المرونة في مواجهة التحديات

المرونة في مواجهة التحديات
سلامة الدرعاوي
هل يمكن أن يكون الاقتصاد الأردني نموذجًا للصمود والمرونة في مواجهة التحديات؟ وكيف استطاعت القطاعات المختلفة تحقيق نمو ملموس رغم الضغوط الخارجية؟ إن الأرقام تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الاقتصاد الوطني قادر ليس فقط على الصمود، بل على التكيف وتحقيق تقدم حقيقي.

لقد عزز القطاع الخارجي، بأدائه الذي فاق التوقعات خلال عام 2024، المرونة والصلابة في مواجهة التحديات الخارجية، إذ استطاعت الصادرات الوطنية تعزيز مكانتها العالمية من خلال تنويع المنتجات المصدرة، والولوج إلى أسواق جديدة، أسهم ذلك في نموها بنسبة 3.8 % في عام 2024 (لتصل إلى ما قيمته 8.6 مليار دينار)، وذلك على الرغم من انخفاض أسعارها في المجمل، مع تقديراتنا بنموها خلال عام 2025 بنسبة 2.7 % ويأتي هذا الأداء اللافت مدفوعًا بنجاح القطاع الخاص في تجاوز تداعيات مضيق باب المندب، وما رافقها من ارتفاع كلف الشحن والتأمين، مع تحقيقه تقدمًا في توسيع وتنويع شراكاته التجارية وخيارات الشحن، مما عزز من مرونة الاقتصاد الوطني، وساهم في تقليل المخاطر على سلاسل التوريد والتجارة الخارجية في المملكة. كما امتد هذا الأداء المميز إلى القطاع السياحي، الذي حقق أداءً أفضل من المتوقع، مدعومًا بارتفاع مساهمة السياحة من الأردنيين المغتربين والعرب، ليحقق ما قيمته 5.1 مليار دينار (حوالي 7.2 مليار دولار) في عام 2024.

وتشير توقعات البنك المركزي إلى ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 5.0 % خلال عام 2025، ليصل إلى 5.4 مليار دينار (حوالي 7.6 مليار دولار)، فهل يمكن لهذا الزخم أن يستمر، ليحقق القطاع السياحي أداءً أقوى في السنوات القادمة؟ وعلى الرغم من تركيز العديد من الدول المجاورة على عمالتها المحلية، إلا أن العمالة الأردنية أثبتت جدارتها وكفاءتها كقوة عاملة ماهرة ومتميزة، مما عزز حوالات العاملين، مُسجلة ارتفاعًا نسبت

2.8 % (لتصل إلى 2.6 مليار دينار) خلال عام 2024، مع توقعاتنا بارتفاعها بنسبة 2.2 % خلال عام 2025.

لكن ماذا عن الاستثمار؟ لا شك أن الاستثمار يُعد اليوم مرتكزًا مهمًا في رؤية التحديث الاقتصادي، لا سيما الاستثمار الأجنبي، الذي يُشكل أحد الركائز الأساسية لدعم ميزان المدفوعات، وضمن هذا السياق، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2024 حوالي 905.5 مليون دينار.

وبالمجمل، نجح الاقتصاد الأردني في أن يكون اقتصادًا وثيقًا مع العالم الخارجي، وذلك في ضوء ارتفاع حجم التدفقات المالية الواردة إلى المملكة (تشمل مقبوضات المملكة من العالم الخارجي من صادرات سلعية وخدمية وحوالات عاملين ومنح خارجية وتدفقات استثمارية) خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2024، بمقدار 1.5 مليار دينار، لتبلغ 18.5 مليار دينار، وهذه الأرقام تعكس الثقة المتزايدة في الاقتصاد الوطني، وتنافسيته في استقطاب هذه التدفقات على الرغم من التنافسية العالية مع الدول المجاورة. بالإضافة إلى ما تحقق على صعيد الاستثمارات، يمتلك الأردن علاقات قوية مع العالم الخارجي، وخاصة مع دول الاتحاد الأوروبي، والذي تكلل بتوقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة، والتي تتضمن تقديما لحزمة من المساعدات المالية للمملكة بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025-2027.

إن هذه الأرقام والإنجازات تؤكد أن الاقتصاد الأردني ليس مجرد متلق للصدمات، بل هو لاعب نشط في التكيف مع التحديات العالمية والإقليمية، فهل يمكن أن يكون هذا النهج نموذجًا لدول أخرى في المنطقة؟ المستقبل وحده كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن المرونة والصلابة معًا هما المفتاح لعبور التحديات والاستمرار في مسار النمو والتطور.


تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير