هل تتذوق واشنطن من نفس كأس لندن؟ أم تنجو من بين فكي التضخم والركود؟​​​​​​​

هل تتذوق واشنطن من نفس كأس لندن؟ أم تنجو من بين فكي التضخم والركود؟​​​​​​​
الوقائع الاخبارية:يقف رؤساء الدول والحكومات في معظم أنحاء العالم أمام موقف صعب، يتعلق بالاختيار بين أمرين كلاهما أسوأ من الآخر، (الركود أم التضخم)؟ ثم هل تتذوق واشنطن من نفس الكأس الذي شربت منه لندن، أم تنجح سياساتها في النجاة من بين فكي التضخم والركود؟

هل سيحاولون خفض التضخم أم يسعون لمواجهة الركود المقبل وتخفيف حدته؟، ربما لا يكون القيام بالأمرين معا في وقت واحد ممكنا لأن ما يطفئ أحدهما يضيف الوقود للآخر.

تركيز الجهود على هزيمة التضخم، يعني حدوث الركود الذي يؤدي إلى توقف الأعمال وفقدان الملايين من الناس أعمالهم، أما محاولة تجنب الركود، فهي ستقود حتما لمستويات معيشية منخفضة بسبب ارتفاع تكاليف التضخم وانهيار العملة.

صمود وسط اقتصاد يصارع الركود.. من أين يستمد الدولار قوته؟

لا يوجد خيار لا ينطوي على ألم اقتصادي خطير، سواء كان مواجهة هجوم الركود، أو محاربة توحش التضخم.

الولايات المتحدة اتخذت توجه مواجهة التضخم وتناست مخاوف الركود قليلا، أما المملكة المتحدة فقررت أن تتحدى الركود متجاهلة وحش التضخم.

تجربة لندن.. الفشل السريع بالنظر إلى تجربة رئيسة وزراء بريطانيا المستقيلة، ليز تراس، فهي ذهبت بقوة نحو تجنب الركود، حيث وعدت بنمو اقتصاد بالبلاد بمجرد توليها المسؤولية من خلال تخفيضات ضريبية وإعفاء المستهلكين من خلال دعم أسعار الوقود.

ذهبت تراس إلى أبعد مما وعدت به في حملتها، وفقا لمجلة "The Economist"، بالإضافة للتخفيضات الضريبية المخطط لها، طرحت تراس تخفيضا ضريبيا لبعض أغنى البريطانيين ولم ينته عند هذا الحد، فكانت هناك تسريبات تؤكد أن الحكومة قد تذهب إلى أبعد من ذلك وتعلن المزيد من التخفيضات الضريبية.

بدأ المستثمرون والاقتصاديون ومحللو السوق في توجيه انتقادات للخطة، وأشاروا إلى عدم وجود خطة لدفع تكاليف التخفيضات الضريبية، ناهيك عن الزيادة في الإنفاق الحكومي التي ستكون مطلوبة لتعويض ارتفاع تكاليف الوقود.، كما تعهدت "تراس".

الدولار يتلاعب بالجنيه في 44 يوما.. ماذا فعلت "تراس" بالاسترليني؟

أضف لذلك، مسألة فشل رئيسة وزراء بريطانيا في تقديم خطتها الاقتصادية إلى مكتب الميزانية المستقل في المملكة المتحدة، والذي عادة ما يؤثر في السياسات الاقتصادية الحكومية ويقدم توقعات، حيث مثل ما قدمه من صورة سلبية للأوضاع الاقتصادية في البلاد، صدمة للمستثمرين.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالرئيس الأمريكي جو بايدن انتقد الخطة على موقع تويتر، ووصفها بـ"الاقتصاد المتدفق للأسفل"، وهو مصطلح تهكمي غالبا ما يستخدم لوصف فكرة خفض الضرائب لتنمية الاقتصاد.

الخبير الاقتصادي ويليام جيل، مدير مركز السياسة الضريبية في بروكينغز، قال وفقا لـ"npr"، إن فكرة ليز تراس كانت سيئة، التخفيضات الضريبية باهظة الثمن، ولم تكن هناك خطة لدفع تكاليف تلك التخفيضات الضريبية.

