حادثة "مجدل شمس".. تسخين صهيوني لا يصل درجة الغليان
الوقائع الإخبارية : - فيما نفى حزب الله في بيان مسؤوليته عن حادثة مجدل شمس بالجولان المحتل، إلا أن تصريحات مسؤولين صهاينة تشي بأن دولة الاحتلال تسخن الأجواء لشن حرب واسعة ضد حزب الله في لبنان، متخلية بذلك عن قواعد الاشتباك الضمنية التي استمرت طوال 9 أشهر من المناوشات الجارية بين الطرفين، فيما يستبعد خبراء عسكريون إمكانية الحرب لاعتبارات داخلية لدى كلا الطرفين.
وكان قتل 12 شخصا، من بينهم أطفال، في قصف صاروخي على بلدة مجدل شمس بالجولان المحتل ذات الأغلبية الدرزية، أول من أمس، فيما قال جيش الاحتلال إن صاروخا إيراني الصنع استُخدم في الهجوم الذي وقع في ملعب لكرة القدم بالبلدة، فيما اتهم الكيان الصهيوني حزب الله بالمسؤولية عن الضربة، متوعدا بأن الحزب سيدفع ثمنا باهظا.
ويتبادل حزب الله والاحتلال القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وإثر شن دولة الاحتلال حربها على قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، توقع رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، عدم تصاعد الأمور بين حزب الله والكيان إلى درجه فقدان السيطرة، مشيرا إلى أن كلا الطرفين لديه حساباته الخاصة، فجميع صناع القرار في دولة الاحتلال يعطون الأولوية لحل سياسي بمن فيهم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي أفصح عن ذلك في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، وكذلك وزير الدفاع وكثير من قادة المستوى السياسي الأول، الذين يضعون نصب أعينهم هزيمة حركة حماس، لأن الهزيمة ستؤدي إلى إيصال رساله ردع إلى حزب الله والجهات المتحالفة معه، وهذا ما يعتقده قادة إسرائيل.
وتابع شنيكات: "كذلك فإن هناك اعتبارات عملياتية وعسكرية تتعلق باستنزاف قدرات الجيش الصهيوني والخوف من التوسع بشكل كامل في حرب مع حزب الله قد تؤدي إلى نتائج تؤثر على الوجود الصهيوني في المنطقة".
واستكمل: "أما من جهه حزب الله، ووفقا لما وصف نفسه على لسان أمينه العام بأن جبهته هي جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية وليست جبهة رئيسية، وبالتالي فإن الهدف هو مشاغلة القوات الصهيونية ومنعها من إلقاء ثقلها بشكل كلي نحو قطاع غزة، وبالتالي ليس في ذهن حزب الله الذهاب إلى فتح جبهة كاملة مع العدو لأسباب تتعلق بالداخل اللبناني".
بدوره، قال الخبير العسكري والإستراتيجي الدكتور نضال أبو زيد، إن حزب الله يدرك تماما قواعد الاشتباك مع الاحتلال، ولذلك كانت كل ردوده مضبوطة بقياسات لا تسمح بالانزلاق نحو عمل عسكري تقليدي، لافتا إلى أن ما حدث في مجدل شمس يحمل العديد من الملاحظات، أبرزها أن مثل هذا الاستهدف لم يحدث سابقا، ولم يسجل على حزب الله استهدافه مدنيين بشكل مباشر، إضافة إلى أن هناك قاعدتين للاحتلال قريبتين من مجدل شمس، والقبة الحديدية لم تعترض ما يدعي الاحتلال أنه صاروخ أطلق من جنوب لبنان.
وضمن هذه المساقات والمؤشرات، أكد أبو زيد، فإن الاحتلال قد يكون حاول إيجاد مبرر يتزامن مع المسار الدبلوماسي الجاري في روما لوقف إطلاق النار في غزة، من أجل استعادة الردع الذي كسره حزب الله، واستعادة التفوق الجوي بعد اختراق الحزب أجواء شمال الأراضي المحتلة 33 مرة من خلال استطلاع المناطق الإستراتيجية عبر طائرات الهدهد.
وفيما يتعلق بانعكاسات الادعاء الصهيوني على لبنان، توقع أبو زيد أن ينفذ الاحتلال عملية جوية في عمق الأراضي اللبنانية ربما تصل إلى الضاحية الجنوبية من بيروت أو مطار بيروت، على شاكلة استهداف ميناء الحديدة في اليمن لاستعادة الردع والتفوق الجوي، لكن من غير المتوقع أن يذهب الاحتلال إلى عملية عسكرية تقليدية مشابهة لمواجهة 2006؛ لأنه يدرك أن أي مغامرة قد تؤدي إلى الانزلاق باتجاه عمليات غير محسوبة النتائج، وربما تكون فاتورة التكاليف عالية.
وأضاف: "يتزامن ذلك مع كون الاحتلال مستنزفا أصلا في غزة، وإذا كانت غزة تحكمها محددات عملياتية، فإن أي صراع مع حزب الله تحكمه محددات جيواستراتيجية، كما أن البيئة الدولية والإقليمية لا تدعم خيار توسيع دائرة الصراع في ظل جانب أميركي يتحضر لانتخابات رئاسية، وجانب إيراني انتخب رئيسا إصلاحيا ذاهبا باتجاه التهدئة مع الغرب، وجانب أوروبي يريد التخلص من أعباء حرب أوكرانيا".
وتابع: "الأمر الأهم أن قوات الاحتلال لو كانت قادرة فعلاً على خوض حرب أوسع، لما انتظرت نحو 10 أشهر على الدمار الكبير الذي لحق بالمستوطنات الشمالية، وبقاء المستوطنين طوال الفترة الماضية خارج مناطقهم، وتكبدها خسائر بشرية بين جنود ومستوطنين".
من جهته، يرى المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن حزب الله والاحتلال أقرب من أي وقت مضى إلى حرب شاملة، مستبعدا في الوقت نفسه وقوعها لاعتبارات مختلفة، إذ إن الاحتلال سيرد على الهجوم ولكن ليس بالطريقة التي ستجلب الحرب.
وأضاف الحجاحجة: "حادثة مجدل شمس قد تكون بالفعل الشرارة التي قد تمهد لمواجهة شاملة، لكن الجانبين لا يرغبان في التصعيد إلى هذه الدرجة على الأقل في الوقت الحالي، كما أن الاحتلال لو كانت معنيا بدخول حرب شاملة على جبهته الشمالية لفعل ذلك مبكرا، على اعتبار أن ما كان يحصل فعليا خلال المعارك الماضية بين الجانبين يعد كافيا للذهاب إلى حرب أشمل إذا كانت تل أبيب تريد ذلك".
وقال إنه منذ حرب تموز (يوليو) 2006، تحكم معادلة ردع متبادل الصراع بين الجانبين، والتي أفرزت عمليا قواعد اشتباك متفقا عليها ضمنيا، منعت اندلاع حرب شاملة جديدة طوال نحو عقدين من الزمن، وما زالت تسير المعارك الدائرة حاليا وفق تلك القواعد.
وتابع: "الجانبان يعتمدان في الوقت الراهن مبدأ الضربة بالضربة، فعندما زادت دولة الاحتلال من وتيرة عمليات الاغتيال المستهدفة قيادات من حزب الله، كثف الحزب تدريجيا ضرباته الصاروخية ردا على كل عملية اغتيال، لتتجاوز أحيانا 100 صاروخ في الضربة الواحدة، ولتصل إلى نحو 40 كيلومترا، في العمق الصهيوني".
وحول مسألة التحول إلى حرب شاملة بين الجانبين، قال الحجاحجة إن الأمر لا يتعلق فقط بقوة الردع التي أثبتها حزب الله في مواجهة الاحتلال أو التحذيرات الدولية والإقليمية، بل هناك عوامل هشاشة داخلية عسكرية وسياسية داخل الكيان تقيد إمكانية اللجوء إلى حرب واسعة ستجر خلفها مخاطر كبيرة عليه، خصوصا مع دروس التعثر في العدوان على غزة جنوبا، والمواجهة مع حزب الله شمالا.