الشهيد النجادا.. نداء الواجب والاستبسال
الوقائع الإخبارية: يوم الإثنين (19 كانون الأوّل)، سار الأردنيّون جميعهم على قلب وطنٍ واحد، وفي أعينهم الدمع والجمر؛ الدمعُ لأنّ فتىً غادر في ريعان شبابه ربوع مادبا وماعين إلى حيث لقاء وجه ربّه، صابرًا مُصابرًا، والجمرُ لأنّ الأردنيين دائمًا وأبدًا هم الرديف القويّ لأجهزتهم الأمنيّة، وهم إذ يشيّعون ابنهم الشهيد الملازم معتز النجادا الذي وضع روحه على كفّه لأجل الوطن وأدّى واجبه على أكمل وجه، فإنّهم لن ينشقّ لهم صف، ولن يكونوا إلا في خندق الوطن وقائده، يحفظون أمنه ومكتسباته ويُشيعون في جوانبه الدفء والسلام والمحبّة والاستقرار.
"الله يسهّل عليك"؛ عبارة مخضّبة بالحزن، لا شكّ أنّ شخصًا قريبًا جدًّا من الشهيد معتز موسى النجادا قالها وفي الفؤاد غصّة وفي الصّدر ألمٌ كبير لرحيل الأبرياء وهم في عزّ عطائهم، وكان يمكن أن تكون الـ 25 شمعة التي صمتت من عمر معتز، بدايةً لمئة وأكثر من السنوات المضيئة المعطاءة في ماعين ومادبا وكلّ محافظات الوطن.
كلّ الأردنّ كانت لمعتزّ النجادا مساحات من الواجب والفرح والأمل، فما بين ماعين ومعان كانت المسافة كلّها مزروعةً بآمال كبيرة تحوّلت فجأةً إلى آلام،.. فكانت الشهادة.
الأعظم الطاهرة ورفات الشهيد النجادا التي سكنت في مثوى البطولة والتضحية بمنشية ماعين، تزورها اليوم وغدًا وفي كلّ حين طيورٌ خالصة من كلّ سوء تحمل للبطل المسجّى في قبره عرفان وطن وشهادات تكريم وعناوين وفاء، وحين يعود كلٌّ منّا إلى بيته يا معتزُّ؛ فثق تمامًا أنّ في نفوسنا أبلغ مثالٍ لشابّ لم يكن ليتوانى يومًا عن أداء واجبه، وكان عند حسن ظنّ وطنه به، فلقي الشهادة وكأنّه كان يطلبها، فنام قريرًا في قبره، لا نامت أعين الجبناء.
ولأنّ الأردنيّين كلّهم مشروع بطولةٍ وشهيد، فليس غريبًا أن تكون أيّها البطل عنوان حفاوةٍ وإشادة وترحُّمٍ في كلّ فعاليات الوطن بلا استثناء، فحين يعلو صوت الوطن، وحين يُقسم رفاق السلاح أنّهم لن يزدادوا إلا صلابةً ومُضيًّا في تطبيق سيادة الوطن والدفاع عن المسؤوليّة وحماية دولة القانون والمؤسسات، وحين تحمل معالم مادبا والأردن اسمك النبيل الكريم وأسماء رفاقك النبلاء الكرماء ممن قضوا في سبيل الوطن،.. فإنّ هذا هو الأردنُّ العظيم الكبير الواثق النقيّ الذي نفاخر به، بأصرح عنوان.
محمولًا بالعلم، على أكتاف قويّة صامدة كالجبال لا تنال منها العاتيات ولا يمكن أن تتخاذل، تمضي أيّها الشهيد، يا عنفوان الشباب وموئل الصدق ومثال الإقدام، هاهو اسمك وصورتك الزكيّة يتخللان كلّ صفحات العالم وقلوب الأصدقاء، وهم يتخذونك أنموذجًا في الاستبسال والشجاعة واقتحام المخاطر في سبيل هذا التراب الغالي الطهور.
وأنتِ يا مادبا، يا أنشودة الطمأنينة وبلد الدفء والحبّ والسلام، اكتبي على جبين المجد أنّ فتى من ماعين سار في رحابك إلى العلياء، وأخذ بين جنباتك أولى دروسه في الوطنيّة والصدق والعطاء، وقبَسَ من تاريخك المجيد أنّ الأردنّ باقٍ ما بقيت الدنيا، حاضرٌ لا يغيب، فتىً ألقى عليكِ السلام وهو يسير مطمئنًا إلى حيث الخلود، فتىً ودّع أهله والعائلة فأخلص في الوداع محتفظًا بآخر صورة للبيت والشارع والناس قاصدًا إلى حيث مرابع الشهادة، إلى حيث نداء الأحبّة من قافلة الشهداء الأردنيين الأنقياء الأطهار في بلدٍ اعتاد الشهادة وسيظلّ مدرسةً فيها وكبيرًا في أعين الأشقّاء والأصدقاء والعالم، بلد ورث ديمومة النجاح مهما ثقلت التحديات، أو تطاول الليل وعظُمت المسؤوليات.