تجاوز السياسات التقليدية

سلامة الدرعاوي
النهج الاقتصادي السليم الذي تسير عليه الحكومة ليس مجرد سلسلة من القرارات المتفرقة، بل هو رؤية تعكس وعياً عميقاً بالتحديات والفرص التي يواجهها الاقتصاد الوطني.
رئيس الوزراء لا يكتفي باتباع سياسات تقليدية، بل يفتح ملفات اقتصادية جوهرية تسهم في تحفيز النمو، وجذب الاستثمارات، وتعزيز تدفق السيولة بشكل أكثر كفاءة، فالقرارات الأخيرة المتعلقة بتخفيض قيمة الودائع البنكية للأجانب، وصرف الرديات الضريبية المتأخرة، والموافقة على مشروع قانون التعامل بالأصول الافتراضية، ليست سوى أمثلة على هذا النهج الذي يهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين تحفيز الاقتصاد وضمان استدامة الاستقرار المالي.
فيما يخص تخفيض قيمة الودائع البنكية للأجانب الراغبين في تجديد إقاماتهم، يعكس القرار فهماً عميقاً لديناميكيات الاستثمار والإقامة طويلة الأمد، فالحكومة تدرك أن اشتراط مبالغ مرتفعة كوديعة قد يشكل عائقاً أمام تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات، ولهذا جاء القرار بتخفيض قيمة الوديعة من 20 ألف دينار إلى 10 آلاف دينار، بل وإلغائها تماماً لمن يمتلك عقاراً في المملكة ويستوفي شروط الإقامة. هذه الخطوة لا تقتصر على التخفيف من الأعباء المالية على المستثمرين الأجانب، بل تخلق بيئة أكثر جاذبية للاستثمار العقاري، وهو قطاع حيوي يؤثر بشكل مباشر على قطاعات أخرى كالبناء، والخدمات، والتمويل، وهذه السياسة لا تعني مجرد تعديل مالي طفيف، بل تعكس إستراتيجية واضحة تهدف إلى تنشيط الاقتصاد عبر تحفيز الإقامة طويلة الأمد وضمان استقرار الاستثمارات الأجنبية في المملكة. أما فيما يتعلق بصرف الرديات الضريبية المتأخرة، فإن الحكومة تتخذ خطوة أساسية نحو تنشيط الأسواق وتعزيز الثقة بين الدولة والقطاع الخاص، وصرف كامل الرديات المتراكمة عن السنوات 2020-2022، إضافة إلى 50 % من رديات عام 2023، ليس مجرد التزام مالي، بل هو ضخ مباشر للسيولة في السوق، مما يساهم في تحفيز الاستهلاك والاستثمار، وتحويل 26 مليون دينار إلى دائرة ضريبة الدخل والمبيعات للبدء في تسديد الرديات يؤكد أن الحكومة تدرك تماماً أهمية تسريع الدورة المالية داخل الاقتصاد، وهو ما ينعكس إيجابياً على الأعمال التجارية والشركات التي كانت تنتظر هذه الأموال لضخها مجدداً في عجلة الإنتاج.
وفي خطوة أكثر جرأة، جاءت الموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع قانون التعامل بالأصول الافتراضية لعام 2025، وهو قرار ليس مجرد تشريع جديد، بل هو قفزة نوعية نحو بناء نظام مالي حديث يواكب التحولات العالمية، فالأصول الافتراضية أصبحت جزءاً أساسياً من النظام المالي العالمي، والحكومة تدرك أن تأطير هذا القطاع ضمن إطار قانوني واضح ليس مجرد ضرورة تنظيمية، بل هو خطوة إستراتيجية تعزز ثقة المستثمرين وتجذب المزيد من رؤوس الأموال إلى المملكة.
المشروع يحقق توازناً بين دعم الابتكار التكنولوجي وحماية الاستقرار المالي، كما يضع ضوابط تحدّ من المخاطر المرتبطة بالتعامل غير المنظم بالأصول الافتراضية، مما يعزز من قدرة الدولة على مكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود.
وبالمجمل، هذه الإجراءات ليست قرارات عشوائية أو استجابة آنية للظروف، بل هي انعكاس لرؤية اقتصادية متكاملة تعزز من سير المملكة على المسار الصحيح نحو تعزيز بيئة استثمارية مستقرة ومستدامة.
ما يحدث اليوم كان يجب أن يحدث منذ سنوات، فلا مجال للحلول السطحية، ولا مكان للتردد أو التراخي، فإما اقتصاد قادر على المنافسة، وإما تراجع لا يرحم، وعلى الحكومة الاستمرار والمضي قدماً في إصلاحات حقيقية، وهو ما يحتاجه الوطن والمواطن.