطلب العالمي على الدولار.
وتوقعت المندوبية السامية للتخطيط، في نشرة "الظرفية والموازنة الاستشرافية" لسنتي 2022 و2023 والتي صدرت حديثا، أن الآفاق غير الملائمة للنمو الاقتصادي الأوروبي تفرز تراجعا في ثقة المستثمرين في العملة الأوروبية "اليورو" وبالتالي تفرز انخفاضا في قيمتها. وقالت المندوبية إن الرفع من معدل الفائدة الرئيسي في الولايات المتحدة الأميركية سيؤدي إلى تراجع قيمة العملة الأوروبية، وبالتالي تفاقم فاتورة الطاقة وارتفاع تكاليف الشركات وتدهور القدرة الشرائية للأسر، وقدرت انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار من 1.18 سنة 2021 إلى 1.07 سنة 2022 و2023.
وقالت كريستالينا غورغييفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، "لا تزال الآفاق محفوفة بدرجة كبيرة من عدم اليقين. ومن ذلك، مثلا، احتمال أن تؤدي زيادة الانقطاعات في إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا إلى دفع كثير من الاقتصادات إلى هوة الركود وإطلاق شرارة أزمة طاقة عالمية (…) إن الأوضاع ستكون قاسية في عام 2022، وربما أكثر قسوة في 2023 مع زيادة مخاطر الركود".
كيف يؤثر انخفاض اليورو في مقابل ارتفاع الدولار على المبادلات التجارية المغربية (الصادرات والواردات)؟
بلغت قيمة المبادلات التجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي حوالي 35 مليار يورو، نهاية عام 2020، منها 15 مليار صادرات مغربية نحو الاتحاد. وكانت المبادلات التجارية قد اقتربت من 50 مليار دولار في 2018 (قبل جائحة كورونا).
يرى الطيب أعيس أن انخفاض اليورو في مقابل ارتفاع الدولار له تأثير سلبي على المغرب من جهتين "نشتري بالدولار ونصدر باليورو"، ويقول الاستشاري الاقتصادي والمالي إن أغلب المواد الأساسية المستوردة مقومة بالدولار (الغاز والنفط، زيت المائدة، القمح، القهوة) في مقابل الصادرات التي تتجه في أغلبها نحو أوروبا، وهو ما ينتج عنه وفق أعيس "انخفاض إيرادات الصادرات وضعف تنافسية المنتجات المغربية، وارتفاع فاتورة الواردات المقومة بالدولار".
من جانبه يؤكد أستاذ الاقتصاد والمالية كمال أبو الجواد أن أكبر تأثير سيكون على فاتورة الطاقة، ومنه التأثير على عجز الميزان التجاري.
ووفق بيانات مكتب الصرف المغربي فإن فاتورة الطاقة بلغت 54.64 مليار درهم (الدولار يساوي نحو 10 دراهم) بنهاية مايو/أيار الماضي، مدفوعة بارتفاع إمدادات الغاز والفيول بزيادة تبلغ 14.02 مليار درهم. وبلغ العجز التجاري بالمغرب 91.04 مليار درهم خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية.
وشكل العجز التجاري "15.6% سالب" من الناتج الداخلي في 2021، ويتوقع أن يتفاقم ليصل ناقص 17.9% بالنسبة للناتج الداخلي من عام 2022، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط.
ويتأسف سعيد يوسف على عدم استفادة المغرب من اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة (عجز لصالح أميركا)، وبقيت صادراته في مجملها موجهة للاتحاد الأوروبي. وفي الجانب الإيجابي أشار أبو الجواد إلى تقوية إيرادات الصادرات المقومة بالدولار إلى حدود 40% مثل الفوسفات (تضاعفت صادرات الفوسفات ومشتقاته وبلغت 36.14 مليار درهم بنهاية أبريل/نيسان 2022، مقابل 18.19 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الماضية). مشيرا إلى أن المستوردين المغاربة من أوروبا سيستفيدون من انخفاض اليورو كذلك.
كيف يؤثر انخفاض العملة الأوروبية على السياحة وتحويلات المغتربين بالمغرب؟
وفق المحللين الماليين الذين تحدثت معهم الجزيرة نت، سيتأثر العرض السياحي المغربي بانخفاض اليورو نتيجة انخفاض القدرة الشرائية في الاتحاد الأوروبي الذي يؤثر بدوره على الطلب الموجه للمغرب، وقدر المتحدثون أن تنخفض تنافسية العرض السياحي بالنظر لسعر صرف الدرهم. وكانت وزارة السياحة المغربية قد سجلت ارتفاعا في عدد الوافدين بواقع يفوق مليون و140 ألف سائح خلال يونيو/حزيران 2022، بما يترجم ارتفاعا بـ5% مقارنة مع 2019 (مستويات قبل الجائحة).
أما بخصوص التحويلات المالية للمغتربين المغاربة المقيمين بالخارج، فتخضع وفق المتدخلين لقيمة صرف العملة المحلية بكل من اليورو والدولار، وعلى اعتبار أن أغلب الجالية المغربية توجد بأوروبا فيتوقع أن تتأثر قيمة التحويلات سلبا بسبب انخفاض اليورو.
ووفق مكتب الصرف فإن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج كانت قد تجاوزت 30.56 مليار درهم في أبريل/نيسان 2022.
هل يوجد تأثير لحركية ثنائي العملة اليورو/الدولار على الموازنة العامة والمديونية بالمغرب؟
يوضح سعيد يوسف للجزيرة نت أن كون الاستيراد في مجمله بالدولار؛ فسيؤثر على حقيبة العملة بالمغرب وبالتالي على نسبة المديونية. ويبلغ معدل الدين العمومي الإجمالي 82.5% من الناتج الداخلي.
وبما أن أغلبية الديون المغربية مقومة بالدولار، وتتعلق بالجهات المانحة ومحددة بعقود وفترات مقررة سلفا، يدعو كمال أبو الجواد إلى دراسة استباقية لمعرفة حركية العملة والاستعداد لتقلباتها.
ويثير أبو الجواد إشكالية ضغط التوازنات بسبب ارتفاع فاتورة مواد الطاقة (خارج النفط) على الموازنة العامة من خلال ارتفاع اعتمادات المقاصة (يدعم المغرب الدقيق، وغاز البوتان والسكر)، بالإضافة لتأثير سعر الغاز والفيول الصناعي على إنتاجية الشركات. وكانت الحكومة المغربية قد اعتمدت مشروع مرسوم يقضي برصد 16 مليار درهم إضافية لمواصلة دعم نفقات صندوق المقاصة.
من جانب آخر يفيد الطيب أعيس أن هناك تحسنا في مداخيل الجمارك قد يساهم من جهة ثانية في تخفيف الضغط على الموازنة العامة.
كيف تتأثر القدرة الشرائية للمواطن المغربي بحركية ثنائي اليورو/الدولار؟
يؤكد كل من أعيس وسعيد يوسف وأبو الجواد في تحليلهم لتأثير انخفاض اليورو وارتفاع الدولار على المواطن المغربي، أن ارتفاع السلع المستوردة بالدولار سيزيد من حدة التضخم المستورد، ما سيثقل كاهل المواطن خصوصا ثابتي الدخل والمياومين وسيزيد من تفقير الفقراء.
وتقول المندوبية السامية للتخطيط إن النمو الاقتصادي المغربي يتأثر بتداعيات المحيط الدولي "غير الملائم"، نتيجة تراجع الطلب الخارجي وارتفاع التضخم.
وتضيف أن استهلاك الأسر سيتأثر بالارتفاع القوي لأسعار مواد الطاقة التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات الأساسية الأخرى، وهكذا ستنخفض القدرة الشرائية للأسر بحوالي 1.5% سنة 2022 عوض الارتفاع بـ1.1% كمعدل نمو سنوي للفترة 2015-2019. في حين يتوقع أن يستقر معدل البطالة في حدود 12.2% سنة 2022.
ووفق توقعات المندوبية السامية للتخطيط سيعرف النمو الاقتصادي تراجعا في وتيرته، حيث سيستقر في حدود 1.3% مقارنة بـ7.9% سنة 2021، في حين سيعرف معدل التضخم -المقاس بالمؤشر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي- زيادة بـ4.9% عوض 3.2% سنة 2021 و0.1% سنة 2020.
ما السيناريوهات المتوقعة وهل يمكن أن يخرج المغرب رابحا؟
يرى كمال أبو الجواد أن المغرب يمكن أن يقلص من عجز الموازنة، ويشتغل على البحث عن موارد جديدة، ويقترح أبو الجواد إعادة تفعيل محطة تكرير البترول سامير لامتصاص بعض الضغط على الفاتورة الطاقية.
من جانبه يتوقع الطيب أعيس استمرار الحرب مرحليا، ويرى أن الحلول توجد على المستوى الجيوسياسي العالمي، ويدعو المغرب لاستباق صدمة الأزمة الأوروبية التي يتوقع أن تكون حادة، وفق توصيفه، وذلك عبر التدبير الجيد وتقليص البيروقراطية لتشجيع أكبر للاستثمار وجذب رؤوس أموال وتقوية النسيج الاقتصادي عبر التصنيع، بالإضافة للاشتغال على الطاقات المتجددة، وتسريع أشغال أنبوب نقل الغاز بين نيجيريا والمغرب نحو أوروبا. ويعتقد أعيس أن المغرب ودول جنوب المتوسط يمكن أن تخرج رابحة إذا تعاملت بنجاعة أكبر، واستباقية مدروسة.
أما سعيد يوسف فتحدث عن سيناريو التوافق لإيقاف الحرب واستعادة الاقتصاد الأوروبي عافيته. ويعتقد أن ألمانيا وفرنسا لهما من الإمكانات ما يجعل الاتحاد يخرج بأقل الخسائر من هذه الأزمة، مشيرا إلى أنه في حال استمرار الحرب ستزداد القطبية بين أميركا وروسيا والصين وسيكون الخاسر الأكبر هو الاتحاد الأوروبي.
وعن المغرب يقول سعيد يوسف إنه لا بد من الاشتغال على تنويع الأسواق وتوجيه الصادرات نحو أميركا، والاستفادة من اتفاق التبادل الحر مع أميركا وتركيا وغيرهما.
ويخلص أعيس للقول إنه "عند تحليل نقطة بنقطة، هناك إيجابيات وسلبيات، لكن انخفاض اليورو بهذا الشكل أمام الدولار يعدّ سابقة، وإن الاقتصاد المغربي إجمالا بالنظر لموقعه الجغرافي ومعاملاته مع الاتحاد الأوروبي في ظل الأزمة؛ سيواجه التأثير السلبي غالبا".