وأضاف، المملكة المتحدة تكافح التخضم، والأسعار ترتفع بمعدل يزيد عن 13%، أضف لذلك أن التخفيضات الضريبية والمساعدات الحكومية تؤدي إلى تفاقم التضخم لأن كلاهما يضخ الأموال في الاقتصاد، وعندما يكون لدى الأفراد والشركات أموال أكثر، فإنهم يميلون إلى إنفاقها، وهذا الطلب المتزايد يميل إلى رفع الأسعار، وهو ما يغذي زيادة معدلات التضخم.

الأمور تحركت بشكل غريب بالنسبة لرئيسة الحكومة ليز تراس، فلا هي واجهت الركود، ولا هي سيطرت على التضخم، فبعد محاولتها دعم نمو الاقتصاد، والتي باءت بالفشل، بدأ معظم المستثمرين إخراج أموالهم من لندن، مع تجاوز تكاليف الاقتراض في البلاد الحد الأقصى، وهو ما أدى إلى نقص ثقة المستثمر في قدرة بريطانيا على تغطية ديونها، وكان على بنك إنجلترا أن يتدخل ويتخذ إجراءات طارئة.

النتيجة في بريطانيا كانت كارثية وأشبه بالصدمة، فما حدث مع حكومة ليز تراس، يحدث فقط في البلدان التي تعاني أزمات اقتصادية كبيرة ومعرضة لخطر الانهيار التام.

خطة واشنطن.. تحت الاختبار هناك على الجانب الآخر من الأطلسي، تحركت الإدارة الأمريكية نحو خفض معدلات التضخم وتجاهلت مسألة الركود، رغم تعرض الاقتصاد لانكماش خلال ربعين متتاليين، وهو ما أطلق عليه البعض اصطلاحا بأنه يقترب من مفهوم الركود.

لكن مسألة مواجهة التضخم لها أضرارها، خفض التضخم والذي يعرف أيضا باسم خفض الأسعار عبر الاقتصاد، يعني رفع أسعار الفائدة، كما حدث بالولايات المتحدة.

رفع أسعار الفائدة، يربط الاقتصاد بشكل أساسي ويمنعه من النمو بسرعة، فعندما ترتفع أسعار الفائدة، يصبح اقتراض الأموال أكثر تكلفة، لذلك يميل الأشخاص والشركات إلى اقتراض أموال أقل وإنفاق أموال أقل، وبالتالي يشترون أشياء أقل، وهو ما يقود إلى انخفاض ​​الطلب على الأشياء وهذا يؤدي في النهاية إلى انخفاض الأسعار، وتراجع معدلات التضخم.

تم حل مشكلة التضخم، لكن هناك مشكلة يمكن توضيحها في أن عدم شراء الأشخاص للأشياء يعني أن الشركات تبيع أشياء أقل، وتجني أموالا أقل، وتكون أقل ميلا للنمو والاستثمار وتوظيف أشخاص جدد.

وبالتالي، رفع أسعار الفائدة يوقف النمو الاقتصادي وهو حل مؤلم.

عندما عالج رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بول فولكر التضخم في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أغرق البلاد في ركود عميق وفقد ملايين الأشخاص وظائفهم.

في الوقت الحالي، الولايات المتحدة تقوم ببعض الأمرين: يقوم رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول برفع أسعار الفائدة، والبيت الأبيض يحاول الحفاظ على أسعار الوقود منخفضة، وإلغاء ديون الطلاب، وتقديم المساعدة إلى الناس في طرق مختلفة.

وبالتالي لا يتصاعد التضخم في الولايات المتحدة ويبدو الاقتصاد قويا إلى حد ما، ولكن إذا تغير ذلك، وهو يمكن أن يحدث بسرعة كبيرة، فقد يدخل أكبر اقتصاد في العالم في دوامة كبرى.

فعليا وحتى الآن لم يحدث هذا في الاقتصاد الأمريكي، وعلي الجميع أن ينتظر ما ستسفر عنه الاجتماعات المقبلة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وماذا سيحدث في حال رفع أسعار الفائدة مرة أخرى؟ العين

تابعوا الوقائع على