حبس المدين وقانون التنفيذ المعدل

حبس المدين وقانون التنفيذ المعدل
الاستاذ مرشد القراله
لقد أثارت قضيه حبس المدين الرأي العام ما بين مؤيد ومعارض ومن هنا كان لا بد من التطرق لهذا الموضوع والإشاره إلى أهم النقاط الاساسيه في هذه القضيه .

إن حبس المدين وسيله تهدف إلى الضغط على شخص المدين لحمله على تنفيذ إلتزامه وذلك بحرمانه من حريته لمده مؤقته , وعالج المشرع الاردني مسأله حبس المدين في المواد من 22 - 25 من قانون التنفيذ الاردني , والجدير بالذكر أن حبس المدين لغايه الضغط عليه لتنفيذ ما إلتزم به وإن كان يتضمن حجزاً لحريته إلا انه لا يعد عقوبه جزائيه بل هو وسيله من وسائل ضمان التنفيذ يُقهر به المدين شخصياً ,ويترتب على ذلك أن حبس المدين لا يؤدي إلى إنقضاء الإلتزام المدني بل يبقى الحق للدائن بالمطالبه بحقه والحجز على أموال المدين بغيه إستيفاء هذا الحق ، وللإجابه على كثير من التساؤلات حول هذه القضيه لا بد من الإشاره إلى أن حبس المدين كوسيله للضغط عليه لإجباره على الوفاء يختلف كلياً عن العقوبه الجزائيه التي تهدف إلى الردع والزجر ، ويترتب على إختلاف الحبس التنفيذي عن العقوبه الجزائيه عدم تأثير العفو العام أو الخاص ورد الإعتبار والتقادم على حق الدائن بطلب حبس المدين إذا كان الضرر ناتجاً عن جرم جزائي فكل من العفو العام والخاص ورد الإعتبار والتقادم يمس المسائل الجزائيه دون المدنيه فيبقى الحق الشخصي قائماً حتى لو سقطت دعوى الحق العام أو العقوبه الجزائيه بالتقادم أوالعفو العام أو الخاص وبناء على ذلك لا يمنع صدور قانون العفو العام الذي يترتب عليه زوال حاله الإجرام من أساسها في القانون الجزائي من الحكم للمدعي الشخصي بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به نتيجه إرتكاب الجرم ولا يمنع من إنفاذ الحكم الصادر بحبس المدين .

وعلى الرغم من أهميه حبس المدين كإجراء قضائي يتم إتخاذه بموجب قانون التنفيذ الاردني إلا أن هناك الكثير يطالب بإلغائه سواء أكانت هذه المطالبات من قبل الشارع الاردني أو من قبل القانونيين وحجتهم في ذلك أن المملكه الاردنيه الهاشميه قد صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيه والسياسيه الذي نص على عدم جواز حبس المدين لمجرد عجزه عن الوفاء بإلتزام تعاقدي,ومن المستقر عليه في الفقه والقضاء الاردنيين أن نصوص المعاهدات الدوليه تسمو على نصوص القانون العادي وتطبيقاً لذلك يعتبر ما ورد في العهد الدولي الخاص للحقوق المدنيه والسياسيه المشار إليه أعلاه هو الواجب التطبيق من قبل القضاء الاردني .

والجدير بالذكر أن المشرع الاردني وبموجب القانون المعدل لقانون التنفيذ رقم (9) لسنه 2022 تماشى مع ما ورد في العهد الدولي الخاص المشار إليه أعلاه حيث نصت الفقره ( و ) من الماده رقم (22) من القانون على أن " لا يجوز حبس المدين إذا عجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي بإستثناء عقود إيجار العقار وعقود العمل " ويستفاد من هذا النص أن حبس المدين كإجراء قضائي أصبح مقيد بعده شروط ومنها إثبات إمتناعه عن الوفاء رغم قدرته عل ذلك ويستثنى من ذلك المدين بالتزامات ماليه ناشئه عن عقد إيجار عقار أو عقد عمل فيجوز للدائن طلب حبس مدينه دون الحاجه لإثبات إقتداره ولعل السبب في وضع هذا الإستثناء من وجهه نظرنا يعود إلى كثره إبرام عقود الإيجار في الوقت الحاضر في الحاله الاولى وحمايه لحقوق العامل في الحاله الثانيه ولصعوبه إثبات العجز والقدره على الوفاء أما في غير الالتزامات التعاقديه فحبس المدين جائزاً دون الحاجه لإثبات عجزه كالتزامه بالتعويض عن الفعل الضار .

إلا أن هذا النص قد شابه الغموض ويطرح حوله العديد من الاسئله وتدور حوله علامات الإستفاهم وأهمها ما هي كيفيه إثبات العجز عن الوفاء ؟!!!!

وهل يعتبر العجز مفترض بحكم القاعده العامه التي تفترض حسن نيه المدين وعلى المدعي إثبات عكس ذلك أم أن على المدين إثبات عجزه عن الوفاء ؟!!!

ومع أننا نرجح الرأي الاول ونقول أن على الرئيس أن يأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما ويقوم بالتحقق من المدين حول إقتداره على دفع المبلغ ، وسماع أقوال الدائن وبيناته على إقتدار المحكوم عليه واصدار القرار المناسب ، إلا أنني ما زلت أنتظر رأي القضاء الاردني حول هذه المسأله حيث يبدأ سريان أحكام الفقره (و) من الماده (22) بعد مرور ثلاث سنوات على تاريخ نفاذ أحكام قانون التنفيذ المعدل رقم (9) لسنه 2022 .

