كيف تؤثر اتجاهات "الفيدرالي الأميركي" على أسعار النفط؟

كيف تؤثر اتجاهات الفيدرالي الأميركي على أسعار النفط؟
الوقائع الإخبارية : هزّة عنيفة تتعرض إليها أسواق النفط في الفترة الراهنة، والتي تُواجه أطول سلسلة خسائر أسبوعية منذ بداية العام الجاري 2023، وهو ما يُرجعه محللون إلى عددٍ من العوامل الأساسية؛ من بينها أخيراً جملة التحديات التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، لا سيما فيما يتصل بالاضطرابات العنيفة بالقطاع المصرفي منذ شهر مارس الماضي، وبما يدفع المستثمرين نحو الابتعاد عن المخاطر.

ويُضاف إلى ذلك استمرار سياسة الفيدرالي الأميركي في رفع معدلات الفائدة، الأمر الذي ينعكس بشكل واضح على أسعار النفط، وذلك في خطٍ متوازٍ مع القلق العميق الذي ينتاب الأسواق فيما يخص شبح الركود المُهدد لاقتصاد الولايات المتحدة، وبما يؤثر بشكل مباشر على الطلب على النفط، علاوة على عوامل أخرى من بينها انكماش أنشطة الصناعات التحويلية في الصين.

لا زال خام نايمكس الأميركي، متراجعاً بنحو 9 بالمئة هذا الأسبوع بعد تراجع استمر أربعة أيام.
كما تراجع خام برنت، حوالي 8 بالمئة خلال الأسبوع.
رغم ارتفاع الأسعار نسبياً، في التعاملات الآسيوية اليوم الجمعة، إلا أن النفط يتجه صوب تسجيل التراجع الأسبوعي الثالث على التوالي.
جاء تراجع الأسعار رغم علامات القوة في سوق النفط الفعلية، ومما يشير إلى أن عمليات البيع في السوق كانت مفرطة أكثر من اللازم.
وقرر الفيدرالي الأميركي، خلال اجتماعه الأخير رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهي الزيادة العاشرة منذ مارس الماضي.

وعادة ما تصاحب رفع أسعار الفائدة مجموعة من الانعكاسات واسعة المدى، بما في ذلك على الأصول داخل الولايات المتحدة وعلى المستوى العالمي في آن واحد، فضلاً عن الانعكاسات على قطاع الطاقة وأسعار النفط، وهو ما ترجمته الأسواق عملياً أخيراً في ضوء مجموعة من العوامل المتزامنة التي حفزت هذا الاتجاه.

اتجاهات الفيدرالي الأميركي

استاذ الاقتصاد في كلية ويليامز، جيرارد كابريو، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن معظم مراقبي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يعتقدون بأنه سوف يتوقف مؤقتاً عن رفع أسعار الفائدة.

ويُبرر ذلك بقوله إنه من المرجح أن تؤدي حالات الفشل والاندماج في القطاع المصرفي إلى انخفاض الإقراض وتباطؤ في الاقتصاد، بالإضافة إلى التباطؤ الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة.

ولكن حتى التوقف عند المستويات الحالية، فإن ذلك يترك عدداً من البنوك ذات الأصول تدر معدلات عائد أقل، وعليه فإنه لن يتم إنقاذ مثل هذه البنوك إلا من خلال الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة، فيما يظل بنك الاحتياطي الفيدرالي يشير إلى أنه ينوي إعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2 بالمئة.

يأتي ذلك في وقت لا تزال حالة من عدم اليقين تفرض نفسها على القطاع المصرفي بالولايات المتحدة الأميركية، وسط مخاوف من توسع "تأثير الدومينو" على المصارف الصغيرة والمتوسطة، وبعد سلسلة التعثر التي بدأت في مارس الماضي، من سيلكون فالي وصولاً إلى فيرست ريبابليك بنك الذي استحوذت عليه جي بي مورغان أخيراً، ومروراً ببنك سينغيتشر، بينما القائمة تطول لتشمل بنوكاً أخرى تحدها عديد من المخاطر المماثلة، منها بنك باك ويست الذي أعلن أخيراً عن أنه يدرس خيارات استراتيجية من بينها البيع.

تتفاعل تلك العوامل لتؤثر بشكل كبير على أسعار النفط، وسط توقعات بعودة الأسعار إلى مستوياتها بعد احتواء الأزمة، وهو ما عبّر عنه في وقت سابق نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، والذي أرجع انخفاض أسعار النفط العالمية إلى الأزمة المصرفية في الولايات المتحدة، متوقعاً عودتها إلى مستوياتها السابقة في المدى المنظور بعد احتواء تلك الأزمة، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.

زيادة التكاليف والحد من الطلب

وفي هذا السياق، يقول مدير خدمات النفط العالمية بمجموعة رابيدان إنرجي، كلاي سيغل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

إن زيادة أسعار الفائدة كانت بمثابة رياح معاكسة لأسعار النفط، ما أدى إلى زيادة التكاليف بالنسبة للشركات والمستهلكين، وبالتالي الحد من الطلب على النفط تبعاً لذلك.

إن أي تخفيض في سعر الفائدة الفيدرالية من شأنه أن يكون داعماً لأسعار النفط الخام على الجهة الأخرى.

لا توجد علاقة تاريخية قوية بين توقيت تخفيض أسعار الفائدة، والزيادات في أسعار النفط.

ويوضح أن ثمة عوامل أخرى أساسية تؤثر على الأسعار، العرض والطلب على النفط ومعنويات المشاركين في السوق، بالإضافة إلى ذلك السياسة النقدية وبيئة السعر.

ويختتم تصريحاته بقوله: "يمكننا القول إن اتخاذ الاحتياطي الفيدرالي اتجاهاً أكثر ملاءمة، أي انخفاض أسعار الفائدة بعد ذلك، سيكون أمراً بناءً فيما يخص الطلب على النفط وأسعاره لاحقاً".

حملت لغة الفيدرالي في بيانه الأخير تغيرات واضحة، لناحية القول أنه "سيراقب البيانات المقبلة"، لتحديد ما إن كان المزيد من الرفع للفائدة ملائماً، بدلاً من القول إنه "يتوقع" أن تكون هناك حاجة لمزيد من الرفع للفائدة، وبما اعتُبِرَ بمثابة إشارة واضحة، بأنه سوف يتحول على الأرجح نحو وقف رفع أسعار الفائدة.

إبطاء النشاط الاقتصادي الكلي

استاذ الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس الأميركية، روبرت بولين، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الفيدرالي الأميركي يهدف إلى إبطاء النشاط الاقتصادي الكلي في الولايات المتحدة من خلال رفع سعر الفائدة في سياسته، وهذا هو النهج الذي يعتمدون عليه من أجل كبح جماح التضخم.

ويضيف: "وتبعاً لذلك من المرجح أيضاً أن يتواصل انخفاض أسعار النفط العالمية، على أساس تراجع الطلب الأميركي والعالمي على النفط جنباً إلى جنب مع انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي".

ويشدد مدير بمعهد بحوث الاقتصاد السياسي بجامعة ماساتشوستس، على أن:

هناك احتمالاً معقولاً بأن ينهار الاقتصاد الأميركي أو يدخل في حالة ركود، وأن تتقلص الاقتصادات الأخرى ذات الدخل المرتفع مع الولايات المتحدة.

وبالتالي فإذا كان الأمر كذلك، فسوف ينخفض الطلب على النفط بشكل حاد، وبما يؤدي هذا إلى انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية.

ورغم سلسلة الانخفاضات المتتالية بأسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن تقارير مختلفة أشارت إلى توقعات بارتفاع السعر ليكسر الـ 100 دولار للبرميل قبل نهاية العام، ومن بينها تقديرات بنك الاستثمار السويسري "يو بي إس":

ذكر البنك في تقرير حديث له عن عدداً من العوامل الأساسية الداعمة لانخفاض الأسعار على النحو الحالي، ومن بينها عمليات بيع العقود الآجلة من قبل المؤسسات المالية، على وقع المخاطر الراهنة وتطلع تلك المؤسسات الحماية منها، فيما يخص منتجي النفط.

لكن البنك أبقى على توقعات لأسعار النفط، متوقعاً أن تصل الأسعار إلى 100 دولار للبرميل في يونيو المقبل، وتكسر حاجز الـ 100 وصولاً إلى 105 دولاراً بدءًا من سبتمبر وحتى نهاية العام.

تشير تقديرات البنك إلى عددٍ من العوامل الداعمة لارتفاع أسعار النفط؛ أهمها النقص المحتمل في الإمدادات مع دخول قرار أوبك + بلس حيز التنفيذ، ومع زيادة الطلب على النفط خلال الشهور المقبلة.

علاقة ثلاثية (أسعار الفائدة والذهب والنفط)

لكن على الجانب الآخر، يوضح رئيس مؤسسة GeoStrategic Analysis، بيتر هوسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن "ارتفاع أسعار الفائدة يجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة، وهذا يحفز زيادات الأسعار حتى تتمكن الأعمال من زيادة الإيرادات لدفع تكاليف الزيادة في تكاليف الاقتراض".

ويضيف: "هناك علاقة تربط معدلات التضخم بكل من الفائدة وسعر الذهب وتكلفة النفط، ففي أعوام 1975 و1980 و1981 و1990 و2000 و2001 و2009 أدى الارتفاع السريع في أسعار النفط مباشرة إلى ركود في الولايات المتحدة.

ويشير إلى أنه بالنسبة للموقف الحالي، فمع رفع أسعار الفائدة ثم ارتفاع الأسعار تبعاً لذلك على النحو المذكور، فإن تلك الزيادة في الأسعار تؤثر بالطبع على النفط (وبما يبرر الانخفاضات الحالية).

ومع ذلك، يرى هوسي أن الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى 13 مليون برميل في اليوم ثم 15 مليون برميل يوميا من شأنها أن تخفض أسعار النفط إلى 45 دولاراً للبرميل، وهذا وحده من شأنه أن يؤدي إلى خفض الأسعار بشكل ملحوظ، خاصة أسعار المواد الغذائية، على حد وصفه.

كلفة الاستثمار والاقتراض

من جانبه، يوضح خبير الطاقة هاشم عقل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه عندما يتم رفع الفائدة تصبح كلفة الاستثمار والاقتراض مكلفة، ويضيف: "اتخاذ الفيدرالي الأميركي قرار برفع سعر الفائدة يؤدي إلى تراجع سعر النفط وأيضاً الذهب؛ فكلما ارتفع سعر صرف العملة الأميركية هبطت أسعار النفط العالمية".

ويُذكر أنه رغم أن الفيدرالي قرر خلال اجتماعه الأخير رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو ما كان يجب أن ينعكس من الناحية النظرية، انخفاضاً بأسعار الذهب، إلا أن التغييرات التي حملتها اللغة المعتمدة في بيان الفيدرالي "دعمت اتجاه المستثمرين نحو الذهب".

وبالعودة لتصريحات عقل، فإنه يلفت إلى أن قرار رفع سعر الفائدة الأميركية، يدفع المستثمرين وأيضاً المواطنين إلى إيداع أموالهم في البنوك من أجل الحصول على نسبة الفائدة المرتفعة التي حددها البنك.

وأيضاً رفع الفائدة يؤدي إلى كبح عمليات الاقتراض، ومن ثم تنخفض حركة المبيعات، ما يؤدي إلى تراجع التضخم والسيطرة على ارتفاع أسعار السلع.

ويعتقد بأنه "إذا طالت هذه الفترة فإن شبح الركود يهدد الاقتصاد، وهذا بعني تراجع القدرة الشرائية، وبالتالي تراجع الإنتاج ونسبة النمو تبعاً لذلك"، موضحاً فيما يخص النفط أن هناك فائضاً في المعروض من النفط، وقرار أوبك بلس سينهي هذا العرض الزائد؛ لتعاود الأسعار الارتفاع خلال النصف الثاني من العام الجاري، في تقديره.

تابعوا الوقائع على