لماذا لا تشهد أسعار النفط ارتفاعا
الوقائع الاخبارية:(معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2024/1/22 يتم تحديد أسعار النفط وفقاً
لعوامل متعددة في الأسواق حالياً، لذلك، فإن التنبؤ بالصدمات بناءً على
أزمات الشرق الأوسط ليس رهاناً أكيداً.
لطالما اقترنت الحروب في الشرق الأوسط بأزمات النفط العالمية. عندما تحركت القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية ضد مصر في العام 1956، مما أدى بالنتيجة إلى أغلاق قناة السويس، اضطرت كل من لندن وباريس إلى فرض تقنين على الوقود في بلديهما. وخلال حرب العام 1973، تجاوزت أسعار النفط الضعف على إثر قطع النفط العربي. وأدت الثورة الإيرانية في العام 1979 إلى مضاعفة الأسعار العالمية مجدداً، كما بلغت الأسعار ذروتها لفترة وجيزة عندما اجتاح صدام حسين الكويت في العام 1990.
وفي البداية، بدا أن الأزمة الحالية في غزة تسلك المسار عينه، إذ شهدت أسعار النفط قفزة من 70 دولاراً للبرميل إلى 90 دولاراً بعد أن اجتاحت حركة "حماس" حدود إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ولكن بحلول الأسبوع التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، تراجعت أسعار النفط الخام المعياري في الولايات المتحدة، "وست تكساس إنترميديت"، إلى ما دون 74 دولاراً للبرميل، في حين تراجع سعر خام "برنت" المتداول عالمياً إلى ما دون 80 دولاراً.
وحتى التصعيد إلى أعمال عدائية إقليمية أوسع نطاقاً -التي شملت الهجمات على حركة الشحن في البحر الأحمر والتبادلات المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران- لم يؤد إلى ارتفاع يُذكر في الأسعار. وبعد أن شنّ التحالف جولات متعددة من العمليات ضد أهداف حوثية في اليمن، نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" في 17 كانون الثاني (يناير) مقالاً بعنوان "الغارات التي تقودها الولايات المتحدة على المتمردين الإسلاميين تجدد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط ومعدل التضخم". ومع ذلك، أشار المقال نفسه إلى أن ارتفاع الأسعار بسبب الحرب لم يكن أمراً حتمياً.
في الواقع، تكمن الإجابة الأكثر ترجيحاً في توجه السوق في القانون الاقتصادي الذي يتكرر ذكره والذي يفيد بأن الأسعار تستقر عندما يتوازن العرض والطلب. بعبارات أبسط، لم تتسبب الحرب حتى الآن في أي انخفاض في إجمالي عرض النفط العالمي، ويبقى الطلب محدوداً نتيجة عدم اليقين الذي يكتنف آفاق الاقتصاد العالمي.
الاستهلاك، العرض والطلب
يصل الاستهلاك العالمي الحالي من النفط إلى ما يقرب من 100 مليون برميل يومياً. وتنتج المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى أكثر مما تستهلك من النفط، وتصدر بالتالي الفائض منه الذي تشكل كميته الإجمالية نحو نصف الاستهلاك العالمي. وتعتمد بعض البلدان (أبرزها اليابان) بشكل شبه كامل على هذه الواردات بينما تُنتج بلدان أخرى (مثل الصين) النفط بكميات محدودة، ولكنها تبقى معتمدة بشدة على الواردات.
في الوقت الراهن، لا يعاني العرض العالمي من أي نقص وثمة وفرة في الإنتاج الاحتياطي، كما يؤكده قادة كارتل "أوبك بلس". فقد انخفضت صادرات روسيا بسبب العقوبات الناجمة عن غزوها لأوكرانيا، في حين تخفض المملكة العربية السعودية إنتاجها على أمل يائس في زيادة الأسعار والإيرادات.
وقد أدت القدرة الفائضة الناتجة عن ذلك إلى خفض أي "علاوة مخاطرة"، التي كان من الممكن أن ترفع الأسعار في الماضي عند ظهور الأخبار السيئة المفاجئة. وبالإضافة إلى ذلك، تتزايد العروض من خارج دول منظمة "أوبك" -وخاصة من الولايات المتحدة- وهي الآن تتجاوز تقريباً إمدادات "أوبك" على صعيد النفط المتداول دولياً.
أما بالنسبة إلى عامل الشتاء، فقد تمت تلبية الطلب الموسمي على الطاقة في نصف الكرة الشمالي من ناحية العرض، مما أزال عاملاً محتملاً آخر لارتفاع الأسعار. وفي الولايات المتحدة، تشهد الكثير من المناطق هذا العام شتاءً أكثر برودة من المعتاد، ولكن يتم تلبية احتياجاتها من الكهرباء بصورة أكثر، وعن طريق الغاز الطبيعي ويليه الفحم في المرتبة الثانية والطاقة النووية في المرتبة الثالثة.
كما يتغير سوق النقل بسرعة أيضاً، إذ أصبحت السيارات وغيرها من المركبات أكثر كفاءة ويستخدم الكثير منها أنواعاً بديلة من الوقود.
العامل الصيني
هناك عامل رئيسي آخر يؤثر على الطلب على النفط وهو حالة الاقتصاد الصيني. وفي هذا الإطار، أشارت مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في 18 كانون الثاني (يناير) إلى أن النمو الاقتصادي في الصين بلغ 5.2 في المائة في العام 2023، لكن "ارتفاع الديون، وأزمة الإسكان التي قوضت الثقة، وتقلص القوى العاملة وتقدمها في السن، تشكل جميعها عوامل تؤثر في الإنتاج".
وعلى نطاق أوسع، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 19 كانون الثاني (يناير) أن "نمو الطلب العالمي على النفط تباطأ بشكل كبير في نهاية العام الماضي، ومن المتوقع أن يتراجع أكثر". وذكر المقال، نقلاً عن "وكالة الطاقة الدولية" ومقرها باريس -والتي أُنشئت في الأصل كرد العالم الغربي على منظمة "أوبك"- أنه "من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي هذا العام، على الرغم من التخفيضات المرتقبة في أسعار الفائدة... بما أن نشاط الشركات وإنفاق المستهلكين يعانيان من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في العامين 2022 و2023". وفي الوقت نفسه، أفادت التقارير بأن منظمة "أوبك": "لم تحدث أي تغيير على توقعاتها لنمو الطلب على النفط هذا العام وبقيت عند 2.2 مليون برميل في اليوم، وقالت إنها تتوقع نمو الطلب بمقدار 1.8 مليون برميل في العام 2025، وهو مستوى يظل مرتفعاً في نظر مراقبي السوق".
يذكّر الاختلاف بين تنبؤات "وكالة الطاقة الدولية" ومنظمة "أوبك" بالصعوبات الكامنة في محاولة توقع الطلب على النفط وأسعاره في أسواق اليوم المعقدة. وقد تُخطئ التنبؤات على المدى القريب وكذلك التحذيرات بشأنها. وحتى الآن، لم تخلف أزمة غزة وتداعياتها الإقليمية تأثيراً دائماً أو تأثيراً يُذكر على الأسعار، على الرغم من المخاوف الواسعة الانتشار من هذا التأثير.
*سايمون هندرسون: زميل بيكر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في المعهد، وهو متخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج العربي/ الفارسي.
لطالما اقترنت الحروب في الشرق الأوسط بأزمات النفط العالمية. عندما تحركت القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية ضد مصر في العام 1956، مما أدى بالنتيجة إلى أغلاق قناة السويس، اضطرت كل من لندن وباريس إلى فرض تقنين على الوقود في بلديهما. وخلال حرب العام 1973، تجاوزت أسعار النفط الضعف على إثر قطع النفط العربي. وأدت الثورة الإيرانية في العام 1979 إلى مضاعفة الأسعار العالمية مجدداً، كما بلغت الأسعار ذروتها لفترة وجيزة عندما اجتاح صدام حسين الكويت في العام 1990.
وفي البداية، بدا أن الأزمة الحالية في غزة تسلك المسار عينه، إذ شهدت أسعار النفط قفزة من 70 دولاراً للبرميل إلى 90 دولاراً بعد أن اجتاحت حركة "حماس" حدود إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر). ولكن بحلول الأسبوع التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر)، تراجعت أسعار النفط الخام المعياري في الولايات المتحدة، "وست تكساس إنترميديت"، إلى ما دون 74 دولاراً للبرميل، في حين تراجع سعر خام "برنت" المتداول عالمياً إلى ما دون 80 دولاراً.
وحتى التصعيد إلى أعمال عدائية إقليمية أوسع نطاقاً -التي شملت الهجمات على حركة الشحن في البحر الأحمر والتبادلات المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران- لم يؤد إلى ارتفاع يُذكر في الأسعار. وبعد أن شنّ التحالف جولات متعددة من العمليات ضد أهداف حوثية في اليمن، نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" في 17 كانون الثاني (يناير) مقالاً بعنوان "الغارات التي تقودها الولايات المتحدة على المتمردين الإسلاميين تجدد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط ومعدل التضخم". ومع ذلك، أشار المقال نفسه إلى أن ارتفاع الأسعار بسبب الحرب لم يكن أمراً حتمياً.
في الواقع، تكمن الإجابة الأكثر ترجيحاً في توجه السوق في القانون الاقتصادي الذي يتكرر ذكره والذي يفيد بأن الأسعار تستقر عندما يتوازن العرض والطلب. بعبارات أبسط، لم تتسبب الحرب حتى الآن في أي انخفاض في إجمالي عرض النفط العالمي، ويبقى الطلب محدوداً نتيجة عدم اليقين الذي يكتنف آفاق الاقتصاد العالمي.
الاستهلاك، العرض والطلب
يصل الاستهلاك العالمي الحالي من النفط إلى ما يقرب من 100 مليون برميل يومياً. وتنتج المملكة العربية السعودية وروسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى أكثر مما تستهلك من النفط، وتصدر بالتالي الفائض منه الذي تشكل كميته الإجمالية نحو نصف الاستهلاك العالمي. وتعتمد بعض البلدان (أبرزها اليابان) بشكل شبه كامل على هذه الواردات بينما تُنتج بلدان أخرى (مثل الصين) النفط بكميات محدودة، ولكنها تبقى معتمدة بشدة على الواردات.
في الوقت الراهن، لا يعاني العرض العالمي من أي نقص وثمة وفرة في الإنتاج الاحتياطي، كما يؤكده قادة كارتل "أوبك بلس". فقد انخفضت صادرات روسيا بسبب العقوبات الناجمة عن غزوها لأوكرانيا، في حين تخفض المملكة العربية السعودية إنتاجها على أمل يائس في زيادة الأسعار والإيرادات.
وقد أدت القدرة الفائضة الناتجة عن ذلك إلى خفض أي "علاوة مخاطرة"، التي كان من الممكن أن ترفع الأسعار في الماضي عند ظهور الأخبار السيئة المفاجئة. وبالإضافة إلى ذلك، تتزايد العروض من خارج دول منظمة "أوبك" -وخاصة من الولايات المتحدة- وهي الآن تتجاوز تقريباً إمدادات "أوبك" على صعيد النفط المتداول دولياً.
أما بالنسبة إلى عامل الشتاء، فقد تمت تلبية الطلب الموسمي على الطاقة في نصف الكرة الشمالي من ناحية العرض، مما أزال عاملاً محتملاً آخر لارتفاع الأسعار. وفي الولايات المتحدة، تشهد الكثير من المناطق هذا العام شتاءً أكثر برودة من المعتاد، ولكن يتم تلبية احتياجاتها من الكهرباء بصورة أكثر، وعن طريق الغاز الطبيعي ويليه الفحم في المرتبة الثانية والطاقة النووية في المرتبة الثالثة.
كما يتغير سوق النقل بسرعة أيضاً، إذ أصبحت السيارات وغيرها من المركبات أكثر كفاءة ويستخدم الكثير منها أنواعاً بديلة من الوقود.
العامل الصيني
هناك عامل رئيسي آخر يؤثر على الطلب على النفط وهو حالة الاقتصاد الصيني. وفي هذا الإطار، أشارت مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في 18 كانون الثاني (يناير) إلى أن النمو الاقتصادي في الصين بلغ 5.2 في المائة في العام 2023، لكن "ارتفاع الديون، وأزمة الإسكان التي قوضت الثقة، وتقلص القوى العاملة وتقدمها في السن، تشكل جميعها عوامل تؤثر في الإنتاج".
وعلى نطاق أوسع، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 19 كانون الثاني (يناير) أن "نمو الطلب العالمي على النفط تباطأ بشكل كبير في نهاية العام الماضي، ومن المتوقع أن يتراجع أكثر". وذكر المقال، نقلاً عن "وكالة الطاقة الدولية" ومقرها باريس -والتي أُنشئت في الأصل كرد العالم الغربي على منظمة "أوبك"- أنه "من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي هذا العام، على الرغم من التخفيضات المرتقبة في أسعار الفائدة... بما أن نشاط الشركات وإنفاق المستهلكين يعانيان من تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في العامين 2022 و2023". وفي الوقت نفسه، أفادت التقارير بأن منظمة "أوبك": "لم تحدث أي تغيير على توقعاتها لنمو الطلب على النفط هذا العام وبقيت عند 2.2 مليون برميل في اليوم، وقالت إنها تتوقع نمو الطلب بمقدار 1.8 مليون برميل في العام 2025، وهو مستوى يظل مرتفعاً في نظر مراقبي السوق".
يذكّر الاختلاف بين تنبؤات "وكالة الطاقة الدولية" ومنظمة "أوبك" بالصعوبات الكامنة في محاولة توقع الطلب على النفط وأسعاره في أسواق اليوم المعقدة. وقد تُخطئ التنبؤات على المدى القريب وكذلك التحذيرات بشأنها. وحتى الآن، لم تخلف أزمة غزة وتداعياتها الإقليمية تأثيراً دائماً أو تأثيراً يُذكر على الأسعار، على الرغم من المخاوف الواسعة الانتشار من هذا التأثير.
*سايمون هندرسون: زميل بيكر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في المعهد، وهو متخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج العربي/ الفارسي.