جلالة الملك يُضَمّدُ جراحاتِ فلسطينَ على الدوام
الوقائع الاخبارية:بقلم الأستاذ الدكتور أحمد منصور الخصاونة
رئيس جامعة إربد الأهلية
إن ما جرى ويجري على أرض فلسطين الحبيبة وابنتها المدلله غزة الشموخ والكبرياء وجراحها قد مس قلوب إخوانهم في الأردن وعلى راسهم عميد آل البيت، ونعم هذا زمن الأردنيين، وزمن من بايع القياده بالعهد والوعد على الاخلاص والتفاني، وزمن من نذروا أنفسهم مشاريع شهاده من أجل أوطانهم الذين يقفون اليوم معبرين عن أحاسيسهم ومشاعرهم تجاه أهلهم بالضفه والقطاع، لا زمن من يرفعون الشعارات ويعتلون المنابر وينفثون سموم الحقد والبغض ليطال واحة الأمن والأمان ويشوه صورة البلد الجميل جنة الله على الأرض الصغيرة بمساحتها الكبيرة بقيادتها وعطائها وإنسانها، والأردن اليوم بقيادته وإنسانه الأردني الكبير، كان وأصبح وسيبقى واحة الأمن والأمان وبلد الاستقرار والمؤسسات والقانون، وأرض الحشد والرباط التي حماها الله، وقدر الله لهذا البلد أن يكون بيت العرب كل العرب، وملاذ المستجيرين والضعفاء وحاضنة للعرب وثوراتهم بفضل الله وقيادتها وإنسانها المؤمن الكبير في خلقه ودينه والصاحي الضمير المحب للواجب بالرغم من امكاناته الشحيحة بكل الموارد.
ويا فلسطين لقد سَمَّاكِ التاريخ بهذا الاسم، وعرفناك بأرض البواسل، سماؤك تغطيها أرواح الشهداء، وأرضك ارتوت بدماء الشهداء الصغير والكبير منهم، وأهلك توسدوا الحجارة، والله بشرهم برفرفٍ خضرٍ وعبقريٍّ حسانٍ، افترشوا أرضكِ بأجساد الشهداء، والله وعدهم بالنمارق، ألبسوهم الأكفان، والله وعدهم سندسًا وإستبرقًا.
وملكنا المفدى حفظه الله ما كَلَّ يومًا ولا مَلَّ في نصرة أهل فلسطين، ولن يتنازل يومًا عن القضية، وبغض النظر عن التدليس ومحاولة التدنيس، سيبقى صوت الحق عاليًا دومًا في وجه المعتدي، وإن كانت القضية حربًا فنحن بقيادة ملكنا سنخوضها حربًا بشتى الوسائل والطرق، سواءً أكانت حربًا إغاثيةً دبلوماسيةً أم إعلاميةً نصرةً للقضية.
فجهود جلالته واضحةٌ جليةٌ منذ بدء الحرب لوقف العدوان الغاشم على غزة، ذلك العدوان الذي يهدف إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية، حتى وإن حققوا ذلك بطرقٍ غير مشروعة، هدفهم في ذلك تهجير الفلسطنيين عن أراضيهم وديارهم، وهذا ما رفضه ملكنا رفضًا قاطعًا لا رجعة فيه، مؤكدًا على حق أهل فلسطين بأرضهم.
فجلالة الملك هو المبادر الأول في التحرك على مختلف الصُّعُدِ للتخفيف من معاناة أشقائنا في فلسطين، ويبذل جهوده ليل نهار لمناصرة القضية الفلسطينية بكل السُبل المتاحة سياسيًّا ودوليَّا؛ فجلالته يشارك دومًا في كافة المحافل العالمية، ويلتقي زعماء دول العالم، وينقل بكل شفافيةٍ حقيقة ما يحدث في فلسطين وما يتعرض له الفلسطينيون من عدوانٍ وحشيٍّ.
كما شكلت مسيرات الأردن ومظاهراته أنموذجًا ومثالًا يحتذى لكُلّ دول العالم في الدفاع عن إخواننا الفلسطينيين وصمودهم، وتضامنًا معهم ضدَّ العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة؛ فقد علت أصواتهم، وارتفعت هتافاتهم بشعارات المحبة والوفاء، مضمدةً الجراحات، ومبتهلةً بالدعاء، ومنددةً بالغارات والانتهاكات، مطالبةً المجتمع الدولي بالتحرك السريع لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الأعزل، والضغط على الاحتلال للالتزام بالقرارات الدولية، معربةً عن رفضها لما يتعرض له أشقاؤنا في فلسطين وغزة.
وهذه الوقفات تأتي تجسيدًا لما يجول في قلوب الأردنيين من مشاعرَ ملتهبةٍ التهاب العدوان على غزة، وما تعلمناه من قيادتنا الهاشمية الأصيلة الحكيمة، التي أكدت وتؤكد دائمًا في كل المحافل على قدسية القضية الفلسطينية وحق أهلنا في فلسطين في العيش على أرضهم بسلامٍ وأمانٍ.
ولقد هتفت الحناجر وبأعلى صوتها لتسمع العالم قرارها بالدعاء لأهلنا هناك وبتجديد العهد لصائن العهد ورافع الراية: وعميد آل هاشم ووريث الثورة العربية الكبرى ولمواقفه الثابته الجريئه وجولاته التي مافتئ يقوم بها من أجل قضيتنا الأولى فلسطين وتحديه للظلم والظالمين، وإن أمةً ورثت راية الثورة العربية لا تستطيع كلّ عواصف الدنيا وبراكينها وزلازلها أن تثنيها عن عروبتها أو تحرفها عن نهجها القومي أو تغير نهجها الديمقراطي الحر الذي باركته قيادتنا الملهمه، أو أن تصادر قرارها الوطني الحر الذي عبرت عنه اليوم بكل فخر واعتزاز وشموخ حين قالت وبصوت واحد لا للارتهان ولا للذل وتفتيت لحمتنا الوطنية، ونعم للأمن والأمان، ونعم للعزة والكبرياء والشموخ، ونعم للهامة المرفوعة التي لا تنحني لغير الله نغم لنصرة الأهل. وعهدًا سيظل بيت أبا الحسين ملاذ المستجير وبيت احرار العرب وحاضنه الثورات والثوار وسند الجميع كما هو مناره العلم والعطاء.
وإن المتابع المنصف لمسيرة العلاقات الأردنية الفلسطينية التاريخية، يجد أن الأردن العربي الهاشمي بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم قد وظف ويوظف كافة امكاناته الدبلوماسية والمادية لدعم صمود الشعب الفلسطيني الشقيق في وطنه، ودعم نضاله العادل لدحر الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهذا الموقف الأردني ليس صدفة، بل هو متجذر ومدعم بدم الشهداء الذين سقطوا في ساحات الأقصى وباب الواد وسهول جنين، وهو الأمانة التي يحملها الهاشميون الأبرار منذ عهد الحسين بن علي إلى الملك المعزّز عبد الله الثاني بالحفاظ على الأقصى والعمل على إنقاذه من براثن الاحتلال الصهيوني البغيض، وأن استمرار رعاية الأردن للمقدسات هو تجسيد لهذه الأمانة، والإصرار على أن يبقى المسجد عزيزًا كريمًا، وشوكة في عيون الصهاينة المستعمرين.
وإن وقفة الأردن الصادقة مع الأشقاء الفلسطينيين وهو يواسيهم في مصابهم، ويضمد جراحاتهم، ويشيع بكل إجلال واحترام موتاهم، هو تعبير نبيل عز مثيله عن شعور الشقيق بمصاب شقيقه، والأخ بمصيبة أخيه وتقديم كل عون لمساعدته على بلسمة جراحاته والنهوض من جديد، وإن مظاهر الحزن والأسى التي ارتسمت على وجوه أبناء الاردن الطيبين وهم يتابعون ما حدث في غزة، تؤكد ان العلاقة بين الشعبين الشقيقين هي علاقة توأمة، لا تهزها الرياح الصفراء، فهي أرسى من الراسيات.
ونثمن كذلك دور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني حفظه الله، فما فعله أثلج صدور الأردنيين والشعوب العربية؛ فقد وصل سموه إلى مطار العريش ترافقه على متن طائرة عسكرية أردنية الطواقم الطبية من مرتبات الخدمات الطبية الملكية، أولئك الشجعان الذين هبُّوا ليكونوا عونًا في خدمة أشقائهم في غزة، فعلى الرغم من كل ما نشهد من أحداثٍ تدمي القلوب، وتهز النفوس، إلا أنَّهم أصروا على أن يمدوا سواعدهم الطاهرة لمداواة جرحى العدوان في المستشفى الميداني الأردني (2) في غزة.
إنَّ موقف الأردن بسياسته ضد العدوان الغاشم، وتقديم كُلّ أنواع المساعدة الإنسانية والطبية وإنشاء المستشفيات الميدانية وإرسال الطائرات وشاحنات المساعدات إلى أهلنا في الضفة وغزة ما هو إلَّا واجبٌ وطنيٌّ ودينيٌّ، وهو ديدن الأردن دائمًا في الوقوف مع قضايا أمته العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وليس ذلك غريبًا على الأردن ونشامى الوطن، فالأردن يأبى أن يقف صامتًا ومكتوف الأيدي وتوأمُهُ ينزف، فالأردن بقيادته وشعبه هو سندٌ لأهلنا في فلسطين، وهو الداعم الأول له في كُلّ المحن والظروف، وإنَّ الدعم المقدَّم هو نموذجٌ لأي دولةٍ في العالم تريد أن تقدم الدعم لفلسطين.
ومن هنا ولما جرى ويجري في غزة وفلسطين فهذا يتطلب مِنَّا أن نحرص كُلَّ الحرص على أن نبقى صفًّا واحدًا خلف قيادتنا الحكيمة، ولا ندع أية فرصةٍ لمن تسول له نفسه باستغلال هذا الظرف للنيل من الوطن وشبابه؛ وذلك باستغلال حالة الإحباط والخذلان وخيبة الأمل التي يعيشها الشباب العربي، للانجرار وراء تياراتٍ متطرفةٍ ستكون أكثر وحشية ودموية من آلة الحرب الإسرائيلية؛ مما يجرُّ المنطقة كلها إلى منزلقٍ أكثرخطورة؛ فهذه التيارات قد تحظى بقبولٍ من بعض هؤلاء الشباب الذين قد يتهافتون إلى الانضمام إليها، وخصوصًا أنَّها ستسخركل إمكاناتها مجندةً من المؤثرين ما يحقق لها هذا الهدف.
الناس لهم وطنٌ يعيشون فيه، أمَّا نحن في الأردن فلنا وطنان، الأول نعيش فيه، والثاني يعيش فينا، ونعم للوحدة الوطنية، ونعم وألف نعم لمن جسد كل قيم المحبة والتسامح والنبل والعطاء والشموخ والكرامة في شخصه الذي أصبح رمزًا وطنيًا وقوميًا تَفخَر به الأجيال جيلاً بعد جيل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، هنيئاً لك أيها القائد بهذا الشعب الكريم وهنيئاً للأردن وللأمة العربية بفارسها الأبي عميد آل البيت وسبط الرسول الأعظم عبدالله الثاني ملكًا توجته القلوب قبل الحناجر، ونسال المولى عز وجل أن يسدد خطاك المباركة وينصر أهلنا في فلسطين الحبيبة.