وانتصر الوطن .. ولم يخسر أحد!!

وانتصر الوطن .. ولم يخسر أحد!!
د. خلف الطاهات
أفِلت شمسُ 24 آذار مع سحابةٍ كبيرةٍ من الغيثِ التي غطت سماء الوطن ولتنفض غباراًعَلِق بمساحاته وساحاته وأشجاره ،في فضاء وطنٍ يئّنُ من بلائي الوباء وبعضاً من الغباء!!

بالأمس أراد البعض ان تكون أجندة الوطن ملئية بالأحداث والفعاليات والدعوات هنا وهناك، ظنّوا -وهم مخطئون وواهمون- ان الدولة تُدار ببث هنا ولايف هناك، وان جموع الأردنيين ستتحرك بكبسة زر الى الشوارع تُفجّر غضبها وحنقها وتُفرِغ وجَعَها على ممتلكات الدولة التي تعبوا في بنائها أباً عن جد، حتى غدا الأردن دولة انموذجا وسط اقليم ملتهب بوعي انسانه وحكمة قيادته.

لا نحتاج لوثائق ولا أدلة وبراهين لاثبات ان فسادا ينخر مجتمعنا ومؤسساته، نعم لدينا فساد، ولدينا حكومات مقصرة، واليات بالية في اختيار القيادات والمسؤولين، ولدينا دولة ثلثي شبابها يشعرون بالغبن والظلم والضياع وهم يرون غياب العدالة في التوظيف وخدمة الوطن والنهوض به، فالشعور بالتهميش والاقصاء من غياب المشاركة وتدوير المناصب وعدم العدالة بتوزيع التنمية على الاطراف والمحافظات يجعل مسؤوليتنا جميعا واجبه برفض استمرار هذا النهج من الحكومات والسعي منا جميعا بتعزيز ثقافة المساءلة وفرض سياسة المحاسبة بدلا من اللطميات وبكائيات العالم الافتراضي وتصوير المشهد اننا كلنا في صراع على الوطن لا لأجله!!!

ومما يُؤسف له، تابعنا بألم خلال الأيام السابقة حجم الاصطفافات غير المسبوقة التي خلقها بعض الأطراف، تفننوا في توصيف الناس، والبعض بالغ في منح صكوك وطني وغير وطني،و تسخين متعمد للساحه المحلية عبر العالم الافتراضي رُبط زمانيا ب 24 آذار، متجاوزين اللحظة التاريخية من عمر الوطن وهو يعيش ذكرى انتصاراته المجيدة في معركة الكرامة على العدو الاسرائيلي، ولحظة عبور الدولة مئويتها الثانية، واستمرت حملات التجييش الالكتروني لما اسموه استرداد الوطن وكأن الاردن أُزيل من خارطة العالم واصبح بلا مؤسسات او جيش وغيارى!!!

بالأمس أظهر الأردنيون جميعا وبعيداً عن المزايدات والترهات التي نراها على منصات التواصل الإجتماعي حجم الوعي والخوف بنفس الوقت على هذا الوطن. وعي بان لحظة ممارسة حق التعبير والتجمع والتظاهر ليس مقدما على تأزم الوضع الوبائي في الأردن والذي خطف أعز شباب الوطن وخيرة اهلنا واقربائنا، فوجع حزننا على فقدان الأحبة من وباء كان حاضرا وضابطا أساسيا لحسن تقدير شبابنا الذين ايقنوا ان اللحظة ليست عاجلة لخلق حالة "انتحار مجتمعي" في ظل منظومة صحية منهكة!. أمّا الخوف فهو ليس جُبنا -لا قدر الله- فالأردنيون الذين عبروا أزمات وواجهوا مِحن اكثر شراسه مما يسوق اليه البعض افتراضيا، بل هو خوف على وطن من الضياع، خوفا على منجزات تاريخية ان تذهب مع الريح، خوفا من اصحاب الفتنة والطامحين وراكبي الموجه والناعقين والانتهازيين من اصحاب المصالح الذين راكبوا موج الاصلاح سابقا واستثمروا في اوجاع وصيحات الحراك والشارع ليعتلوا باسم وجع الناس ارفع المناصب واهم المواقع في الدولة!!

انطوى يوم 24 آذار بحكمة الاردنيين جميعا وسط افلاس حكومي غير مبرر في احداث اصلاح اداري نوعي يشعر ان هذا الوطن للجميع!! وان هذه الحكومات ليس حكومات بنوك وسفارات ومزارع!! كم مرة نحتاج من الملك ان يغضب ويغضب لتقوم الحكومات بواجباتها دون ابطاء او تسويف!!! الا يستحق هذا الشعب ان ينتصر له من حكوماته كما ينتصر له مليكه!! انه من الغباء الا تتعلم حكوماتنا مما يجري، ومن المخجل الا تتحرك بحجم الغضبة الملكية التي رايناها قبل ايام في السلط!!

لم يعد مقبولا ونحن نعبر عتبات المئوية الثانية من عمر الدولة الاردنية، و في عالم لا يخفى فيه سرا، ولا وثيقة الا وتسرب، ولا يسلم منها مهما علا شانه من النقد، واصبح للاسف كل شي مستباح و بلا قيود وبأجندة مفتوحه غير منضبطه، وطوفان المعلومات ايا كان تصنيفها اكبر من مجابهتها او منعها والسيطرة عليها إلا بالتعامل بشفافية واحترام عقول الاردنيين، فلا احد يريد بوطنه شرا، ولا احد ينتصر على وطنه مهما توجع وتالم، آن الاوان ان نلتقط اللحظة التاريخية، وتعالوا جميعا أيها الأردنيين الى كلمة سواء نجتمع عليها، عبر إطلاق حوار وطني مسؤول وهادف، وليجلس كل الغيارى على طاولة الحوار ولنترك دعاة الفتنة كما تركناهم يوم امس في الساحة وحيدين بلا عزاء، ولنسعى بهمتكم وحرصكم جميعا للتغير الإيجابي بكلمة وليس بمعاول هدم!! فالوطن فوق الجميع، وفي معارك هيبة الدولة لا يوجد خاسر ابداً، فالجميع يرفع راية النصر لأنه انتصار وليد صبر وحكمة ووعي أبنائه!!
تابعوا الوقائع على