عالم نص كم

عالم نص كم
د . نضال المجالي
نعم؛ العنوان صحيح كما قرأته عزيزي القارئ، ولكن هل هو بالمعنى الذي فهمته؟ لن أناقش الفهم بقدر ما نعيشه يوميا في العنوان من تصرفات وسلوك وتطبيق، فالإجابة لكم مفتوحة بعد انتهاء ما أقدمه من رأي. فأنا أرى أن "نص كم” أصبح نهجا يوميا بدءا من جودة الخدمة وانتهاء بالموضة، ويتجاوز ذلك المظهر العام للأفراد أو لغة الخطاب بين الناس وخصوصا بعض الجيل الجديد، فهل نعيش فعلا اليوم عالم "النص كم”؟ وستكون إجابتي على السؤال هي أول كلمة وردت في هذا النص.

في كل القطاعات وكل السلوك الحديث- إلا من رحم ربي- أصبح من الصعب أن تجد من يعي حديث الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام- "إن الله عز وجل يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”، وأصبح من الصعب أن تختار الأفضل في معظم أو كل الأشياء، أصبحت المنهجية اليوم "خليها سايره” "مشّي حالك” فأنت لن تُصلح العالم ولن يقف عندك، أصبح صعبا أن تضمن الاختيار لمنتج أو لخدمة أو لعامل أو حتى لصديق، فعالم "النص كم” يحيطك ويتمدد ومن يرى غير ذلك اسأله مباشرة عن مطلب أو منفعة أو يوما عاشه وحقق الرضى كاملا، وأقصد بالقبول دون انتقاص أو شكوى أو تعليق، ليكون جوابه "تقريبا لو”! لنرى أنه حتى إجابته ملكت صفة "النص كم”.

عالم "النص كم” هو اكبر ضرر لحق بالمجتمعات والأفراد، اقتصاديا وأخلاقيا وسياسيا واجتماعيا وامتد لأبعد تفصيل من حياتنا، فترى قصور العائد اقتصاديا واستثماريا لاختيارنا شخوص إدارة "النص كم” في أعمالنا، ونشهد قصورا أخلاقيا وفكريا لانتشار التقليد الأعمى في سلوك وهيئات شخصيات "النص كم مظهرا وتفكيرا”، ونفشل في تسويق منتج وفكر سياسي لحمله من قبل شخوص عايشناها وكانت رؤيتهم "نص كم فترة وجودهم”، فأصبحت قيمة ما ينفق من وقت ومال وجهد ومكانة لا يقابلها قيمة تستحق، فكثرتْ المجادلة وزاد الشك وانتشر العزوف سواء عن حاجة أساسية أو كمالية ترفيهية، وكل ذلك ساعد في فساد السلع والأذواق، وأحيانا كثيرة كان ذو أثر على أهمية الإبداع والتميز والعطاء، لاتهامها بأنها متطلبات حياتية ذات جودة وقيمة مرتفعة، متناسين ما نعرفه حتى في العرف أصلا أن "الغالي سعره فيه”، وأقصد بمعنى الغالي الاتقان والجودة وليس فقط القيمة المادية ليتجاوزها أكثر في المعنوية.

ولمواجهة ظاهرة "النص كم” وهي بأقرب معنى لغوي تشير إلى "وصفٍ للهروب من المسؤولية”، يستوجب ردها بوعي وممارسة لمفهوم الإتقان كسمة وسلوك وعمل في كل مناحي الحياة، وهو ما تجده في رسالة وتوجيه كل الأديان السماوية، ويصل في الدين الإسلامي ليكون فريضة وله دور مهم في تغيير سلوك ونشاط وحياة الأفراد في كل البيئات التي يعيشون فيها، ولمواجهة ظاهرة "النص كم” نحتاج تفعيل مبدأ الثواب والعقاب على نوع ومستوى خياراتنا رسمية كانت أم فردية، نحتاج إرادة التغيير بقرارات مكتوبة باليد أولا ثم بالتوجيه والتنبيه باللسان وإن عصي بنا الأمر أقلها لنمنع إقرارها بالقلب فنرفض هذه الفئة وهذا المنتج وهذه الخدمة التي وصفت "بالنص كم”، لعلنا نكون سببا لنعود كما هو الأصل الذي نشأنا عليه ونجحنا فيه سابقا من "إتقان

تابعوا الوقائع على