أما عن التعديلات الاّخرى التي طرأت على قانون التنفيذ الاردني بموجب القانون المعدل رقم (9) لسنه 2022 فكان أهمها عدم جواز حبس المدين إذا قل مجموع الدين المنفذ أو المبلغ المحكوم به عن خمسة آلاف دينار ما لم يكن بدل إيجار عقار أو حقوق عمالية .

ورغم إنصاف المدين بموجب هذه التعديلات والإستجابه للضغوط الكثيره من المطالبين إلا أن هذا يشكل تعسفاً في حق الدائن ويؤثر بشده على المعاملات الماليه المدنيه والتجاريه فقد شاع لدى الكثير فكره إلغاء حبس المدين بالوقت الحاضر أو عدم إنتاجيته بشروطه المعقده مما زاد من قلق الدائن ومن تردده في إبرام العقود القانونيه وإجراء المعاملات الماليه دون كفاله عينيه أو ضماناً عيني ومما لا شك فيه أن هذا يؤثر سلباً على مصلحه المدين حسن النيه الذي يرغب حقاً بالوفاء بوقت الإستحقاق .

ورغم التصريحات المستمره بأن الأردن يعرض عشرات الآلاف لخطر السجن ليس بسبب جريمة إرتكبوها، بل لحصولهم على قروض ماليه لتغطية المتطلبات الأساسية مثل الإيجار أو الطعام أو العلاج الطبي ورغم سلبيات حبس المدين إلا أننا أن إيجابياته لا يمكن إنكارها وأهمها ضمان حق الدائن ، وتخفيف شعوره بالقلق والقضاء على تردده في إبرام العقود المدنيه والتسهيل على المدين حسن النيه الذي يرغب بالوفاء .

وفي خطوة سلبيه من وجهه نظري وإيجابية من وجهه نظر الكثير ، وافق مجلس النواب في 26 أبريل/نيسان على تعديل قانون العقوبات الاردني الذي رفع الحمايه الجزائيه عن الشيكات البنكيه ، والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات من إقراره مما يفتح مجالاً واسعاً لإرتكاب جرائم الإحتيال وزياده المطالبات الماليه والتأثير السلبي خصوصاً على عالم التجاره وإضعاف الثقه بقوه القانون حيث تعتبر هذه الجريمه (إصدار شيك لا يقابله رصيد ) والمعاقب عليها بموجب الماده رقم (421) من قانون العقوبات الاردني رقم (16) لسنه 1960 من أكثر الجرائم شيوعاً وأجدرها بالعقاب .

وفي خطوه سلبيه اّخرى كانت نتيجه التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية التي واجهتها المملكه بعد تفشي فايروس كورونا وإستجابة لضغوطات إنهاء حبس المدين، أصدر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة قراراً بتجميد توقيف الأشخاص لعدم سداد الديون الماليه وذلك بموجب أمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021، الصادر بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 وفي خطوه سلبيه آخرى أصدر رئيس الوزراء الاردني الدكتور بشر الخصاونة قراراً يتضمن تمديد العمل بمضمون أمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021، الصادر بمقتضى أحكام قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 حتَّى تاريخ 31/ 12/ 2022م. ويأتي القرار إستمراراً لمراعاة الظّروف المالية والاقتصادية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا مما أثر وسيؤثر سلباً على الإقتصاد الوطني والمعاملات الماليه المدنيه والتجاريه وحجم الثقه المتبادله بين المتعاملين .

لقد كان أمر الدفاع المشار إليه أعلاه محط جدل كبير في الأوساط القانونية والقضائية وتجاذب بين مؤيد لتمديد العمل فيه في ضوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تفشي فايروس كورونا وآخرين يطالبون بوقف العمل بأمر الدفاع بحجة تعطيله لتحصيل الحقوق بين المتخاصمين مالياً وقضائياً ، ونحن لسنا مع التضييق على المدين ولكننا نؤمن بضروره
حبس المدين وقانون التنفيذ المعدل يثير جدلاً واسعاً ما بين مؤيد ومعارض بقلم الاستاذ مرشد القراله أحد خريجي كليه الحقوق / جامعه مؤته

إيجاد طريق قانوني لضمان وتحصيل حق الدائن ، وضرورة التمييز بين المعسر الحقيقي وبين الاحتيال مشيراً إلى أن البعض إستغل أمر الدفاع وإمتنع عن سداد الديون المترتبة بحقه بذريعة عدم حصوله على عمل، الأمر الذي منع الدائن من تحصيل أمواله .

وشدد البعض على تأييدهم تمديد أمر الدفاع لأن الأوضاع المالية للمواطنين خلال هذه الفترة تتطلب الإستمرار بتجميد حبس المدين إلى وقت تتحسن فيه قدراته المالية على السداد .

ونحن بدورنا نؤكد أن رغم أهميه رعايه مصلحه المدين إلا أن مصلحه الدائن أولا بالرعايه وأن تعديل قانون التنفيذ وقانون العقوبات قد منح الحماية والرعاية الكافيه للمدين ولم يعد هناك حاجه لتمديد أمر العمل بأمر الدفاع رقم (28) لا سيما أن هذا التمديد يشكل مساساً واضحاً بحقوق الأردنيين المالية، ومخالفة صريحة لما جاء بالإرادة الملكية السامية التي أمرت بالعمل بقانون الدفاع في أضيق نطاق وضمان إحترام الملكيات الخاصة ويشكل تعطيلاً لأحكام المحاكم المكتسبة للدرجة القطعية ومساس صارخ بحقوق المحكوم لهم دون أي مبرر
تابعوا الوقائع على