فانكوفر الكندية.. هكذا أسهمت جائحة كورونا في ازدهار "هوليود الشمال"
الوقائع الاخبارية : عندما نطق آخر مخرج هوليودي في أبريل/نيسان 2020 "أوقف التصوير"، كان ذلك إيذانا بأطول فترة توقف تشهدها كاميرات السينما العالمية، لكن مدينة فانكوفر الكندية بمقاطعة بريتيش كولومبيا لم تتوقف طويلا، إذ سرعان ما استعادت عافيتها وتحولت إلى أكبر ستوديو تنفيذ في العالم للإنتاج الهوليودي، فضلا عن الإنتاج الكندي الأصلي.
ورغم أن المنتِج الهوليودي يضع نصب عينه اليمنى دائما الأرباح، فإن العين اليسرى تركز دائما على التوفير في التكلفة، مع الحرص على تنفيذ الأفلام في أماكن مناسبة لأجواء العمل الفني -سواء فيلم أو مسلسل- وهو ما يتوافر تماما في كندا، خاصة فانكوفر الواقعة على خط الطول نفسه الذي تقع عليه ولاية كاليفورنيا الأميركية التي بها مدينة هوليود.
وقد استكملت شركات الإنتاج السينمائي والتليفزيوني وشبكات البث بناء ستوديوهاتها ومكاتبها لتكون مقرات رئيسية للإدارة والتصوير من المدينة التي رشحتها الصحافة الأميركية لتكون "هوليود الجديدة"، وذلك بعد أن جذبت الإعفاءات الضريبة المئات من الأعمال إليها.
في تصريح صحفي، أكد جيف تيولي، مفوض فانكوفر السينمائي بلجنة فانكوفر الاقتصادية (وهي وكالة خارجية لمدينة فانكوفر يحكمها قانون الجمعيات)، استعادة المدينة مكانتها، قائلا "يزدهر الفيلم في فانكوفر. نحن مشغولون للغاية؛ عدد تصاريح الأفلام التي نصدرها أعلى بنسبة 25% مما كان عليه قبل عام، وهو ما يترجم إلى 4-6 تصاريح في اليوم. استعادت الصناعة توازنها في وقت مبكر جدا من الوباء، فقد رأينا علامات الانتعاش بسرعة كبيرة بعد توقف الإنتاج أوائل عام 2020، واستمر هذا التعافي بوتيرة ثابتة".
ويشير تيولي إلى أكثر المناطق ظهورا على شاشات هوليود، قائلا: "لطالما كان وسط مدينة فانكوفر منطقة تصوير شهيرة، لا سيما الحي التجاري المركزي حول شارعي بورارد وهاستينغز. لدينا هنا ناطحات سحاب شاهقة من الزجاج والفولاذ، ومبنى إداري كبير، وهندسة معمارية مثيرة للاهتمام مثل مبنى مارين الذي يمكن أن يمر عبر منطقة تجارية رئيسية في أي مدينة تقريبا في العالم. لا تزال جاستاون واحدة من أكبر مناطق التصوير في المدينة، إنها منطقة ساحرة للغاية لصانعي الأفلام بشوارعها المرصوفة بالحصى والممرات الماتعة والساحات العامة، بالإضافة إلى المقاهي والمتاجر الفريدة من نوعها، يمكنها لعب أي دور من الغرب القديم إلى منظر الشوارع الأوروبية الكلاسيكية".
غلاف من سحاب
وتتمتع فانكوفر بأجواء معتدلة مقارنة بكندا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى غطاء سحابي ناصع البياض يساهم في حل أزمة الإضاءة التي تواجه من يصور في أجواء غائمة.
ومن أشهر الأفلام التي تم تصويرها في فانكوفر حديثا فيلم "ثور: الحب والرعد" (Thor: Love and Thunder) إنتاج عام 2022، للمخرج تيكا واتيتي وبطولة كريس هيمسوورث؛ وفيلم "النهر البكر" (Virgin River) إنتاج عام 2019، بطولة مارتن هندرسون؛ وفيلم "تنفس" (Breathe) إنتاج عام 2022 بطولة ميليسا باريرا.
وحقق عدد من الأفلام التي صورت قبل الجائحة شهرة كبيرة، فضلا عن الإيرادات، ومنها فيلم "عيون كبيرة" (Big Eyes) إنتاج عام 2014، من بطولة إيمي آدامز وكريستوفر والتز وإخراج تيم بورتون، وفيلم "أبوللو 18" (Apollo 18) إنتاج عام 2011 للمخرج غونزالو لوبيز، وفيلم "ليلة في المتحف: معركة سميتونيان" (Night At The Museum: Battle Of The Smithsonian) إنتاج عام 2009 بطولة النجم الكوميدي الشهير بين ستيلر.
ومن أشهر الأفلام التي صورت في تورنتو ومقاطعات قريبة منها فيلم "جبل بروكباك" (Brokeback Mountain) للمخرج أنج لي (2005) وبطولة الممثل الراحل هيث ليدجر، وأيضا فيلم "تايتانيك" (Titanic) للمخرج الكندي جيمس كاميرون (1997) وبطولة ليوناردو دي كابريو وقد صور هذا العمل تحديدا بالقرب من شواطئ مدينة هاليفاكس، حيث غرقت السفينة تايتانيك الأصلية عام 1912، أما فيلم "صيد ويل الطيب" (Good Will Hunting) للممثل روبين ويليامز (1997) فقد صور أغلبه في جامعة تورنتو.
صمود أمام الجائحة
وطبقا لتقرير صادر عن جمعية منتجي وسائل الإعلام الكندية عن حالة صناعة السينما، فإن ستوديوهات هوليود وصانعي الأفلام الآخرين من الخارج لم تردعهم إلى حد كبير تدابير الصحة والسلامة الصارمة عن صناعة الأفلام في كندا، رغم انخفاض الإنتاج السينمائي المحلي بنسبة 5%، لكن صناعة هوليود والأفلام الأجنبية هي القطاع الوحيد الذي شهد زيادة في الإنتاج وخلق آلاف الوظائف، ليس فقط للممثلين وطاقم العمل، ولكن لآلاف الأدوار المرتبطة في الإنتاج وما بعد الإنتاج.
وحقق منتجو السينما والتلفزيون في مقاطعة بريتيش كولومبيا حجما قياسيا من الإنتاج بين مارس/آذار 2020 وأبريل/نيسان 2021 بقيمة 5.27 مليارات دولار.
وفي عامي 2018 و2019، أسهمت صناعة السينما في بريتيش كولومبيا بمبلغ 3.2 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي مع وظائف صناعية مباشرة، ودخل العمل بما قيمته 1.67 مليار دولار.
تورنتو تنافس فانكوفر
على الطرف الشرقي من كندا، تأبى مدينة تورنتو -عاصمة مقاطعة أونتاريو- إلا منافسة فانكوفر في الإنتاج الأصلي والتنفيذ، وهو ما أهّل المدينتين لاستحقاق اسم "هوليود الشمال" الذي تطلقه عليهما الصحافة الأميركية.
وتشتهر فانكوفر عالميا بأنها رائدة في إنتاج الأفلام السينمائية، إذ تضم 40% من إجمالي الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في كندا، ما يجعلها ثالث أكبر صناعة للأفلام السينمائية في أميركا الشمالية بعد لوس أنجلوس ونيويورك.
تم تصوير العديد من الأفلام الأميركية في كندا، نظرا للحوافز الضريبية وتكلفة المعيشة الأقل من الولايات المتحدة، مما يسمح للإنتاج بتوفير المال على تكاليف العمالة.
وكشفت دراسة أجريت عام 2021 عن المواقع الأكثر تصويرا في جميع أنحاء العالم، وجاءت شلالات نياغرا في كندا باعتبارها الأولى. استخدمت الدراسة، التي أجراها "نت كريديت" (Net Credit) للبحث، موقع "آي إم دي بي" (IMDb) المتخصص في السينما للعثور على أفلام من عام 1900 إلى عام 2020، ثم صنفت النتائج بناء على الدولة والموقع.
وقد أدى تنفيذ الإنتاج الهوليودي في الشمال إلى تحول مقاطعة بريتيش كولومبيا بشكل عام، ومدينة فانكوفر بشكل خاص، إلى مصنع للأفلام السينمائية والمسلسلات طوال العام، ونشطت فيها مدارس السينما بكل فنونها، كما دفعت الأجواء بالعديد من الكنديين إلى الحلم بنجومية هوليود ونجح العديد منهم، مثل الكوميدي الشهير جيم كاري، وجوشوا جاكسون، والممثل ريان غوسلينغ، وريان رينولدز، وكيفر ساذرلاند، ومايكل جيه فوكس، وتعود أصول المخرج الهوليودي الكبير جيمس كاميرون مخرج تايتانيك و"أفاتار" إلى أونتاريو بكندا، وقد انتقل إلى الولايات المتحدة عام 1971.