قبل السقوط بيومين.. رواية جديدة عن أسد "التهمه عِنادُه"
الوقائع الإخبارية : مثل لعبة بازل معقدة يبدو سقوط آخر معاقل حزب البعث وخليفته الهارب بشار الأسد، تحاول عشرات المنصّات الإعلامية منذ 8 ديسمبر رصد ومتابعة والتفتيش عن تفسيرات.
في اللعبة التي ترسم ملامح السقوط المدوّي، منظومة من حلفاء وأعداء ومنشقين أيضاً عن جيش الأسد. وإيران من أبرز اللاعبين، تحاول بالكاد منذ أسبوعين عبر تصريحات رسمية، وأخرى "أوف ريكورد"، لملمة الزجاج المكسور لمحور الممانعة.
لكن، ورغم الخرائط المتعددة التي رُسمت النهاية، وبعضها عاد إلى 4 سنوات، أو إلى عام واحد، فيما رجّح البعض الآخر أن ضربة إسرائيل لحزب الله كانت القاضية للنظام، هناك مفتاح يجمع الخرائط: عِناد الأسد، وتشبثه بموقف واهٍ بالنسبة لحلفائه؛ فتخلّوا عنه.
الأسد نفسه وقبل أسبوع، خرج ببيان يحاول تبرير "الهرب"، قال فيه إنه كان مجرد شخص داخل منطقة روسية (قاعدة حميميم باللاذقية)، تم إخلاؤها بأمر موسكو، في اليوم "التالي" لسيطرة فصائل المعارضة على دمشق.
لقاءات: روسيا وإيران
يتحدث مصدر حكومي إيراني، الثلاثاء، عن لقاءات سرية بين مسؤولين روس وإيرانيين قبل شهرين من سقوط النظام تخللها اجتماع أستانة، حتى التواجد الإيراني في دمشق قبل يومين من سقوط الأسد.
وتحت عنوان "سرّ دمشق في طهران"، تسرد صحيفة "إيران" التفاصيل بدءاً من 2 أكتوبر، حيث بدا كل شيء "طبيعياً". فالأخبار مركزة حول لبنان وغزة، ومفاوضات وقف إطلاق النار.
لكن اجتماعاً عُقد بوزارة الخارجية الإيرانية بين دبلوماسي إيراني والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أظهر العكس: الوضع غير طبيعي في سوريا.
كان لدى الجانب الإيراني تفسير مفصّل لوصف هذا الوضع غير العادي والتوصية بعقد اجتماع أستانة فورا. وبالتزامن، كانت إسرائيل تقصف سوريا بلا هوادة، وإدلب تحدد خطة الهجوم المباغت.
لافرنتييف أقرّ كذلك بحساسية الوضع التي تجعل أستانة ضرورة. ولم يتضح إلى أي مدى كان يمكن لهذا الاجتماع أن يمنع تدهور الأمور في سوريا.
أستانة.. لا مخرَج
في 11 نوفمبر، انطلقت في العاصمة الكازاخستانية "اجتماعات أستانة 22" حول سوريا بمشاركة الدول الضامنة: تركيا، وروسيا، وإيران، ووفدين سوريين، أحدهما يمثل الأسد والآخر معارضيه، بوجود الصليب الأحمر الدولي، ومفوضية اللاجئين الأممية، ومراقبين من ومراقبون من الأردن ولبنان والعراق.
حاول المجتمعون في حينه، إيجاد حل للأزمة السورية وبناء الثقة بين الأطراف والاتفاق على خطة لإعادة إعمار سوريا، وكذلك شروط عودة السوريين إلى وطنهم.
واختُتمت الاجتماعات يوم 13 نوفمبر، بالإقرار بعدم وجود أي حل عسكري في سوريا، والتأكيد على التزام الأطراف جميعاً بالدفع قُدماً بعملية سياسية مستدامة لحل النزاع، بقيادة سورية وإشراف أممي منوط بالقرار "2254".
روسيا وإيران، اللتان اتفقتا مع بقية مجتمعي أستانة على جولة أخرى تستضيفها روسيا العام المقبل 2025، وصلتها معلومات في اليوم نفسه، عن عاصفة محتملة تُطيح بحليفهما في دمشق. قوامها 30 ألف عسكري جاهز في إدلب، ومحاولة لحشد 20 ألفاً آخرين.
تركيا حينذاك لم توافق على الهجوم الذي اقترحه وكلاؤها في شمال غرب سوريا، بزعم أنها قد لا تتمكن من السيطرة على الفصائل المتشددة، وفق صحيفة "إيران".
كانت حماة واللاذقية في أيدي الحكومة السورية، بعضٌ منها يقع في منطقة "خفض التصعيد"، حيث وعدت تركيا بعدم تسليح الثوار. لكنهم كانوا مسلحين ويتحرّقون للهجوم على مواقع جيش الأسد، مما أدى لخلاف بين أنقرة ودمشق، بحسب صحيفة "إيران".
"يصعب التفاهم والتفاوض معه"، هكذا وصف الأتراك الأسد الذي أصرّ على انسحاب القوات التركية من سوريا قبل أي حديث بين أنقرة ودمشق.
وبعد أيام من السقوط، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إن مخابراته حذرت حكومة الأسد من وجود تهديدات لاستقرارها خلال الأشهر الثلاثة السابقة لسقوطه.
وأضاف أن حكومة مجاورة لسوريا شاركت في الأمر، و"كان لها دور واضح ومتواصل للقيام بذلك"، في إشارة إلى تركيا.
وقال مصدر من عائلة الأسد، ومسؤول دبلوماسي روسي لوكالة رويترز، إن موسكو وطهران ودمشق، توقعت أن يأمر الرئيس رجب طيب إردوغان بوقف هجوم فصائل المعارضة بعد استيلائها على حلب خلال العملية العسكرية المشتركة "فجر الحرية" و"ردع العدوان" بين هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا.
إردوغان فاجأهم، وطلب التقدّم حتى النهاية.
وتقول تركيا حتى اليوم، إن كل ما حدث قرار سوري خالص، لا دخل لها فيه. بينما قال مسؤول عسكري في فصائل المعارضة التي أطاحت الأسد، لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن التخطيط بدأ منذ أربع سنوات، بعلم تركيا، وانتظار صفّارة البداية منها.
فات الميعاد
بحسب رويترز، عندما طلب الأسد أخيراً من طهران تكثيف الدعم العسكري، كان الوقت قد فات.
وأصدرت طهران أمرا ببدء إجلاء قواتها ودبلوماسييها من سوريا في السادس من ديسمبر، خوفاً من أن تنهار دمشق بسرعة مما يؤدي لبقائهم عالقين هناك، وفقا لما ذكره أحد الدبلوماسيين للوكالة.
صحيفة "إيران" تخبر عن ذلك اليوم أيضاً: "في ليلة الجمعة، وصل عباس عراقجي (وزير الخارجية) وعلي لاريجاني (مستشار خامنئي) إلى دمشق لطمأنة بشار الأسد بأنه ليس وحده في هذه المحنة".
حينها كان مسلحو المعارضة على بعد 200 كيلو متر من دمشق، وحتى لو قاتل جيش النظام فإن "الأوان قد فات". الجيش تخلّى عن سلاحه.
تقول الصحيفة نقلاً عن مسؤولين إيرانيين "لم يكن من الممكن القتال بدلاً من جندي ليس لديه نية للقتال من أجل بلده".
طلبت موسكو من الأسد مغادرة البلاد لكنه لم يقبل النصيحة. لتلجأ، وفق صحيفة "إيران"، هي وطهران للدبلوماسية، إذ حاول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وعراقجي إقناع نظيرهما التركي هاكان فيدان بالتواجد في الدوحة، لتكون "أستانا" أخرى عاجلة.
أوردت الصحيفة: "نصيحة أنقرة السرية لإيران وروسيا بعدم دخول الساحة، جعلت جعل الأسد يُدرك أن الوقت قد حان لإنهاء اللعبة".
الاجتماع الذي حصل بدأ 7 ديسمبر وانتهى مساء يوم 8 ديسمبر، سبقته لحظة حاسمة: سقوط النظام.
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، قال للصحفيين في الدوحة 8 ديسمبر، إن نظام الأسد كان لديه "وقت ثمين" لمعالجة المشاكل القائمة في سوريا، لكنه لم يفعل، وسمح بدلاً من ذلك "بالتفكك البطيء وانهيار النظام".
خطاب "الوداع"
بحسب صحيفة "إيران"، اتخذت موسكو إجراءات وأعلنت أن الوقت قد حان للرحيل، وأمرت مركز قيادة قاعدتها في اللاذقية بترتيب مغادرة الأسد فورا.
لم تر موسكو غير ذلك خياراً، ولكن الأسد اتصل بمستشارته الإعلامية بثينة شعبان، كي تكتب له خطاب "الوداع"، تقول الصحيفة الإيرانية إن الوقت داهمه، ففرّ مع الروس.
وعبر وسائل إعلامية، قال أحد مساعدي بشار الأسد المقربين، إنه اتصل ببثينة للذهاب إلى منزله لتتفاجأ عند وصولها بأنه ليس هناك. لقد كان في الطريق لموسكو.
المساعد وصف الأمر بأنها طبيعة الأسد التي تعتمد على الخداع والسرية.
وأكدت ما كان نُشر على صحيفة "فايننشال تايمز" الجمعة الماضي (20 ديسمبر)، أن أسماء الأسد وأبناءها كانت متواجدة في موسكو قبل وصول زوجها.
وفي تقرير الصحيفة البريطانية، ورد على لسان مقربين من الأسد، أن أسماء كانت هناك بغرض العلاج من السرطان الذي تعافت منه قبل سنوات، إلى جانب والدها ووالدتها وابنها كريم وابنتها زين التي كانت تدرس في جامعة إماراتية، بينما كان البكر حافظ مع أبيه في القاعدة الروسية.