صدامات نتنياهو التي لا تنتهي
د. محمد حسين المومني
كان آخر هذه الصدامات ما حدث مع الإدارة الأميركية، عندما تحدث نتنياهو أن هناك وقفا لشحنات أسلحة من أميركا، ليرد البيت الأبيض أن هذا الكلام غير صحيح ويلغي لقاء مقررا مع مسؤولين إسرائيليين، تبع ذلك تسريب من سفير أميركا في إسرائيل للجيروسلم بوست أن الأسلحة التي تحدث عنها نتنياهو كانت في طور التسليم عندما قال إنها عالقة.
نتنياهو حض وحرض وفد كونغرس مشترك على إصدار قرار يلزم الإدارة الأميركية بسرعة التسليم للأسلحة في تصعيد جديد لم تألفه الإدارات الأميركية من قبل إسرائيل.
نتنياهو يريد أن يظهر أنه من يقف في وجه أميركا، وأن إسرائيل قادرة على صناعة القرار باستقلالية عنها، وهو القائد القوي الذي يستطيع أن يخوض هذه المعارك السياسية، وهو لا يدرك بالمطلق أن ما يحدث له من معارك سياسية مستمرة سببه تخبط سياساته وعدم وضوحها، ودلالات ذلك عدة، آخرها أيضا تضارب تصريحاته مع تصريحات وحتى قرارات الجيش في الميدان، حيث أعلن الأخير عن إحدى عشرة ساعة يوميا لوقف إطلاق النار يتم فيها تسليم المساعدات الإنسانية حتى لا تحدث أخطاء أو استهدافات تؤدي لقتل المدنيين وعمال الإغاثة، ويأتي قرار الجيش بعد أن وضعت الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي على قائمة الجيوش التي تنتهك الأطفال المدنيين في الحروب. ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو يواجه انسحابا لغانتس وحزبه من حكومة الحرب، ويلغي حكومة الحرب المصغرة بعد أن طلب بن غفير الانضمام لها، ويواجه تصعيدا في الشمال مع حزب الله لا يبدو للآن ملامح اتجاهاته، مع أن حربا مع حزب الله هي أفضل ما يمكن أن يحدث لنتنياهو الآن لتنقذه سياسيا من مآزقه المتنامية عدديا ونوعيا.
الرجل يواجه حروبا من شتى الاتجاهات، ويزداد عدد خصومه الدوليين والداخليين بشكل مطرد، ولم يفلح للآن بأن يرسخ الدعم الدولي المطلوب بسبب سياساته وقراراته، ولا يبدو أن أهداف حربه قابلة للتحقيق على أرض الواقع، وليس بباله أن يقبل أي بديل فلسطيني لحكم غزة، وما يحدث فعليا هو احتلال الأمر الواقع الذي يقوم به الجيش هناك.
هذه سياسة نتنياهو التي أبعدت عنه المجتمع الدولي وفعليا عزلته، سياسته استخدام الجيش وإعادة الاحتلال والتمترس خلف ترسانة أسلحة لحماية الأمن، وهذا كله أثبت فشله، والأصل أن الاشتباك السياسي هو الذي يحقق الأمن ويجلب الحلفاء والأصدقاء، وينزع فتيل الأزمة من الإقليم برمته، ولكن لغة السياسة لا يفهمها ولا يقبلها نتنياهو، فذلك يتعارض مع عقيدته السياسية الدينية، ومع أهدافه التفردية التي تحقق له البقاء في الكرسي. لقد حول نتنياهو إسرائيل لدولة جدلية تزداد النظرة السلبية لها دوليا وإن كانت لا تزال تحتفظ بقرار دولي داعم، وخلق شرخا داخليا بينه وبين الجيش وبين الأطياف السياسية الأخرى، وهو يستطيع وقف ذلك إذا ما اشتبك سياسيا بشكل مهني بعيد عن الشوفينية والنرجسية، ولكن تلك قيم بعيدة عن نتنياهو الذي يعد بقاءه السياسي أقوى متغير لتفسير سلوكه السياسي.