العلاقات الاقتصادية بين الأردن والهند تدخل مرحلة جديدة وفرص واعدة للتجارة والاستثمار

العلاقات الاقتصادية بين الأردن والهند تدخل مرحلة جديدة وفرص واعدة للتجارة والاستثمار
الوقائع الإخباري : تشهد العلاقات الاقتصادية بين الأردن والهند تحولًا لافتًا يدخلها في مرحلة جديدة، مدفوعة بدفع سياسي متصاعد تجسّد في زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى عمّان، وما رافقها من انعقاد المنتدى الأردني–الهندي للأعمال، في خطوة تعكس رغبة متبادلة في الارتقاء بمستوى التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين.

ولا يمكن فصل هذه التطورات عن السياق الأوسع للتحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ولا عن حاجة الأردن المتزايدة إلى تنويع شراكاته التجارية والاستثمارية، والانفتاح على أسواق تتمتع بمعدلات نمو مرتفعة وقوة شرائية كبيرة، بما يعزز قدرته على الصمود الاقتصادي ويخفف من الاعتماد على أسواق تقليدية محدودة.

وترتبط عمّان ونيودلهي بعلاقات دبلوماسية تمتد لأكثر من 75 عامًا، فيما تُعد الهند واحدة من أكبر اقتصادات العالم، كما تصنف ثالث أكبر شريك تجاري للأردن، ما يمنح هذه العلاقة أساسًا تاريخيًا واقتصاديًا متينًا للبناء عليه في المرحلة المقبلة.

الهند شريك اقتصادي بثقل عالمي

وتحتل الهند اليوم المرتبة الخامسة عالميًا من حيث حجم الاقتصاد، بناتج محلي إجمالي يتجاوز 4 تريليونات دولار، وسوق استهلاكية ضخمة يبلغ عدد سكانها نحو 1.4 مليار نسمة، مدفوعة بنمو متسارع في قطاع الخدمات، والتوسع في التحول الرقمي، إضافة إلى قاعدة سكانية شابة. هذا الوزن الاقتصادي يجعل من الهند شريكًا استراتيجيًا محوريًا للأردن، ليس فقط كسوق لتصدير المنتجات، وإنما أيضًا كمصدر مهم للاستثمار ونقل المعرفة والتكنولوجيا.

قراءة في أرقام التبادل التجاري

وتُظهر البيانات الرسمية أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يُعد كبيرًا نسبيًا، إلا أن مساره شهد تذبذبًا خلال عام 2024، قبل أن يعود إلى التحسن مجددًا في عام 2025. فقد سجلت الصادرات الأردنية إلى الهند خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي ارتفاعًا لافتًا بنسبة 18%، مقابل تراجع المستوردات بنسبة 28%، وهو ما انعكس إيجابًا على الميزان التجاري لصالح الأردن.

ولا يُعزى هذا التحسن إلى عوامل ظرفية فحسب، بل يعكس وجود طاقات تصديرية غير مستغلة لدى الاقتصاد الأردني، لا سيما في قطاعات التعدين، والأسمدة، والصناعات الكيماوية، التي تمتلك ميزة نسبية واضحة في السوق الهندية.

وعند التعمق في بنية الميزان التجاري بين البلدين، يتبين أن أبرز الصادرات الأردنية إلى الهند تشمل الملح، والكبريت، والأرضيات والحجارة، ومواد الجص والجير والإسمنت، والمواد الكيميائية غير العضوية، والأسمدة، والألومنيوم، حيث بلغ إجمالي الصادرات نحو 1.399 مليار دولار أميركي.

في المقابل، تتركز المستوردات الأردنية من الهند في الوقود المعدني والزيوت المعدنية، والحبوب، والمواد الكيميائية العضوية، واللحوم، والقهوة، والشاي، والمتة، والتوابل، والزيوت العطرية، إضافة إلى الحديد والفولاذ والمطاط، وبلغ حجم هذه الواردات نحو 0.931 مليار دولار أميركي. كما وصل إجمالي الاستثمارات الهندية في الأردن إلى نحو 1.63 مليار دولار أميركي حتى عام 2024، مع امتلاك المستثمرين الهنود أكثر من 15 شركة عاملة في قطاع صناعة الألبسة.

فرص تصديرية لم تُستثمر بعد

وتكشف دراسات متخصصة أن الأردن يمتلك قرابة ألفي منتج وطني قادر على دخول السوق الهندية، بقيمة فرص تصديرية غير مستثمرة تُقدّر بنحو 1.4 مليار دولار، وتتركز هذه الفرص في قطاعات الصناعات التعدينية، والأسمدة، والصناعات الكيماوية، ومستحضرات التجميل، والصناعات الغذائية والتموينية، إضافة إلى الصناعات البلاستيكية والمطاطية.

ويعكس ذلك أن العلاقة التجارية الحالية لا تزال تعتمد على نطاق محدود من السلع، الأمر الذي يقلل من أثرها الاقتصادي الكلي، ويبرز الحاجة إلى تنويع قاعدة الصادرات الأردنية، ورفع القيمة المضافة للمنتج الوطني.

المنتدى الاقتصادي كرافعة للاستثمار

ولا تقتصر أهمية المنتدى الأردني–الهندي للأعمال على كونه منصة ترويجية، بل يُنظر إليه كأداة عملية لربط القطاع الخاص في البلدين، وترجمة التفاهمات الحكومية إلى مشاريع استثمارية مشتركة. ويعكس وجود استثمارات هندية قائمة في الأردن بقيمة تقارب 1.46 مليار دينار، موزعة على عشرات الشركات، مستوى الثقة التي يحظى بها مناخ الاستثمار الأردني لدى المستثمر الهندي.

وتبرز الفرصة الحقيقية في الانتقال من نمط الاستثمارات التقليدية إلى شراكات إنتاجية وتقنية، خاصة في مجالات الصناعات الدوائية، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، بما يسهم في خلق فرص عمل نوعية وتعزيز نقل التكنولوجيا.

ويشارك في المنتدى قادة أكثر من 20 شركة هندية كبرى تنشط في مجالات التصنيع، والهندسة، والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والرعاية الصحية، والأدوية، والبنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، إلى جانب مشاركة شركات أردنية من القطاعات ذاتها، بهدف بناء شراكات فاعلة ومستدامة.

ومن المنتظر أن تشهد زيارة رئيس الوزراء الهندي توقيع عدد من مذكرات التفاهم، تشمل مجالات الطاقة المتجددة، والتبادل الثقافي، والتحول الرقمي، وإدارة الموارد المائية، إلى جانب اتفاقية توأمة بين مدينة البترا وكهوف إلورا في الهند.

تكامل اقتصادي بفرص واعدة

ويمتلك الأردن والهند عناصر تكامل اقتصادي واضحة، إذ يوفر الأردن موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، وشبكة اتفاقيات تجارة حرة مع أسواق رئيسية، واستقرارًا تشريعيًا نسبيًا، فيما توفر الهند سوقًا واسعة، وقدرات صناعية وتقنية متقدمة، وتكلفة إنتاج تنافسية.

ويفتح هذا التكامل المجال أمام نماذج للتصنيع المشترك وإعادة التصدير، بحيث تتحول الأردن إلى منصة إقليمية للشركات الهندية نحو أسواق الشرق الأوسط وأوروبا، وفي المقابل تستفيد الشركات الأردنية من النفاذ إلى السوق الهندية عبر شراكات محلية.

التحديات… شرط الانتقال النوعي

ورغم الفرص الكبيرة، لا تخلو العلاقة الاقتصادية بين البلدين من تحديات، أبرزها ارتفاع كلف الشحن، والمتطلبات الفنية والتنظيمية، وشدة المنافسة داخل السوق الهندية، إضافة إلى محدودية المعرفة بالمنتج الأردني لدى المستهلك الهندي.

ويتطلب تجاوز هذه العقبات تبني سياسات نشطة تشمل تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، وتطوير أدوات الترويج والتمويل للصادرات، وتبسيط الإجراءات الفنية، وتحقيق الاعتراف المتبادل بالمواصفات، إلى جانب بناء منصات معلومات سوقية حديثة تدعم المصدرين.

وفي المحصلة، تقف العلاقات الاقتصادية الأردنية–الهندية اليوم عند مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تبقى في إطار تبادل تجاري تقليدي محدود، أو أن تنتقل إلى شراكة اقتصادية متكاملة تقوم على الاستثمار المشترك، ونقل المعرفة، وتعظيم القيمة المضافة، بما يحقق مصالح البلدين على المدى الطويل.

تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير