المجر تعلن انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية – بين السيادة الوطنية والتسييس الدولي

المجر تعلن انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية – بين السيادة الوطنية والتسييس الدولي
الوقائع الاخبارية:د. زياد صالح الزبيدي

أعلن وزير الخارجية المجري، بيتر سييارتو، أن البرلمان المجري صوّت لصالح قرار الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، واصفًا المحكمة بأنها "مؤسسة مسيّسة فقدت حيادها ومصداقيتها". ويأتي هذا القرار في ظل تصاعد التوترات بين عدد من الدول الأعضاء في المحكمة والمكتب التنفيذي لها، خاصة بعد صدور مذكرات توقيف أثارت جدلاً واسعًا.

المجر كانت قد وقّعت على نظام روما الأساسي – وهو المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية – في عام 1999، ثم صدّقت عليه في عام 2001، مما جعلها ملزمة قانونيًا بقرارات المحكمة. غير أن الحكومة المجرية، بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، قررت في الآونة الأخيرة التخلي عن هذا الالتزام الدولي، بحجة أن المحكمة قد انحرفت عن مبدأ الحياد وتحولت إلى أداة ضغط سياسي.

وفي تصريحاته التي تزامنت مع إعلان الانسحاب، قال أوربان: "لقد أدركنا أن هذه المحكمة لم تعد محكمة تعتمد على سيادة القانون، بل تحوّلت إلى محكمة سياسية. وقد تجلى ذلك بشكل خاص في قرار المحكمة إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو." وأكد أن هذه الخطوة تمثل انتهاكًا واضحًا للسيادة الوطنية وتدخلاً سياسيًا في شؤون الدول.

زيارة نتنياهو الأخيرة إلى بودابست، التي جاءت مباشرة بعد صدور مذكرة المحكمة، اعتُبرت في الأوساط السياسية رسالة دعم واضحة من حكومة أوربان لإسرائيل في مواجهة ما تعتبره الأخيرة "انحيازًا سياسيًا" ضدها من قبل المحكمة الدولية. وقد أثارت هذه الزيارة حفيظة منظمات حقوقية دولية، اعتبرت الموقف المجري تواطؤًا مع جرائم ضد الإنسانية.

الخلفية القانونية والسياسية

تأسست المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 بهدف محاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وقد واجهت منذ إنشائها انتقادات متعددة من دول كبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وإسرائيل، التي لم تصدّق على نظام روما، أو انسحبت منه لاحقًا كما فعلت جنوب أفريقيا والفلبين، بحجة أن المحكمة تستهدف دولًا بعينها وتتجاهل أخرى ذات نفوذ.

ووفقًا لخبراء القانون الدولي، فإن انسحاب المجر لن يكون فوريًا، إذ ينص نظام روما على أن الانسحاب يدخل حيز التنفيذ بعد مرور عام على تاريخ الإشعار الرسمي، ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك في حالات خاصة.
الدلالات الإقليمية والدولية
يحمل انسحاب المجر رمزية قوية في ظل تصاعد النزعات السيادية في أوروبا الشرقية، حيث تسعى حكومات قومية وشعبوية كحكومة أوربان إلى تقليص تأثير المؤسسات الدولية على القرار الوطني. كما أن هذه الخطوة تضع الاتحاد الأوروبي في موقف حرج، نظرًا لأن الالتزام بالمحكمة الجنائية الدولية يُعد جزءًا من منظومة القيم القانونية والحقوقية التي يتبناها الإتحاد.

وقد يؤدي هذا القرار إلى فتح الباب أمام دول أوروبية أخرى للتفكير في خطوات مشابهة، خاصة في حال إستمرار المحكمة في اتخاذ قرارات تُعتبر في نظر بعض الحكومات "مسيسة".

خاتمة
يمثل إنسحاب المجر من المحكمة الجنائية الدولية مؤشرًا على تراجع الثقة الدولية في حياد المؤسسات القضائية العالمية، كما يكشف عن تصدع متزايد في النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب الباردة. وبينما ترى بودابست أن هذه الخطوة تمثل حماية للسيادة الوطنية، يرى مراقبون أن الخطوة قد تشجع على الإفلات من العقاب، وتُضعف من قدرة المجتمع الدولي على محاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة.

تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير