إصلاح السياسة النقدية الأردنية عبر تمويل المشاريع الإنتاجية - وداعا لصندوق النقد الدولي
المحامي حسام العجوري
لقد حان الوقت لنرفع الصوت عاليًا : ونقول وداعًا لصندوق النقد الدولي . لن نبقى رهائن للديون ، ولا أسرى لوصفات اقتصادية تعيق الإنتاج و تقتل الأمل .
لدينا الأرض والعقول والإرادة ، وكل ما نحتاجه هو قرار شجاع يعيد المال لخدمة الوطن لا البنوك .
نعم… آن للأردن أن يكتب فصله الاقتصادي الجديد بيد أبنائه ، لا بتوقيع المؤسسات الأجنبية .
إن استمرار النهج المالي القائم على الاستدانة و رفع المديونية دون إنتاج حقيقي أصبح وصفة مؤكدة لبطء النمو وربما لانهيار اقتصادي محتمل. لذلك ، فإن إعادة النظر في السياسة النقدية الأردنية ضرورة وطنية ، وليست خيارًا مؤجلًا .
إن من أهم الأفكار التي تعزز الاقتصاد الأردني هي ربط الدينار في سلعة أو مجموعة من السلع الإنتاجية الوطنية – كالقمح، الزيت، الفوسفات، والطاقة الشمسية و تشكل نقلة فكرية نحو تحويل العملة إلى رمز يعكس قيمة الإنتاج الحقيقي لا مجرد احتياطي الدولار ، القمح مثلا يمثل الأمن الغذائي ، والفوسفات يمثل الثروة الطبيعية ، والطاقة تمثل المستقبل . حين تكون العملة مرتبطة بهذه القيم الإنتاجية ، تصبح قوة الدينار انعكاسًا لقوة الأرض والعمل لا لقوة الدولار .
من هنا ، يمكن للدولة أن تطبع خمسة عشر مليار دينار أردني ، ولكن ليس لإغراق السوق بالسيولة الاستهلاكية ، بل لتمويل مشاريع زراعية ، حيوانية ، دوائية وصناعية إنتاجية ، ضمن نظام رقابي صارم يضمن أن كل دينار مطبوع يقابله مشروع حقيقي على الأرض ، يخلق عملاً ويزيد الإنتاج والصادرات . هذا ليس تضخمًا نقديًا ، بل استثمار إنتاجي يعيد الدورة الاقتصادية للحياة .
اليوم ، البنوك التجارية الربوية تفتح أبوابها لتمويل شراء السيارات أو بناء المجمعات السكنية ، لكنها تغلقها أمام المزارع الذي يريد حفر بئر ، أو المستثمر الذي يريد إنشاء مصنع غذائي . أما صندوق الإقراض الزراعي ، فهو غير قادر على تلبية احتياجات المزارعين للمشاريع الاستثمارية الضخمة ، إذ لا تتجاوز القروض غالبًا عشرة آلاف دينار ، وهو مبلغ لا يكفي حتى لحفر بئر واحد أو شراء نظام ري حديث .
النتيجة أن رأس المال الوطني اتجه نحو البناء لا الإنتاج ، ونحو الإسمنت لا الزراعة ، ونحو الاستيراد لا التصدير .
التجارب العالمية أمامنا واضحة:
الولايات المتحدة خلال أزمة كورونا طبعت أكثر من ثلاثة تريليونات دولار ضمن ما يعرف بـ"التيسير الكمي" (Quantitative Easing)، لتحفيز الإنتاج وحماية سوق العمل.
الاتحاد الأوروبي واليابان ساروا على النهج نفسه، ونجحا في منع الانكماش الاقتصادي.
فلماذا لا يحق للأردن، ضمن رقابة محكمة، أن يطبع خمسة عشر مليار دينار ويوجهها لمشاريع إنتاجية وطنية تعيد التوازن بين العملة والإنتاج؟
لقد آن الأوان لإنشاء بنوك حكومية متخصصة، مثل:
بنك الزراعة الحكومي لتوفير التمويل اللازم للمزارعين والمشاريع الزراعية الكبرى.
بنك الصناعة الحكومي لتمويل المصانع والمشاريع الصناعية الاستراتيجية.
بنك الدواء الحكومي لتمويل الصناعات الدوائية والأبحاث الطبية.
هذه البنوك ستستفيد من الفوائد والأرباح لصالح ميزانية الدولة بدل أن تذهب إلى البنوك الربوية والأجنبية، وهو ما يعزز الاقتصاد الوطني ويعيد الدورة النقدية إلى الإنتاج المحلي.
لقد آن الأوان لعقد اجتماع وطني واسع يضم خبراء السياسة النقدية وخبراء الاقتصاد والإنتاج، لوضع تصور جديد يعيد هيكلة الاقتصاد الأردني على أسس إنتاجية لا استهلاكية، والبدء فورًا في مشاريع استراتيجية زراعية وصناعية، إلى جانب مشروع تحلية مياه البحر الأحمر الجاري تنفيذه، واستغلال آبار خان الزبيب، وجلب محطات تنقية المياه، ودمج الطاقة المتجددة.
فالمطلوب هو مشاريع تنفذ وتنتج.
انظروا إلى مصر اليوم، التي تسعى لتصبح سلة غذاء الشرق الأوسط عبر التوسع الزراعي والصناعات الغذائية. بينما نحن نُنفذ مشروع تحلية مياه البحر الأحمر لتعزيز الأمن المائي والاقتصادي للأردن، مع الاستفادة من آبار خان الزبيب وجلب محطات تنقية المياه لضمان توفير مياه نظيفة مستدامة للزراعة والصناعة.
لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في خفض الدين العام الذي تجاوز 46 مليار دينار، وكل حكومة تأتي ترفع الدين أكثر دون نتائج ملموسة. استمرار هذا النهج يعني أننا نسير بخطى ثابتة نحو أزمة مالية حقيقية، تهدد قيمة الدينار وتضعف قدرة الدولة على الإنفاق والخدمات.
إن النظريات الاقتصادية الحديثة، من كينز إلى المدرسة النقدية الجديدة، تؤكد أن الاستثمار في الإنتاج هو الطريق الأضمن لتعافي الاقتصاد، لا التقشف ولا رفع الضرائب. كما أن تجارب دول مثل الصين والهند وتركيا أظهرت أن النمو الحقيقي يبدأ عندما تصبح السياسة النقدية في خدمة الزراعة والصناعة، لا في خدمة البنوك الربوية أو المقاولات العقارية.
نحن بحاجة إلى سياسة نقدية وطنية مستقلة وشجاعة، تربط قيمة الدينار بقدرة الأردن على الإنتاج لا بالدولار، وتضخ سيولة إنتاجية محكمة بمقدار خمسة عشر مليار دينار، تموَّل مشاريع تخلق عملاً، وتنتج غذاءً، وتصنع دواءً، وتبني اقتصادًا قائمًا على حدالقيمة الحقيقية لا القروض.
كما نحن بحاجة إلى مشاريع استراتيجية زراعية وصناعية، وتحلية مياه البحر الأحمر، واستغلال آبار خان الزبيب، وجلب محطات تنقية المياه، والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى إنشاء بنك الزراعة الحكومي، بنك الصناعة الحكومي، وبنك الدواء الحكومي، لتصبح الفوائد والأرباح لصالح الحكومة والاقتصاد الوطني بدل البنوك الربوية والأجنبية .

















