خطاب نتنياهو بالكونغرس: حضور الأكاذيب وغياب الحقائق

خطاب نتنياهو بالكونغرس: حضور الأكاذيب وغياب الحقائق
الوقائع الإخبارية : على مدى 55 دقيقة، حاول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس، جاهدا، استعادة ولو قدر يسير من المكانة الشخصية التي خسرها نتيجة الحرب، فضلاً عن تعزيز الروابط الإسرائيلية الأميركية رغم التباين مع الرئيس جو بايدن، محددا إيران عدوا مشتركا للبلدين، ودعم بصورة ضمنية حملة المرشح الجمهوري دونالد ترامب، مع رسم جزء من تصوره لمستقبل قطاع غزة.
كما أرسل نتنياهو لأنصاره في الليكود إثباتا بأنه "ما يزال شخصية من الطراز الأول"، وأنه بالرغم من الضغوط الدولية والمشاكل الداخلية، فإنه مُصر على مواجهة التحديات.

وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية الدكتور أيمن البراسنة، إن من الواضح أن نتنياهو في ورطة حقيقية داخل الكيان بسبب الحرب على غزة، حيث ووجه بانتقادات من مسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية الصهيونية وعائلات المختطفين، ولذلك تمثل زيارته إلى واشنطن والتحدث أمام مجلسي الكونغرس في جلسة مشتركة بعد مرور 9 سنوات على آخر خطاب له في الكابيتول هيل فرصة استغلها لدعم موقفه الداخلي في وجه تصاعد الاحتجاجات المطالبة باستقالته من جهة، وتعزيز الدعم الأميركي تجاه الحرب على غزة من جهة أخرى.
وتابع البراسنة: "بمعنى آخر، يمكن القول إن هدف نتنياهو من هذه الزيارة مدفوع بعوامل شخصية لمحاولة تعزيز صورته ومكانته المهتزة لدى الجمهور الصهيوني، واستعادة الثقة المفقودة عبر إظهار علاقته الوثيقة بمسؤولين أميركيين، وأن نفوذه في الولايات المتحدة يتجاوز البيت الأبيض، فضلا عن مخاطبة صناع القرار في الإدارة الأميركية لإقناعهم بأسباب الحرب وأهدافها، علما بأن هذه الزيارة لن تعود بالكثير على نتنياهو في ظل الانشغال الأميركي بالانتخابات التي ستعقد في نوفمبر المقبل، خصوصا أن انسحاب بايدن من الترشح جعل زيارة نتنياهو خالية من مضمونها".
وتابع: "أشاد نتنياهو في خطابه بجيشه، مبددا حقيقة قتله آلاف المدنيين في غزة بالقصف أو الجوع، وبيّن رؤيته لليوم التالي للحرب التي تقوم على بقاء قوات الاحتلال في غزة في المراحل الأولى لضمان نزع سلاح الفصائل ومواجهة الراديكالية حسب تعبيره، على أن تتولى إدارة مدنية فلسطينية إدارة القطاع بعد ذلك".
وأضاف: "لم يقدم الخطاب موقفا حاسما من صفقة التبادل ووقف القتال، وتجاهل الحديث بشأن أي صفقة محتملة، وشدد على استمرار الحرب حتى القضاء على حماس وفق تعبيره، وأثنى على العمليات العسكرية بوصفها الطريقة الوحيدة القادرة على استعادة الأسرى".

واستكمل: "طالب نتياهو الولايات المتحدة بتزويد الكيان بما أسماه الأدوات المناسبة لتمكينه من إنهاء المهمة في القطاع بطريقة أسرع، وأشار إلى إيران بصفتها المسؤولة عن الاضطرابات في الشرق الأوسط وتطويرها سلاحا نوويا يتهدد الكيان والولايات المتحدة، وبأن مواجهة ايران وأذرعها تقع على عاتق الاحتلال والولايات المتحدة، لأنها تمثل خطرا مشتركا حسب وجهة نظره".

وقال البراسنة: "على الرغم من وجود هدف مشترك هو القضاء على حركة حماس ومنع عودتها لحكم القطاع المدمر، إلا أن هناك خلافات أميركية-صهيونية في بعض المواقف، بما في ذلك مفاوضات الإفراج عن المحتجزين ودخول المساعدات الإنسانية، وعدم امتلاك إسرائيل رؤية إستراتيجية أو خطة لليوم التالي للحرب، ولذلك سيحاول نتنياهو الحصول على دعم أميركي للإبقاء على وجود عسكري صهيوني في محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على طول الحدود بين مصر وغزة، لمنع حركة حماس من إعادة تسليح نفسها من خلال شبكة أنفاقها في رفح، والإبقاء كذلك على الوجود الصهيوني في ممر نتساريم لمنع عودة مقاتلي حماس إلى شمال غزة".

وتابع: "أثارت زيارة نتنياهو الجدل وسط احتجاجات واضطرابات سياسية في الاوساط الشعبية الصهيونية والأميركية، وفي صفوف بعض الديمقراطيين، حيث قاطع 80 عضوا من الديمقراطيين الجلسة التي تحدث فيها نتنياهو، وغابت نائبة الرئيس كامالا هاريس متذرعة بضيق الوقت رغم أن البروتوكول ينص على ترؤسها الجلسة بوصفها رئيسة مجلس الشيوخ، وغابت نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة للكونغرس".

"علاوة على ذلك، يقول البراسنة، شهد محيط الكونغرس احتجاجات مناوئة لزيارة نتنياهو، وبدوره لم يدخر جهدا في اتهامهم أثناء إلقاء خطابه بأنهم يتلقون تمويلا من إيران، وبأنهم حمقى يجهلون التاريخ والجغرافيا".

وأضاف: "على الرغم مما سبق، تجدر الإشارة إلى أن زيارة نتنياهو تؤكد بشكل عام استمرار الدعم الأميركي للاحتلال، خصوصا أن الدعوة وجهت لنتنياهو لإظهار التضامن الأميركي مع الكيان على الرغم من وجود بعض التباينات في المواقف من الحرب على غزة، في ظل انتقادات أميركية فيما يتعلق بإدارة الحرب على غزة، لذلك يبقى هدف التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار هو الموضوع الرئيسي في إطار التفكير الإستراتيجي".

واستدرك البراسنة: "لكن هل يبدو نتنياهو بالفعل مرنا تجاه هذا الاحتمال؟ تبقى الإجابة عن هذا التساؤل رهن التغير في الموقف الأميركي الداعم للكيان منذ اندلاع أحداث طوفان الأقصى؛ لأن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب، بل يهدف إلى إطالة أمدها من أجل البقاء في السلطة، في ظل تداعيات إنسانية واقتصادية وسياسية للحرب".

من جهته، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، إن خطاب نتنياهو عكس ثباته على المواقف التي أعلنها مع بداية الحرب، ومنها القضاء على حماس، والسيطرة الأمنية على قطاع غزة، وتعيين فلسطينيين غير معادين لإسرائيل، وبقي متبنيا مقاربة أنه في صراع بين الحضارة والهمجية، ورفض إعلان وقف إطلاق نار، بل أصر على استمرار الحرب حتى النهاية، ورفض حل الدولة الفلسطينية، وتمسك بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ودعا لتحالف مستمر بين الولايات المتحدة والكيان، مدعيا أنه إذا سقطت إسرائيل فإن الولايات المتحدة ستتبعها".

وتابع شنيكات: "يبدو أن منطقة الشرق الأوسط ستمر بمرحلة قاتمة إذا استمر نتنياهو في تبني هذه المقاربة، وقد يعصف ذلك باستقرار المنطقة خاصة أنه يتبنى مفهوم الصراع والرغبة في الانتصار على (الأعداء)، وحدد مجموعة كبيرة من هؤلاء الأعداء الذين ينوي محاربتهم، من دون أن يتبنى أي أفق للسلام".

وأضاف: "عند تحليل خطاب نتنياهو نجد أنه يؤكد تمسكه بالسلطة، حيث يضع مصيره مع مصير الائتلاف الحكومي المتطرف، كما أنه يتبنى أجندة يمينية متطرفة، وهو ما يفسر هذا الخطاب".

بدوره، يرى المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن ثمة ملفين رئيسيين غابا عن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس، هما المفاوضات التي تجري حاليا مع حركة حماس لإطلاق سراح الرهائن، وكذلك مسؤوليته عن الإخفاق جرى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي باعتباره رئيس الوزراء، وبالتالي لم يحقق توقعات الكثير من جمهور الشارع الصهيوني.

وأضاف الحجاحجة: "نتنياهو لا يستطيع أن يلقي هذا الخطاب نفسه داخل الكيان، لأن ما هو غائب في حديثه أهم من الحاضر فيه".
وتابع: "كما أن نتنياهو حاول في خطابه أمام الكونغرس التحدث إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وإيجاد قاسم مشترك بينهما، مستهدفا دفع الإدارة الأميركية لتقديم ما يلزم من مساعدات للكيان لمواصلة حربه على عزة".

واستكمل: "المشهد السياسي يختلف اليوم عن السابق، إذ تشعبت التوترات وتعقدت داخليا وخارجيا، فالحرب على غزة ألقت بظلالها على الخطاب الرابع لنتياهو أمام الكونغرس، الذي اختلف هذه المرة في الصورة والمضمون، والدليل على ذلك مقاطعة أكثر من 100 مشرع ديمقراطي له، بسبب سياسات نتنياهو في غزة".

وقال الحجاحجة إنه رغم ما تمر به الولايات المتحدة الأميركية من انتخابات رئاسية محتدمة، خاصة بعد إعلان الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي، وتقدم نائبته كامالا هاريس لقيادة الحزب الديمقراطي في تلك الانتخابات، فإن نتنياهو في خطابه ضرب عرض الحائط بكل المنظومة القانونية الدولية ومؤسسات المجتمع الدولي، وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية، وهو ما يزال مصمما على مواقفه السابقة المتمسكة بأكذوبة النصر الساحق عن طريق الضغط العسكري، وشراء مزيد من الوقت لقتل سكان غزة بمباركة أميركية، واستعادة شرعية مواصلة القتال ومواصلة الإبادة الجماعية ضد أهل غزة.
تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير