اغتيال القلم وصناعة الصنم
بسام الياسين
*ن* والقلم وما يسطرون *. اي تشريف لهذا القلم وحامله،واي انعطافة فاصلة في تاريخ العرب. كان هذا قبل ازيد من الف سنة،لينقلهم من جاهلية مغرقة في البدائية والبداوة الى العالمية، ومن دياجير الظُلمة الى دولة مشرقة تشرق منها شمس التوحيد والمعرفة حتى وصلت حوافر خيلهم الى شواطيء الاطلسي،واعتلى فرسانهم سور الصين العظيم.لكن العربان فرطوا في الامانة واخذوا يدفعون الجزية بعد ان كانوا ياخذونها. وانقلبوا على تاريخهم ،فبدل ان يصعدوا على مدارج الرقي انحدروا الى قاع الامم في حركة معاكسة لدورة الزمن،و نزلوا من قاطرة العلم والعمل ليتساقطوا كما تتساقط الاوراق الميتة من اغصانها وتتهاوى ايامهم كاوراق رزنامة صفراء منتهية التوقيت والصلاحية.وهاهي الانظمة العربية تحتل راس القائمة الاممية فساداً وتخلفاً،وتقبع خارج دوائر الشفافية والعدالة، فيما نجحت في تحطيب الغابات لتصنيعها اشجارها المخضوضرة، هروات لتفريق المحتجين على سياساتها بدل استخدامها في صناعة الاقلام،ما فاقم عوامل التعرية والعري واتساع التصحر المعرفي.
الشيخ المهيب جمال الدين الافغاني، دفع ضريبة قلمه الوطني الجارح كالشفرة الذي ادمى زعامات عصره فدفع ضريبة باهظة، وهام على وجهه في الاقطار الاجنبية، حتى حط رحاله في غرفة ضيقة رطبة في باريس. حينذاك تساءل بمرارة الوطني الابي الذي لم يجد مكاناً على خارطة امته : «اليس هناك من ركن واحد في ديار الاسلام استطيع العيش فيه بمنجاة من الاستبداد؟!» وكان يخاطب الحكام العرب في ساعات الشدة ووحشة الغربة « لو لم تكونوا حولتم بلادنا الجميلة الى سجون، لما احتجنا اللجوء الى الاوروبيين»،فيما قال كاتب ساخر بعد ان دمر العرب بلاد العرب :ـ الحمد لله الذي لم يفتح اجدادنا بلاد الكفاروالا لم نجد ملاذاً نلجأ اليه من بطش انظمتنا العربية .
واذا كان التاريخ يكرر نفسه احياناً على شكل محطة تنقية، تستطيع تحويل المياه العادمة الى مياه صالحة للزراعة،لكنك لن تجد في تاريخنا المعاصر، برنامجاً تنويرياً، يفضح الواقع ويكشف فساد الكبار حتى اصبح الفساد هو الاصل والطهارة استثناءً والتغني بالحرية والديمقراطية والعدالة اكاذيب عربية .فما فعلته الانظمة الوطنية اقسى على الوطن والمواطن، مما فعله المستعمر. فموجات التتار والصليبيين والصهاينة والامريكان،هي اشد الكوارث التي حلت بالامة،لا يضاهيها اليوم الا فتح السجون لاهل الرأي الاخر، واغتيال الاقلام، والتنكيل بالمعارضة وشراء الضمائر بالمال والمناصب وبيع الاوهام للعامة.
اغتيال «قلم » فاجعة،وزج معارض يجاهر بالحقيقة جريمة. فالمواطن يجب ان يكون له قداسة ومكانة عالية كما تفعل الامم الراقيةبابنائها لا ان يُصفع بالشارع او يُسحب جوازه ويمنع من السفر والتوظيف ومن ثم وضعه في زنزانة قذرة او دفعه لقضاء بقية عمره في حانة رخيصة للهروب من واقعه ومالحق به من ظلم .تكريم المواطن والعناية بكرامة عيشه له الاولوية القصوى في دولة تحترم نفسها،وكي لا يكون المواطن العربي اسير كذب الاعلام الموجه، ورهينة كباريهات التضليل، وتحت وصاية الفضائيات المحشوة بالاضاليل، في زمن فتح الله علينا ابواب السموات بالمعلومات، بعيدا عن طبخات وزراء الاعلام الفاسدة ورواياتهم المدبلجة.
عبقري الكلمة والحكمة عمر الخيام لخص القضية برمتها في جملة واحدة عندما قال لاحد الوزراء،بعد ان اتهمه بتعاطي الخمر والشعر وتخريب العقول : ـ ان امثالي لا يجود الزمان بحفنة منهم في العصر الواحد، في حين يمكن تبديل خمسة وزراء على شاكلتك في عام واحد.لذلك سيبقى العرب ايتام العصر،ومادة سخرية طالما ظلوا يستبدلون قناديلهم المتوهجة بالضاربين على الطبول، والناقرين على الدفوف، والنافخين بالمزامير. اللهم فاشهد على فرقة حسب الله التي لها في كل زفة رقصة وفي كل رواية قصة. مدونة بسام الياسين