في الاقتصاد باختصار

في الاقتصاد باختصار
د. خليف احمد الخوالدة
بعض الإجراءات تأتي نتائجها بعكس المستهدف منها، فيأتي ضررها أكثر من نفعها. قد يكون نفعها مؤقت ولكن ضررها يمتد ويطول.

كلما زادت نسبة الضرائب والرسوم من قيمة المنتجات والخدمات، كلما ارتفعت تكاليف وأسعار المنتجات والخدمات. وهذا يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة على تنافسية وجاذبية قطاعات الأعمال والاستثمار وبالتالي قتل الاقتصاد وبالنتيجة انخفاض حصيلة الايرادات من الضرائب والرسوم. أي بعكس الأهداف والتوقعات.

صحيح أن زيادة الضرائب والرسوم قد توفر للمالية العامة ايرادات لكنها مؤقتة وغير مستدامة. قد تزيد الايرادات المحصلة من بند معين بالموازنة ولكن يرافق ذلك انخفاض في حصيلة الايرادات من البنود الأخرى وخصوصا المتعلقة بالنشاط الاقتصادي. هذا بالإضافة إلى انخفاضها من نفس البند في العام اللاحق أو الذي يليه.

كما أن زيادة الضرائب والرسوم تقضي على امكانية زيادة الايرادات العامة المتأتية من النشاط الاقتصادي على المدى الطويل وذلك، وباختصار، لأن مثل هذا الإجراء يقتل الاقتصاد. وهذا تلقائيا يؤدي إلى انخفاض الايرادات العامة بدلا من زيادتها. وعليه لا تعدو هذه الإجراءات عن كونها محاولة لحل مشاكل اليوم بحلول ترقيعية مشوهة وبثمن باهض على حساب الغد، أي تخلق تشوهات أكبر تحتاج إلى حلول في الأعوام اللاحقة. وهذا اشبه بمن يعطي مسكنا للآلام ولكن تكراره أو التمادي فيه يؤدي إلى تفاقم المشكلة وربما الوفاة.

لا ينجح أي متخذ قرار ما لم يأخذ الحاضر والمستقبل معا بعين الاعتبار ويوازن بينهما، بل قد يتطلب الأمر أن يُضحى قليلا بالحاضر لأجل المستقبل وليس العكس.

لا ينجح أي متخذ قرار إذا كان تفكيره ومسعاه محكوما بالسعي لتوفير أرقام مجردة بمعزل عن السياسات. بمعنى لا تتحقق كنتيجة طبيعية لعملية تبني سياسات اقتصادية. ولا ينجح من يُغلب المحاسبة على الاقتصاد في قرارته.

التخطيط يبدأ من رسم المستقبل وتثبيت رؤيته ومن ثم العودة الى اتخاذ معالجات للحاضر ولكن ضمن اطار التوجه المستقبلي وفحواه.

أنا لا ادري كيف يتم تشجيع الاستثمار وفي ذات الوقت فرض الكثير من القيود والالتزامات عليه.
كيف يتم اتخاذ إجراءات تسهيلية لجذب الاستثمار والمحافظة عليه وفي ذات الوقت يقدم مشروع قانون للاقرار يتضمن العديد من المواد التي ينبثق عنها لاحقا العديد من الأنظمة والتعليمات. وكل هذا يرتب قيودا وتعقيدات ويقلل هامش المرونة في التعامل مع مختلف الحالات والمعطيات. انا ارى الا يتجاوز مشروع القانون اربع صفحات. وهذه دعوة للاطلاع على تشريعات الدول المتقدمة بهذا الخصوص.

الخلل في التحليل يقود إلى فهم خاطىء للواقع وعدم معرفة صحيحة للمطلوب. وهذا يقود إلى اتخاذ إجراءات تتضمن المزيد من المعيقات والتعقيدات وبالتالي الذهاب بعكس الاتجاه أو على الأقل البقاء في نفس المكان.

الحكمة في خلق حالة توازن بين معطيات المالية العامة وبين الاقتصاد وعلى المديين القريب والبعيد.

عندما يستفحل الخلل في مؤشرات المالية العامة والموازنات وتغدو مزمنة، هنا لا بد من رسم، وبعناية، خطة طويلة المدى تتضمن حلول يُلتزم بها تماما ويتم تنفيذها ضمن اطر زمنية محددة لا أن يبقى الأمر قيد الاجتهادات اللحظية التي ينقصها الكثير من العمق في التحليل.

إذا لم تتغير طريقة إدارة السياسات الاقتصادية والمالية، فلن يتعدى العمل عن كونه مجرد سلسلة من المحاولات لمعالجة التشوهات التي للأسف سببتها المعالجات السابقة. بمعنى معالجات تخلق تشوهات يضيع الوقت في محاولة معالجتها دون تحقيق أي تقدم يذكر أو أي نتائج إيجابية في هذا النطاق. وبالتالي الوضع يزداد سوءًا.

ختاما، النتائج لا تتغير ما لم يتغير النهج والوسائل والأدوات.
تابعوا الوقائع على