الشقارين..عالياً في سماء الشهادة
الوقائع الإخبارية: من الطفيلة حيث الفخر والألقُ، كانت أشجار البطولة والتضحية واضحة المعالم والقسمات، وهذه المرّة يضيف الشهيد الشاب العريف إبراهيم عاطف الشقارين، مثالًا آخر إلى سجلّ الشهادة من أجل الوطن والتضحية في سبيله؛ وإذ يقف والد الشهيد الشقارين رابط الجأش بين حزنه على ولده وحبه لبلده، فيناديه أن قد استعجلت الرحيل يا إبراهيم؛ فإنّ في النداء حرقةً وفي الموقف البطولي الكبير لهذا الأب الشجاع ما يجعل الوطن يزداد علوًا في سماء المجد، والمدى يردد مع الأب قوله القاطع كالسيف أنّ ابني «قضى دفاعًا عن أرض الأردنّ الطهور وفداء لترابها الذي نفتديه بالمهج والأرواح».
كانت الطفيلة في يوم أمس 19/ كانون الأول/ 2022 على موعدٍ مع شهيدها البطل الذي قابل الموت وهو يبتسم في وجه النهاية، غير عابئ إلا بما تعلّمه في هذه المحافظة الشمّاء، المحافظة الهاشميّة التي أعطت الوطن كلّ الكفاءات وقدّمت للقاصي والداني ما يؤكّد أنّ هذه الأرض مزروعةٌ فعلًا بأشجار معمّرة لا يمكن أن تزول، أشجار كريمة لمن أراد أن يستظلّ بها، وحادّة تجرح من يريد بها الشّر.
في العيص بالطفيلة سيُكتب على شاهد قبر عاطف الشقارين أنّه حفظ تعاليم الآباء والأجداد، وظلّ محافظًا على قداسة العسكريّة وشرفها ومسؤوليّتها الجسيمة التي لا يقوم بها إلا الأوفياء.
مؤثّرٌ جدًّا أيّها الشهيد لحن الرجوع الأخير، وحين صمت رفاق السلاح مجددين الوفاء والعهد للوطن وقائده، كان في صدورهم كلامٌ بأنّ دمك الغالي سيروي كلّ الشجر الأخضر، وستظلّ ابتسامتك في وجه الموت شعارًا لكلّ وطنيٍّ مخلص لوطنه؛ فهل رأيتم بطولةً أعظم من بطولةٍ يبتسم فيها الشهيد أمام الموت؟!
أيّها الشهيد النقيّ الطاهر الطهور، الأكاليل التي حملت بصمات زملائك الشجعان وهم يترحمون عليك، لن تذبل أبدًا، فقد تخللتها قوّة الإرادة والعزم والتصميم على أن تشعر بالطمأنينة في مرقدك المضيء الذي تحفّه آيات الشهادة والرضوان «ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون».
أيّها الشهيد، كلّما مرّ من جوارك شابٌّ ألقى عليك السلام متمنيًا الوصول إلى ما وصلت إليه، وكلّما ذُكرتَ في المجالس أضاءت بنورٍ رباني لا يقبل الانطفاء، وفي مُستهلّ كلّ درسٍ كنتَ أنت بدايته ونهايته: مثالًا لشرف الجنديّة وحجم التضحية ومقدار الانتماء.
أيّتها الطفيلة الشامخة بشموخ أبنائك وجبالك التي لا تقبل الانكسار، في قممك العاليات أودع الطفيليُّ وصيّته للأبناء: حافظوا على وطنكم واحرسوه بالمهج والأرواح وادفعوا عنه العاديات، يا أبناء التاريخ الضارب في الجذور، الصقور لا تسكن إلا في الأعالي، وابنكم الشهيد في عليين إن شاء الله، محفوفًا بالدعاء والرحمة وحسن الجزاء.
هكذا هم الأبطال، يغلي في صدورهم الجمر ولا يبكون، يواجهون أشدّ المواقف بكلّ رباطة جأش، يعلمون أنّ الدنيا مواقف وبطولات وأنّ شرف الدفاع عن الأوطان لا يعدله شرف، وهكذا كان الشهيد العريف إبراهيم عاطف الشقارين يأخذ عن أبيه خصاله الحميدة التي لا تموت.