بعد فوزه بجائزة الدولة التقديرية.. رشوان توفيق: لم أحلم بها يوما

بعد فوزه بجائزة الدولة التقديرية.. رشوان توفيق: لم أحلم بها يوما
الوقائع الاخبارية : أرادت أسرته أن يكون دبلوماسيا، فغلبه هواه واختار التمثيل. عايش مصر الملكية، وعندما قامت ثورة 23 يوليو/تموز كان في ريعان شبابه، فكان شاهدا على عهد ملك و6 رؤساء تتابعوا على حكم مصر.

بينما يقترب عمره من الـ90 عاما فبراير/شباط المقبل، فاز الفنان رشوان توفيق بجائزة الدولة التقديرية لهذا العام. وشارك خلال مسيرته الفنية في أكثر من 35 فيلما ونحو 200 مسلسل و45 سهرة تلفزيونية و9 مسرحيات.

يقول رشوان توفيق للجزيرة نت، "هناك مخرجون كبار أثرَوا حياتنا بالكثير من الأعمال الفنية الكبيرة، وهم بلا عمل منذ سنوات، مثل المخرج محمد فاضل ورباب حسين والسيدة أنعام محمد علي، وإذا كان من حق الشباب أن يعملوا، فهل سنترك الفنانين الكبار في السن ليموتوا، والفنان ما دامت لديه ذاكرة جيدة وقدرة صحية على التمثيل، يجب ألا نحكم عليه بالإعدام وهو على قيد الحياة".

ويقول قدمت جميع الأدوار في السينما والمسرح والتليفزيون، في "الضوء الشارد" تقمصت دور الصعيدي بكل قوته وعنفوانه، وفي "الإمام الشافعي" و"عمر بن عبد العزيز" لعبت دور الراعي الصالح.

وملك رشوان توفيق الألباب بخشوع أدائه وروعته، حتى احتكر الأدوار الدينية، وطلبه الشيخ الشعراوي ليبلغه مدى تأثره بجمال أدائه لدور الراعي الصالح في مسلسل "عمر بن عبد العزيز"، فأصبحا من بعد ذلك صديقين.

جائزة الدولة التقديرية جاءت بترشيح من جامعة القاهرة، وهي من المرات النادرة التي تتصدى فيها أقدم جامعة عربية لترشيح فنان، فما تقديرك لهذا الاختيار، وما دلالته؟
لم يدر بخلدي في يوم ما أن أرشح نفسي أو ترشحني هيئة ما لأي جائزة، وأنا أشارف 90 عاما من عمري عشت فيها حياتي ببساطة الفلاح الذي يبذل الجهد ويرمي البذور وينتظر الحصاد، والحقيقة أني فوجئت بجامعة القاهرة ترشحني وجاؤوا وأخذوا منى السيرة الذاتية، وبعدها بلغتني وزيرة الثقافة بفوزي بالجائزة.

بعد هذا العمر، هل أنت راض عن مجمل أعمالك، وهل هناك أعمال ندمت على أدائها؟
لم يكن الفن نزهة في حياتي، بل كان مدرسة وتعبا وعرقا ودموعا، مدرسة تعلمت فيها الكثير وتتلمذت فيها على أيدي الرواد، وكان أكبر دروسي أن الحكم على الناس لا يكون بظاهر أعمالهم، كنت أذهب لأجلس مع المخرج الكبير إبراهيم الصحن لأقطف منه الحكمة، إذ كان فيلسوف الفن بحق.

وكنت أظن أن الفنان الكبير يحيى شاهين لا يترك الكأس من يده، حتى تعرفت عليه، ولمست فيه صوفية لم أعهدها في ولي، كان يأخذ زوجته وابنته الصغيرة ويذهبون لبيت الله الحرام، ويبقون هناك شهرا أو أكثر، متفرغا للعبادة والصلاة وعمل الخير.

وأما الفنانة تحية كاريوكا، فكانت لا تنقطع عن زيارة مسجد الرسول، أكثر من مرة في العام الواحد، وكنت كلما دخلت عليها بيتها كان المصحف لا يفارقها، وكانت فعالة للخير، تنفق كمن لا يخشى الفقر، في الموالد تذبح "العجول" وتلبس عباءة سوداء وتقف مع الطباخين بنفسها وتقدم الأكل للفقراء بيدها.

ويضيف رشوان توفيق "طوال رحلتي، لم يكن هناك من أعمال أندم عليها، بل أقول كل أعمالي كنت راضيا عنها، وكان جمهوري هو الترمومتر الذي أقيس به مدى صدق أعمالي".

الأعمال التاريخية
الأعمال التاريخية الكبيرة غابت عن الساحة في الفترة الأخيرة، فلم تعد هناك مسلسلات كبيرة مثل "الناصر صلاح الدين" أو "موسى بن نصير"، و"طارق بن زياد"، وغيرها من المسلسلات الكبيرة، ما السبب؟
هذه قضية في غاية الأهمية، لأني دائما ما أقول وأنادي بأن الدولة لا بد وأن تعود للإنتاج مرة أخرى، لأن المسلسلات التاريخية والدينية تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لا يقدر على إنتاجها إلا الدولة، والدولة عندما أنتجت مسلسل "الاختيار" خرج بشكل جيد، أما المنتج الخاص، أو المنتج المنفذ يهمه الإنتاج الخفيف غير المكلف، فلا سبب يدعوه لتفصيل ملابس جديدة تناسب الحدث التاريخي، أو يقوم بتأجير عشرات الخيول اللازمة للمعارك والأحداث الدينية والتاريخية مثل "الأبطال" و"الفرسان" تكلفتهم عالية جدا.

المنتج الخاص فقط يؤجر الاستديو، والممثلين يأتون بملابسهم الخاصة بهم، ولا شيء يدفعه لأن يفعل أكثر من ذلك.

شهدت الدراما الدينية والتاريخية طفرة كبيرة، وضربت فيها بسهم البطولة حتى كدت أن تحتكر هذه النوعية من المسلسلات، فما تعليقك؟
الأعمال الدينية استهوتني في فترة مبكرة من شبابي، وكانت الحصيلة ضخمة، ومعظمها أدوار بطولة، وأستطيع أن أقول إنني الفنان الوحيد الذي انفرد ببطولة عشرات الشخصيات التاريخية والدينية، أذكر منها أدواري في مسلسلات "سيدي إبراهيم الدسوقي"، و"زيد بن حارثة"، و"ابن عطاء الله السكندري"، و"الإمام الشافعي"، و"عمر بن عبد العزيز"، و"محمد رسول الله"، و"أبو حنيفة النعمان"، و"القضاء في الإسلام"، و"بلاط الشهداء"، و"أهل الرحمة"، و"على هامش السيرة" وغيرها كثير.

فبراير/شباط القادم، تتم 90 عاما، عاصرت خلالها حكم ملك و6 رؤساء جمهورية للدولة المصرية، فأي من تلك المراحل كان الفن فيها أكثر ازدهارا؟
بداية، لا أتكلم في السياسة، لكن أؤكد أن أكثر المراحل ازدهارا كانت المرحلة التي كان فيها الأستاذ ممدوح الليثي مسؤولا عن قطاع الإنتاج في التلفزيون، والمرحلة التي سبقتها وقت أن كان الأستاذ يوسف عثمان مسؤولا عن قطاع الفيديو. ويوسف عثمان هو الذي أطلق العنان لهذه المرحلة، ومن رحمها خرج مسلسل "ليالي الحلمية"، و"عصفور النار" و"رحلة أبو العلا البشري" والأعمال التلفزيونية العظيمة التي تلتها، والذي لا يعرفه كثيرون أن "ليالي الحلمية" كان مرشحا لبطولتها كل من محمود ياسين وسعيد صالح، ولكن طلبا رفع أجرهما، ولم تكن اللائحة والميزانية تسمح بذلك، فوقع الاختيار على يحيى الفخراني ومحمود السعدني، وكانت سببا في انطلاق النجومية المتفجرة والطاغية للفخراني والسعدني معا.

ولو انتقلنا من قطاع الفيديو، فأرى أن قطاع الإنتاج في فترة رئاسة ممدوح الليثي أعظم مرحلة في تاريخ الدراما، بما كان فيها من أعمال تاريخية واجتماعية ضخمة جدا.

توجد أعمال درامية مهمة، ويوجد على الساحة الآن كتاب جيدون، ولكن هناك أيضا الكتاب الكبار أمثال جلال عبد القوي ومجدي صابر، وغيرهم من آباء الدراما الحقيقيين، أين هم الآن؟
حقيقة، لا أعرف السبب الحقيقي وراء اختفائهم، فأنا في بيتي ولا أعرف ما يدور خارجه، ولكن أعرف أن للأستاذ جلال عبد القوي أعمالا جاهزة، ولكن لا أحد يطلب أعماله، وهذا لا ينطبق على الكتاب فقط، بل إن هناك مخرجين كبارا أثرَوا حياتنا بالكثير من الأعمال الفنية الكبيرة، ولهم سنوات بلا عمل مثل المخرج محمد فاضل ورباب حسين والسيدة أنعام محمد علي، وإذا كانت الدولة الآن تنتج 20 مسلسلا في العام ليكن للشباب حقهم في العمل، لكن يجب ألا نتجاهل المخرجين الكبار، لأنهم ثروة قومية لا تقدر بثمن.

المخرج محمد فاضل، رغم أنه لا تسند إليه أعمال الآن، فإن أعماله تُعرض طوال العام في كل القنوات، ومدام أنعام محمد علي ما زالت أعمالها تعرض، ومسلسل "أم كلثوم" أكبر مثال على ذلك، ومسلسل "الليل وآخره" للمخرجة رباب حسين ما زال يعرض، كلها روائع لا يمل الناس من مشاهدتها.

وكذلك، الممثلون الكبار لا وجود لهم على الساحة؛ في كل المسلسلات لا يوجد ممثلون كبار، الأعمال الموجودة حاليا للشباب فقط، لا أعارض ذلك، ومن حق الشباب أن يعملوا، ولكن الممثلين الكبار في السن "خلاص، يروحوا يموتوا".

تقليد الغرب
شخصية البطل الشعبي الآن تعتمد على البنيان الجسماني، والبعض يركز على "الأكشن"، أكثر من تأكيدهم أي مضمون ثقافي أو إنساني، ما رأيك؟
أصاب بالصدمة لما أراه من أفلام ومسلسلات تقلد المجتمعات الغربية، وننسى أن مجتمعنا يختلف عن تلك المجتمعات، وأتذكر كلمة المخرج الكبير محمد فاضل "التلفزيون الأسرة"؛ فالولد الذي قتل زميلته على باب الجامعة، والطفل ابن العاشرة الذي ضرب زميله في الفصل بالموسي في وجهه، وغيرها من أحداث العنف التي شقت المجتمع خلال السنوات الأخيرة هي تعبير مباشر لما يقدم من أفلام ومسلسلات، مسلسلات مضمونها الضرب والعنف وليس المواقف الإنسانية الجميلة، ومن 3 أيام رأيت مشهدا لممثل شاب أحبه، وهو يسب الممثلة بلفظ جارح وناب، ويبررون هذا بأنه يحدث في الواقع، أي واقع هذا الذي يصور القبح ويترك الجميل؟

وما أراه أمامي من مشاهد فيها الكثير من العنف والضرب والقتل لا تمت للفن بشيء، أين هذا من طبيعة وعادات مجتمعنا الطيب النبيل؟ وأين نحن من مسلسلات "أين قلبي"، و"المال والبنون"، و"ليالي الحلمية"، و"الليل وآخره" و"رحلة السيد البشري"، و"ذئاب الجبل"، و"امرأة من زمن الحب"؟ أعمال كلها علامات وتعبر عن حقيقة مجتمعنا.

وأذكر أن أسامة أنور عكاشة كان يختلف مع الرقابة على مساحة الحرية التي يتحرك فيها المؤلف والممثلون وتجري فيها الأحداث، أما الألفاظ الخارجة كان من المستحيل أن تمر.

مِن الفنانين الشبان، من يمكن أن نقول عنه إنه يصنع مسيرة فنية حقيقية من خلال الأفلام والمسلسلات الدرامية التي تدوم للأجيال المقبلة؟
التمثيل أداء وأدوار، والبطل الذي ينفع لدور ما، قد لا يجيد الأداء في دور آخر، وهناك عدد من الممثلين الشباب الممتازين، ومصر ولادة، وسيخرج من بينهم من يفوقنا قدرة واقتدارا، وممثلينا بقدراتهم الفنية لا يقلون عن العالمية في شيء.

هل لك أن تذكر لنا عددا من المخرجين الذين عملت معهم، ما الذي كنت تراه فيهم مختلفا عن مخرجي هذه الأيام؟
60 عاما تقريبا أو أكثر، تعاملت فيها مع العشرات من المخرجين العظام، من أول نور الدمرداش، ومحمد فاضل، وأحمد طنطاوي، وأحمد توفيق، هذا العبقري تمثيلا وإخراجا وأنعام محمد علي ورباب حسين والمخرج الكبير مجدي أبو عميرة عملت معه العديد من الأعمال الدرامية، منها "المال والبنون"، ويحيى العلمي مخرج الروائع.

وأما المخرج الكبير إبراهيم الصحن فيلسوف الإخراج، فكنا نستمع إليه لنقطف منه ثمار الحكمة، وكان يعطي الفنان حقه بشكل فوري، وكان أخلاقا تمشي على الأرض، عشرات الأعمال قمت بها معه، منها مسلسل "في بيتنا رجل"، حيث قمت بدور حسين رياض في الفيلم وهو من أفضل الأدوار التي قمت بها في حياتي، وقام فاروق الفيشاوي بدور عمر الشريف.

من هم أساتذتك؟ وماذا تعلمت منهم؟
أساتذتي عبد الرحمن الزرقاني وعبد الوارث عسر، وغيرهم كثير، ولكن لا أنسى زاهد السينما المصرية، الفنان العظيم محمود مرسي، هذا الرجل لا تمل من سماعه بجانبيه العلمي والإنساني، لتميزه بثقافة إنسانية رفيعة، وفي إنسانيته. أقسم بالله، أن هذا الرجل لم يكن لجماله مثيل، كان زاهدا في الدنيا، وزاهدا في المال، يرفض مسلسلات بمئات الألوف، ويذهب لتمثيل حلقة بمسلسل إذاعي بمقابل 10 جنيهات، ويضحك ويقول "10 جنيهات من الإذاعة أحلى وأغلى".

تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير