أثرياؤنا وأثرياؤهم!

أثرياؤنا وأثرياؤهم!
بلال حسن التل
من الحقائق التي كشفها العدوان الإسرائيلي الهمجي وداعميه على قطاع غزة، الفرق الصارخ في توظيف الامكانيات، وخاصة المالية منها، بيننا وبين عدونا، والمثال الأشد وضوحا في هذا المجال، هو الفرق بين تصرف أثريائهم والأثرياء المحسوبين على أمتنا. مع التأكيد على أنه ليس المهم كما تملك من المال، ولكن المهم هو كيف توظف هذا المال، وهل تكتفي بتكديسه كثروة شخصية، أم توظفه لخدمة المجتمع، من خلال دعم المؤسسات التي تخدمه وتنميته، مثل الجامعات الخاصة. وليس التجارية التي انتشرت مؤخرا في بلادنا، أو بدعم مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى لتنمية المجتمع وبناء وعيه، وكذلك توظيف ما تملكه من مال لخدمة أهداف سياسية وغير سياسية تؤمن بها، كما يفعل الأثرياء الصهاينة، على اختلاف جنسياتهم، الذين يخدمون إسرائيل، من خلال توظيف أموالهم للضغط على من يعارض سياستها وممارساتها.

مناسبة هذا الحديث، الأخبار الواردة من الولايات المتحدة الأميركية، عن إجبار عدد من رؤساء الجامعات الأميركية الخاصة على الاستقالة بسبب ضفوط الموالين الصهاينة على هذه الجامعات، لأن هؤلاء الرؤساء سمحوا لطلاب جامعاتهم بالتعبير عن ارائهم المساندة لحقوق أبناء فلسطين، وشجب هؤلاء الطلبة للمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بحق المدنيين العزل في قطاع غزة، ومنهم رئيسة جامعة بنسلفانيا ليزا ماجيل التي تعرضت لانتقادات شديدة بعد شهادتها في الكونغرس الأميركي. واتهمت بمعاداة السامية، هي السلاح الذي يستخدم ضد كل من ينتقد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين في فلسطين المحتلة.

وماجيل ليست هي رئيسة الجامعة الأميركية الخاصة الوحيدة التي تتعرض للهجوم من الأثرياء الصهاينة الذين يوضفون أموالهم لخدمة إسرائيل، وقمع أي صوت ينتقدها. فمثلهارئيسة جامعة هارفرد، كلودين جاي، ورئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، سالي كورنبلوث، اللواتي ادلين بشهادتهن أمام لجنة بمجلس النواب الأميركي، حيث تعرضن على أثر هذه الشهادات الانتقادات واسعة من المجتمعات اليهودية في جامعاتنا، بسبب تعاملهن مع الاشتباكات بين المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل والمؤيدين للفلسطينيين،

فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة تواجه الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة معضلة الموازنة بين تلبية مطالب داعميها الأثرياء المؤيدين لإسرائيل، والحفاظ في الوقت ذاته على حق طلابها في التعبير عن آرائهم الداعمة للفلسطينيين.

حيث قام عدد من الأثرياء الأميركيين، أو لوّحوا على الأقل، بوقف تبرّعاتهم لمؤسسات تعليم عالٍ عريقة مثل جامعة هارفرد في ولاية ماساتشوستس وجامعة بنسلفانيا في ولاية فيلادلفيا.

فقد أنهت منظمة ويكسنر التي تعمل على تحضير «قادة المجتمع اليهودي الأميركي ودولة إسرائيل» شراكتها مع كلية كينيدي في جامعة هارفرد.

وبررت العائلة الثرية خطوتها بـ"فشل قيادة هارفرد الذريع في اتخاذ موقف واضح وقاطع ضد الجرائم الوحشية وقتل المدنيين الإسرائيليين الأبرياء من قبل الإرهابيين» على حد زعم هذه العائلة الصهيونية!.

وفي الأخبار أيضا أن مارك روان الرئيس التنفيذي لصندوق «أبولو غلوبل ماناجمنت» الاستثماري وهو أحد المتبرعين الرئيسيين لجامعة بنسلفانيا، طالب باستقالة رئيستها، ماغيل. بعد أن انتقد استضافة الجامعة قبل أسبوعين من اندلاع الحرب، منتدى للأدب الفلسطيني الذي شارك فيه من قال إنهم «أشخاص معروفون بمعاداتهم للسامية وترويجهم للكراهية والعنصرية».

كذلك، أعرب متبرعون آخرون لهارفرد وبنسلفانيا عن امتعاضهم من أداء الجامعتين في الوقت الراهن، مثل كينيث غريفين الداعم لهارفرد، ورونالد لاودر الداعم لبنسلفانيا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام كثيرة. وهو ما أكدته رئيسة جمعية الكليات والجامعات في الولايات المتحدة، لين باسكيريلا، في تصريحات قالت فيها «قادة المؤسسات التعليمية يتعرضون للانتقاد لعدم الإدلاء بموقف سريع أو حازم بما يكفي. يتم إرغامهم على اختيار طرف. على رغم ذلك، يصر كثيرون منهم على تعذر اتخاذ موقف مؤسسي بشأن قضايا دولية معقدة كهذه نظرا لتعدد الآراء في الحرم الجامعي».

واعتبرت أن الضغوط التي يمارسها المتبرعون على الجامعات تقوض هدف التعليم العالي في الولايات المتحدة وهو «الترويج لسعي غير مقيد إلى الحقيقة والتبادل الحر للأفكار».

وفي حملتهم ضد الجامعات يتجاهل الأثرياء الصهاينة الدستور الأميركي، الذي يكفل حرية التعبير والإدلاء بالرأي، كما يتجاهلون تقرير لجنة كالفن لعام 1967 في الدفاع عن حرية الطلاب في التعبير عن مواقفهم. وهو التقرير الذي يستند إليه رؤساء الجامعات في موقفهم، حيث خلص التقرير إلى أن دور الجامعات يجب أن يكون الترويج لتعددية الآراء عوضا عن اتخاذ موقف بشأن قضايا مثيرة للجدل.

هذا مجرد نموذج من نماذج كثيرة، وصورة من صور توظيف الأثرياء الصهاينة لأموالهم في خدمة إسرائيل، فهل يغار منهم الأثرياء في بلادنا؟.

تابعوا الوقائع على