الإبادة الجماعية كستار دخان.. عن حرب إسرائيل الأخرى في الضفة الغربية‏

الإبادة الجماعية كستار دخان.. عن حرب إسرائيل الأخرى في الضفة الغربية‏
الوقائع الإخبارية : على الرغم من حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يتعثر في غزة، فإن الحرب هناك تستخدم كستار دخان مثالي لوضع اللمسات الأخيرة على الخطط الاستعمارية القديمة في الضفة الغربية.‏ وكان سموتريتش قد أطلق على هذا المخطط في العام 2017 اسم "الانتصار عن طريق الاستيطان". والآن، بعد أن أصبح في موقع سلطة ولديه إمكانية الوصول إلى ميزانية ضخمة، فإنه يعكف على جعل هدف حياته حقيقة واقعة.


*   *   *
ليست الوعود بتحقيق "النصر المطلق" في غزة سوى "ثرثرة فارغة"، وفقا لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. ولم يكن المقصود من ‏‏تعليقات‏‏ غالانت أن تكون علنية. ولكن، تم تسريبها بطريقة ما وقامت وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشرها في 12 آب (أغسطس).‏
‏اقتصر تفسير سبب استمرار نتنياهو في خوض حرب خاسرة في غزة إلى حد كبير على المصالح الشخصية لرئيس الوزراء: تجنب نتائج محاكمات الفساد؛ والحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي المتطرف، وتجنب إجراء انتخابات مبكرة.‏

‏ومع ذلك، لا يمكن لأي من هذه المبررات أن يفسر عبثية الاستمرار في حرب تجسد، حسب تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، "أسوأ فشل في تاريخ إسرائيل".‏

‏أي شيء آخر إذن يمكن أن يفسر الدافع وراء إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب؟ ولماذا يصر حلفاؤه الأكثر أهمية في الحكومة، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على إطالة أمدها؟‏

‏ربما لا تكمن الإجابة في غزة، وإنما في الضفة الغربية.‏ ف‏في حين تواصل إسرائيل حملتها العسكرية الفاشلة في القطاع من دون أهداف إستراتيجية واضحة، فإن حربها على الضفة الغربية مدفوعة بدوافع إستراتيجية واضحة: ضم الضفة الغربية والتطهير العرقي لقطاعات كبيرة من السكان الفلسطينيين من هناك.‏

وهذا الاتجاه واضح –ليس فقط من طبيعة أعمال إسرائيل اليومية في الضفة الغربية، ولكن أيضا في التصريحات الواضحة التي يدلي بها المسؤولون الحكوميون المتطرفون في إسرائيل.‏ ويشمل ذلك ‏‏التزام‏‏ حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو "بدفع وتطوير الاستيطان في جميع أنحاء "أرض إسرائيل" -في الجليل والنقب ومرتفعات الجولان ويهودا والسامرة".‏
‏ونقل تسجيل صوتي، حصلت عليه جماعة "السلام الآن" ‏‏الإسرائيلية، الملاحظات‏‏ التالية التي أدلى بها سموتريتش في مؤتمر عقد في 9 يونيوحزيران (يونيو): "إن هدفي هو استيطان الأرض، وبناؤها، ومنع تقسيمها من أجل الله.. ومنع قيام دولة فلسطينية".‏
وحتى يفعل، كلَّف السياسي اليميني المتطرف نفسه بتنفيذ مهمة "تغيير الحمض النووي للنظام". وفي الحقيقة، كان هذا "النظام" يعمل منذ عقود طويلة.‏
‏في أعقاب احتلالها العسكري للضفة الغربية، بدأت إسرائيل عملية بطيئة -لكنها دؤوبة- لضم الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني. ‏‏وشملت‏‏ هذه العملية إنشاء ما تسمى بـ"الإدارة المدنية" في العام 1981.‏
كانت هذه "الإدارة" في الأساس فرعا من الجيش الإسرائيلي، ولكن تم تصنيفها على أنها "مدنية" كجزء من جهد حكومي أكبر لتحويل الاحتلال العسكري، الذي ينبغي أن يكون مؤقتا، إلى استعمار دائم لفلسطين. وأعقب ذلك الضم العملي للمناطق والتوسع المستمر للمستوطنات اليهودية الإسرائيلية غير القانونية التي بنيت على الأراضي الفلسطينية بعد الحرب.‏
‏في العامين 1993-1994، منحت ‏‏"اتفاقات أوسلو"‏‏ الفلسطينيين سيطرة إدارية اسمية على مناطق صغيرة في الضفة الغربية، تم تصنيفها على أنها المناطق (أ) و(ب)، وتطلب ذلك نقل بعض مسؤولية "الإدارة المدنية" الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية المشكلة حديثا، على أساس فهم أن السلطة الفلسطينية ستواصل بشكل أساسي إعطاء الأولوية لأمن إسرائيل.‏
‏سمح الترتيب الجديد لإسرائيل بتوسيع مستوطناتها غير القانونية، من دون عوائق، في معظم أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، ‏وهو ما زاد من حجم المستوطنات وعدد سكانها بمقدار ثلاث مرات‏‏ في الفترة بين العامين 1993 و2023.‏
‏ومع وصول الخطة الاستعمارية الإسرائيلية في الضفة الغربية إلى ذروتها، سعى نتنياهو، في العام 2020، إلى تعزيز المكاسب الإسرائيلية ‏‏بضم‏‏ أكثر من 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية.‏ وبسبب الضغوط الدولية والمقاومة الفلسطينية المتزايدة، أرجأ نتنياهو خطته، على الرغم من أن "الضم ما يزال مطروحا على الطاولة".‏
لكن إسرائيل عمدت، من دون الكثير من الضجة، إلى استبدال أملها في ضم شامل للضفة الغربية بحكم القانون، بالسيطرة الفعلية من خلال الاستيلاء السريع على الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات.‏
‏على الرغم من حقيقة أن الجيش الإسرائيلي يتعثر في غزة، فإن الحرب هناك تستخدم كستار دخان مثالي لوضع اللمسات الأخيرة على الخطط الاستعمارية القديمة في الضفة الغربية.‏ وكان سموتريتش قد أطلق على هذا المخطط في العام 2017 اسم "الانتصار عن طريق الاستيطان". والآن، بعد أن أصبح في موقع سلطة ويمتلك إمكانية الوصول إلى ميزانية ضخمة، فإنه يعكف على جعل هدف حياته حقيقة واقعة.
ولكي يتحقق حلم سموتريتش، كان عليه أن ينعش الدور المركزي لـ"لإدارة المدنية". وهكذا، اخترع في أيار (مايو) منصبا جديدا يسمى "نائب رئيس" الإدارة، ومنح المنصب لزميله المقرب هيليل روث.

والآن، يتمتع كل منهما بحقوق شاملة لا مثيل لها لتوسيع المستوطنات. وقد وافقت حكومة نتنياهو، منذ بداية ولايتها في السلطة، على بناء 12 ألف وحدة سكنية جديدة للمستوطنات غير القانونية، بينما أمرت في الوقت نفسه بهدم آلاف المنازل الفلسطينية والبنية التحتية المدنية الأخرى.

في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024، أعلنت إسرائيل عن ما يقرب من 6.000 دونم كـ"أراض مملوكة للدولة"، والتي تكون بهذه الصفة مؤهلة لبناء المستوطنات عليها. ووصفت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية هذا القرار بأنه "أكبر عملية استيلاء على أراض في الضفة الغربية في 30 عاما".

من الواضح تماما أن عملية التطهير العرقي للفلسطينيين جارية بالفعل. ووفقا للمجلس النرويجي للاجئين، تم في النصف الأول من العام 2024 وحده تهجير ما لا يقل عن 1.000 فلسطيني بالقوة، بينما تأثر ما يقرب من 160 ألفا بعمليات هدم المنازل.
جاءت الحرب الإسرائيلية على الضفة الغربية بحصيلة باهظة من الدماء. فقد قُتل، حتى 12 آب (أغسطس)، ما لا يقل عن 632 فلسطينيا وجُرح 5.400 آخرون في الضفة الغربية، وفقا لوزارة الصحة. وعندما تنتهي الحرب على غزة، ستزداد الحرب على الضفة الغربية كثافة ودموية، وإنما بأهداف استراتيجية واضحة هي ضم المنطقة بأكملها.

في 19 تموز (يوليو)، قررت "محكمة العدل الدولية" أن "ضم إسرائيل و.. تأكيد سيطرتها الدائمة" في الضفة الغربية، هي أعمال غير قانونية. ولتجنب حرب وإبادة جماعية أكبر، يجب على المجتمع الدولي استخدام كل الوسائل المتاحة لفرض القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

*رمزي بارود Ramzy Baroud: صحفي ورئيس تحرير صحيفة "بالستاين كرونيكل". وهو مؤلف خمسة كتب، آخرها كتاب "هذي السلاسل سوف تُكسر: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية" These Chains Will Be Broken: Palestinian Stories of Struggle and Defiance in Israeli Prisons (دار نشر كلاريتي، أتلانتا). وهو زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية، جامعة إسطنبول صباح الدين زعيم. 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Prolonging Genocide as a Smokescreen: On Israel’s Other War in the West Bank
تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير