ألف تحيّة وتحيّة... لمعلّم الناسِ الخيرَ

ألف تحيّة وتحيّة... لمعلّم الناسِ الخيرَ
دة. جمانة مفيد السّالم
جاء الاحتفال العالميّ بيوم المعلّم في الخامس من تشرين الأول الجاري تحت عنوان: (المعلّمون: القيادة في أوقات الأزمات، ووضع تصوّر جديد للمستقبل)، وإنه لعنوان مثير للاهتمام، وداعٍ للتأمل؛ لأنه تزامن مع وقت أثبت فيه المعلّمون في أنحاء العالم أنّهم بحقّ قادة الفكر المستنير، وصانعو الحياة الفُضلى، لم تغنِ عنهم في أزمة الجائحة الكورونيّة وسائل التكنولوجيا الحديثة كما قد يتصوّر البعض؛ لأنهم في الواقع من يغذّونها بالعلوم والمعارف، وبالتمارين والأنشطة، وبالقصائد والأناشيد، وبالأمثلة والشواهد، وبالصور والخرائط، وغير ذلك الكثير مما يُستعان به على توصيل المعلومات، وتمكينها في النفوس.

والمعلّمون كذلك، هم من يقودون العملية برُمّتها، فيديرون هذه الوسائل التكنولوجيّة المتاحة فنّيًّا وتقنيًّا، ويتحايلون لتنويع مصادر التعلّم من خلالها بأبسط الوسائل والإمكانات المتوفرة، وما تزال أصواتهم تصدح عبرها، لتشرح، وتوضّح، وتعلّم، وتناقش، وتحاجج، وتقيّم، وفوق ذلك كلّه، تتقاسم مع الأهل التربية المُثلى وغرس الأخلاق؛ فتعلّم من خلال القدوة الحسنة، وتنصح بالصدق مع الذات، وتحضّ على عدم الغش، وتنبّه على ضرورة المتابعة، وتوصي بأهمية التكاتف والتعاون والالتزام، حتى نتجاوز المحنة، وننتصر عليها، ناجين على الأقل بعلومنا وبأخلاقنا، وبتطلعاتنا وبأحلامنا، لعلّنا نُنجي بذلك في الدنيا وفي الآخرة بإذن الله، أنفسَنا، وذرياتِنا، وأجيالًا لاحقة بنا، وفي ذلك خير، بل لعلّ فيه كلّ الخير الذي صدّقه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قرن ونصف من الزمن تقريبًا: " إن الله وملائكته، وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت؛ ليصلّون على معلّم الناسِ الخيرَ".

وإنه لحريّ بصانعي القرار وبمنفّذيه في أنحاء العالم كافّة أن يضعوا بكلّ جدّيّة واهتمام تصوّرًا جديدًا مُنصفًا لمستقبل هذه الفئة المجتمعيّة القائدة المبدعة المبتكرة، القادرة على تكييف الحدث، وعلى ضبط إيقاع العمل، وكذلك تحسين بيئاته، كيف لا؟ وقد ألفيناها في المدارس وفي الجامعات تُظهر الحماس وتبثّه في النفوس، تُقبل على التعلّم لتُعلّم، تخطّط وتٌحسن التنفيذ، ثم تستفيد من التغذية الراجعة لغايات التطوير المستمر، تبثّ الحياة في سطور الكتب، حتى وهي تنقلها عبر أسلاك أجهزة الحواسيب، أو الهواتف النقالة، حاملة في حناجرها وفي ثنايا أصواتها دعوة للحياة الحرة الكريمة، وللرؤية الثاقبة المستنيرة، فتترك أجمل الأثر، وتُبقي أجلّ التأثير، ليصْدُق في مُمثّليها قول الشاعر:
قف شامخًا عانق هناك الأنجما يكفيك فخرًا أن تكون معلّما

لقد أُتيح لي خلال الأسبوعين الماضيين، متابعة دروسٍ لأولادي عن بُعد في بث تفاعليّ حيّ بصور وبأشكال مختلفة، وقد جاء ذلك بعد مجموعة من الحصص الوجاهيّة، طالما دعونا اللهَ أن تستمرّ ولا تنقطع؛ فوجدت حينئذ كلماتي وعباراتي عاجزة تمامًا عن الوفاء بالشكر وبالثناء المستحَقّ، أمام جهود عظييييمة، لا يمكن أن تقدَّر بثمن... فطوبى لمن يغرس علمًا نافعًا في النفوس، وطوبى لمن يُفني وقته وجهده وعمره في إنارة العقول، وطوبى لمن يتكيّف مع الواقع، ويسخّر الإمكانات كافة، فيؤكد أنّ المعلم باقٍ، لا تُغني عنه تقنيات أو وسائل تكنولوجيّة حديثة، تفقد امتيازاتِها وخواصَّها أحيانا فتنفصل، لكن صوت المعلم يتجاوز مداها، ويصل إلى أعماق القلوب، ينغرس فيها، ويصدح منها عبر الزمن: فكرًا متّقدًا، وعطاءً ممتدًّا، وعملًا صالحًا، يبني البلاد وينفع العباد، وفي ذلك كلّ الخير.


تابعوا الوقائع على