مشاركة القطاع الخاص الخصخصة في الأردن.. ما لها وما عليها
م. جريس دبابنة
وجه جلالة الملك في العديد من اللقاءات والاجتماعات والخطابات والاوراق النقاشية، الى ضرورة مشاركة القطاع الخاص للنهوض بالاقتصاد وخلق بيئة جاذبة للاستثمار وتبنت ذلك نظرياً العديد من الحكومات، ولا تزال تردد هذه الضرورة، ومن دون ان نرى تقدماً ملموساً على ارض الواقع، وبالرغم من وجود عدد من قصص النجاح في الاردن لمشاركة القطاع الخاص الا اننا لسنا بالقرب من تحقيق الاهداف التي اشار اليها جلالة الملك او التي يصبو اليها اقتصاد كالاقتصاد الاردني والتي تحقق ارقاماً ايجابية في مسيرة التنمية.
ان مشاركة القطاع الخاص او التي يصطلح عليها بالخصخصة، تحتاج العديد من التعديلات على التشريعات الخاصة وتسهيل حقيقي للاجراءات ورفع الحوافز للمستثمرين لخلق بيئة جاذبة حقيقية وليست نظرية وكذلك اعتماد تعليمات واضحة وغير ملتوية تضمن حقوق الدولة والمستثمر، وابسط الامثلة عندما يحصل المستثمر على اعفاء من ضريبة المبيعات ويكتشف لاحقاً ان علية دفع ضريبة كون الاعفاء ليس بدرجة الصفر.، والامثلة عديدة.
وحيث يثبت القطاع الخاص دائماً الكفاءة في ادارة الموارد ورفع سوية الخدمة المقدمة لمتلقيها ان كان جماعات او افراداً وكذلك السعي لتحقيق التنافسية الفضلى المبنية على الجودة والسعر، وتوفر المحاسبية والرقابة الذاتية على العمليات والنتائج، لأي بضاعة او خدمة فإن ذلك يوضح الاهداف الرئيسية للمشاركة مع القطاع الخاص، كما ان القطاع الخاص قادر في اغلب الاحيان على التعافي بعد الانتكاسات الاقتصادية بسرعة اعلى من القطاع العام برغم ان القطاع العام هو من يملك التشريعات، الا ان القطاع الخاص هو من يتمتع بسرعة القرارات.
كما اعتاد البعض ان يوجه النقد للحكومات والاتهامات بشبهات الفساد، وذلك عند القيام بأية عمليات خصخصه ومن اي نوع، الا ان الصورة الحقيقية لمبدأ الخصخصة من النواحي الاقتصادية، هي صورة مختلفة كليا، وخاصةً اذا توافرت:
1- الادارة الحصيفة.
2- هيئات تنظيم فاعلة ومستقلة (ذاتية التمويل ويتم اختيار اعضائها ومفوضيها على اساس الاختصاص والخبرة).
3-الحوكمه الرشيدة لغايات المتابعة ومراقبة الاداء، للجهات والمؤسسات التي تم خصخصتها، وبشكل مبني على رصد المتغيرات وبناء مؤشرات الاداء الممثلة والقابلة للقياس، وصولا الى تحقيق الاهداف والارتقاء الحقيقي بالخدمات المقدمة لمتلقي الخدمة.
وعند قراءة ما يكتب حول هذا الموضوع، يظهر الاختلاف في مفهوم الخصخصة، فهناك من يعرف الخصخصة بأنها بيع موجودات الحكومة الانتاجيه الى من يدفع أعلى ثمن من القطاع الخاص المحلي أو الاجنبي، وهناك من يعرف الخصخصة بأنها اي اجراء يؤدي الى تخفيض حجم الحكومة، وذلك عن طريق اخراجها من مجال عملها في قطاع ما. وهناك من يعرف الخصخصة بأنها تحويل عمل بعض الاجهزة الحكومية للعمل على اسس تجارية بهدف معرفة الكلفة الحقيقية لتلك الاعمال، والدعم الذي تقدمه الحكومة لها ان وجد، وهناك من يعرف الخصخصة بأنها بيع اسهم الحكومة للقطاع الخاص وغيرها....
وعلى وقع هذه الخلافات، وجدت لزاما علي كخبير، أن اطرح هذا الموضوع على المهتمين لعلنا نتفق على مفهوم للخصخصة، واهدافها ومتطلبات نجاحها واسلوب تطبيقها، لتعود بالنفع على المواطن اولا, والحكومة والمستثمر ثانياً.
وفي رأيي ان الخصخصة تهدف الى تحقيق ما يلي:-
1-زيادة الكفاءة الانتاجية وتخفيض التكلفة
2-توفير قيمة الاستثمارات الرأسماليه الحكومية، لاستخدامها في ما لا يمكن خصخصته.
3-تحسين الخدمة المقدمه لمتلقي الخدمة.
4-اعطاء الحق لكل فرد من ابناء المجتمع في تملك أسهم في المؤسسات التي يتم تحويلها الى شركات مساهمة عامة، أو الاسهم التي تملكها الحكومة في الشركات ويتم بيعها للقطاع الخاص.
ويمكن ان نقسم الموضوع الى قسمين أساسيين:
الاول: يتعلق ببيع الحكومة لأسهمها في الشركات المساهمة العامة او الخاصة.
الثاني: يتعلق بتحويل بعض مؤسسات الحكومة الى شركات مساهمة عامة، او محدودة المسؤولية تعمل على أسس تجارية تمهيداً لبيع هذه المؤسسات الى القطاع الخاص، جزئياً او كلياً.
وهنا اقترح أن تتم عملية الخصخصة على الأسس التالية:
اولاً: تقوم الحكومة بدراسة تحدد فيها جدوى خصخصة اي مؤسسة من النواحي الاقتصادية والمالية والفنية (الخدمية).
ثانياً: اذا تبين جدوى مثل هذه الخطوة فعلى المؤسسة ان تبدأ بتطبيق اسس المحاسبة التجارية تمهيداً لمعرفة الكلفة الحقيقية للخدمة والعائد الذي تحصل عليه هذه المؤسسة والقيمة الدفترية والاستبدالية لموجودات تلك المؤسسة ويستعان بالخبرة المحلية والاجنبية لتحقيق ذلك.
ثالثاً: بعد تحديد القيمة الحقيقية لموجودات المؤسسة وقدرتها الانتاجية وقدرتها الربحية، يتم تحويل المؤسسة الى شركة مساهمة عامة تملكها خزينة المملكة الاردنية الهاشمية بالكامل ويحدد رأسمال الشركة وحقوق مساهميها... الخ.
رابعاً: يتم تحديد ما اذا كان هناك حاجة لشريك استراتيجي لهذه الشركة لتقديم الخبرة والدراية والعلم والمعرفة. وعندها يطبق ما ورد في البند ثانياً (الذي تمت مناقشة الموضوع به أعلاه).
خامساً: تطرح الاسهم على القطاع الخاص المحلي و الاجنبي على ان تقتصر مساهمة اي مساهم بحد اعلى 1000 سهم مثلاً ولمدة ثلاثة اسابيع بهدف اعطاء فرصة لأكبر عدد ممكن من المستثمرين الاردنيين للمساهمة في هذه الشركة.
سادساً: يرفع الحد الأعلى للاكتتاب بعد مضي الاسابيع الثلاثة الاولى، وبعد أن يعطى كل مكتتب ما التزم به او تخصص الاسهم للمساهمين كل بنسبة مساهمته مع اعطاء الاولوية للمساهم الصغير.
واذا بقيت أية أسهم عندها يسمح بالاكتتاب بأي عدد منها يرغب المستثمر الاكتتاب به.
سابعا: اذا زاد الاكتتاب عن عدد الاسهم المطروحة فتتم عملية التخصيص، واذا كان من الممكن ان تغطي الحكومة الاسهم للمكتتب بها عن طريق تخفيض مساهمتها فلها الخيار على ضوء قرارها الاستراتيجي في النسبة التي تريد الاحتفاظ بها.
:(REGULATOR) وجود هيئة تنظيم
ولا يمكن ان تنجح عملية الخصخصة وان تحقق اهدافها دون ان يكون هناك، ولكل قطاع تتم خصخصته هيئة تنظيم ورقابة مؤلفة من المستهلك للخدمة والمنتج لها والحكومة ومجموعة من الخبراء، وتكون لها صفة ألاستقلال الاداري والمالي الحقيقي ومكفول بموجب قانون خاص يمنع تغول الاطراف على بعضها، ويكون هدف هذه الهيئة:
أ-تحديد اسعار السلعة او الخدمة المقدمة في حالة وجود احتكار لتلك الخدمة او السلعه (المياه والكهرباء مثلاً)
ب-وضع مؤشرات لقياس الاداء والتدقيق عليها دورياً، وذلك لضمان جودة الخدمات المقدمة ومناسبة سعرها.
ج- التدقيق على تخصيص جزء من الارباح على تطوير المنتج و/او توسيع وتطوير نطاق الخدمة استجابةً لطلبات المستهلك.
ويجب كذلك التأكد من ان برامج التطوير والتوسع التي ستقوم بها الشركة ستلبي رغبات المواطن والمستهلك من هذه الخدمة الان وفي المستقبل، الى آخر هذه الصلاحيات. كما ويجب على هذه الهيئة ان تكون محايدة عند تحديد التعرفة او سعر السلعة في حال وجود احتكار، بحيث تحافظ على حقوق جميع الاطراف. وعليها ان تعتمد اسلوب الحوار المفتوح والاستماع لآراء الجهات المعنية والاطلاع على الدراسات الفنية والمالية قبل اتخاذ اي قرار، او ان لزم قبل التنسيب به لمجلس الوزراء للخدمات والبضائع الاحتكارية.
بيع اسهم الحكومة في الشركات
ان الهدف الرئيسي لبيع الحكومة لأسهمها في الشركات هو تمليك اكبر عدد ممكن من المواطنين اسهم الحكومة في هذه الشركات، او ادخال شريك استراتيجي او الهدفين معاً. وعلى الحكومة ان تراعي تاريخ هذه الشركات وكفاءة القائمين عليها وربحيتها حتى لا تؤدي عملية البيع الى سيطرة جهة على حساب جهة اخرى في ادارة هذه الشركات.
واخيراً فان عائد هذه الاسهم يجب ان يوضع في صندوق خاص للاستثمار للأجيال القادمة ولدعم موجودات البنك المركزي لا ان تخصص هذه العائدات لزيادة الانفاق الحكومي الجاري.
صندوق الاستثمار المشترك
تستطيع الحكومة اذا وجدت ذلك مناسباً ان تضع كل اسهمها او جزءاً منها في صندوق للاستثمار المشترك تتم ادارته من قبل شركات مالية محلية او عمالية (البنك المركزي، الضمان الاجتماعي او النقابات) او بنوك تجارية عالمية، ذات خبرة ودراية في هذا الموضوع.
وبعد ذلك تقوم الحكومة ببيع اسهم في هذا الصندوق المشترك لاي شركة، وبالطريقة هذه فإن الحكومة ستتمكن من ادارة بعض الشركات التي تساهم بها اذا اقتضت المصلحة العليا لذلك. اما اذا رغبت ان تكون شريكاً صامتاً فلها هذا الحق من خلال ملكيتها للأسهم واعطائها الادارة للقطاع الخاص. وتحقق هذه الفكرة للمواطن المساهمة من خلال الصندوق في اكثر من شركة و اكثر من قطاع.
ان آلية انشاء مثل هذا الصندوق اصبحت ممكنة بفضل قانون الشركات الجديد وقانون الاوراق المالية النافذ حالياً، وتعمل الاجهزة الرسمية على وضع الانظمة والتعليمات لقيام مثل الصناديق ان لزم. ان اجراء دراسة جدوى مثل هذا التوجه في الخصخصة الذي قد يكون الاول من نوعه، امر ضروري كما انه سيحقق اهداف المؤيد والمعارض للخصخصة ويضع بين يدي مؤسسات الحكومة الاستثمارية اموالا توضع في صندوق الاجيال او تدعم بها موجودات البنك المركزي.
ان غياب الآلية الواضحة للخصخصة يؤدي الى التخبط والعشوائية في بيع اسهم الحكومة ويفتح المجال للاجتهادات والتفسيرات والتأويلات والاتهامات، وعدم استيعاب المواطن لما يجري حوله من اجراءات من المفروض ان تحقق له الخدمة الافضل وبتكلفة اقل وانتاجية اعلى. فقد آن الاوان لوضع آلية للخصخصة واضحة ودائمة ولا تتغير مع متطلبات اي مستثمر او رغبات اي مسؤول بل تعتمد الشفافية والموضوعية في التنفيذ
خبير مياه وهيئات تنظيم