الحاكم بامره ونفاق حاشيته

الحاكم بامره ونفاق حاشيته
بسام الياسين
( قال الفيلسوف الفرنسي لابواسيه:ـ لا افهم لماذا هذه الاعداد الغفيرة في البلدان المتخلفة،تستمريء الخنوع لطاغية،لا يملك من السلطان الا ما اعطوه ) . ويقول الله في محكم كتابه " فاستخف قومه فأطاعوه ".

فاسد القول يكشف صاحبه، مهما تسلح بالكياسة،وفاسد الرجال يُفتضح امره، مهما تستر دفاعاً عن نفسه، بلقيط البلاغة. تفنن العربان في علم الكلام .نحتوا مصطلحات التزلف لشيخ القبيلة، بكلام ليس عليه ضريبة.النتيجة نفخوه حتى طار كالبالون،فارتفع فوق رؤوسهم .عربٌ الشعر سلاحهم والكلمة عتادهم،انشأؤوا سوق عكاظ . فاننزل الله عليهم القرآن ـ المعجزة ـ تحدياً لهم .فاخفقوا بان ياتوا بسورة مثله، لان كلامهم ثرثرة، غير قابل للصرف في سوق العلم والعمل. كذلك عبادتهم ـ عبادة الجاهلية ـ، مكاء وتصديةً ـ تصفيق وتصفير ـ" أُعلُ هُبل ". اماعبادة الجهلة في ايامنا هذه :ـ هتاف وتسحيج.

( المنافقون ) سورة نزلت، لكشف ازدواجية العربان . الشاعر البحتري كان من المدافعين عن المعتزلة،واشد المتحمسين لهم ايام الخليفة الواثق. وعندما جاء المتوكل ونكّل بهم ،انقلب البحتري عليهم وهاجمهم. اذعاناً لمقولة :ـ الناس على دين ملوكها.ولما سُئل عن انقلابه قال :ـ ( كان ذاك ديني ايام الواثق ثم نزعته اكراماً للمتوكل ).

الشيخ محمد المهدي.امام مسجد عابدين في القاهرة،ايام الملك فؤاد الاول، بزَّ الجميع نفاقاً.فقد صدف ان تخرجَ طه حسين ـ الاعمى ـ من جامعة السوربون الفرنسية،فكرمه الملك في المسجد. فاخذ الامام، يرعد في خطبة نفاقية قائلاً :ـ ما عبس وما تولى ان جاءه الاعمى.عاقدا مقارنة غير جائزة بين الرسول صلوات الله عليه حين عبس في وجه الاعمى ابن ام مكتوم،و بين الملك فؤاد الذي ابتسم بوجه الاعمى طه حسين.فلم يحتمل الشيخ محمد شاكر، وكيل الازهر الشريف نفاق محمد المهدي،فنهض صارخاً:ـ ان الامام كفر،فاعيدوا الصلاة . وانشد احدهم :ـ" مُتْ اخرساً ان عزَّ ان تحيا بـ " لا " / ادنى الدناءة ان تعيش مُطبلا ".

في عهد الخليفة المأمون،أطلق فقهاء السلطان ،بدعة خلق القرآن، لمشاغلة الناس عما يدور في قصره من مشكلات،فهزت البدعة البلاد.الإمام احمد بن حنبل ـ رضوان الله عليه ـ.انتفض في وجه العاصفة الضلالية. فدفع الثمن حيث عاقبه ثلاثة خلفاء،واشرفوا على تعذيبه، الى ان تولى الخليفة المتوكل الذي ادرك ابعاد الفتنة.فامر بفك اسره، بعد ان اكل حديد الأصفاد لحمه.

الدستور ليس قرآناً ، لكنه يجب ان يتصف بالثبات.اما تعديله يستدعي اجراءات مشددة،ودوافع موضوعية قوية، نظراً لخطورته و اهميته.الدستور " ابو القوانين " وهو الذي يرسم الحدود الفاصلة بين السلطات الثلاث،ويُبين الحقوق والحريات واساس الحياة القانونية للدولة.ورغم حصانته،يبقى قابلاً للتعديل بشرط إزالة الخلل،بسبب التطورات الطارئة على الواقع المعاش، ليتلاءم مع المصلحة العامة.

التعديل نوعان :ـ التعديل الرسمي، وهو محدد في صلب الدستور،اما المخالف للدستور نفسه، تعديل غير دستوري على شاكلة التعديل الذي تلعبه الانظمة العربية لخدمة ـ الحاكم بامره ـ.فالعبث بالدستور ردة سياسية للعهود الظلامية، تشكل اختراقاً للدستور فحسب،بل انقلاب صريح على الحاكمية الرشيدة، يفضي لإرباك المشهد السياسي، كلفته باهظة على شرعية القيادة،و استقرار الناس وصورة الوطن .ً

غاب عن الانظمة.انقلاب الاجيال الشابة على القناعات القديمة و المفاهيم، بعد ان تغيرت شروط العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة اولها، ان الزعيم الحاكم لم يعد الاب،الملهم،البطل.فحينما يذهب او يموت،يجب ان لا يُحدث فراغاً ولا يُزف الى قبره بمناحة،وكأن حركة التاريخ ستتوقف بعده.لقد ذهب انبياء الله واستمرت الحياة،وتأليه القادة نظرية "تجيفت”، وحكاية القائد الضرورة والزعيم الوالد كذبة،وكلها مسميات غير موجودة الا في قاموس العربان

يقول الشاعر الالماني بريخت:ـ{ تعيس هو الشعب الذي يحتاج الى بطل...فالشعب هو البطل }.فماذا فعل القادة غير التزين بالأوسمة؟!. وصارت الخارطة العربية خرابة ومقبرة ومكباً للنفايات البشرية. ولم تزل الانظمة تصرف المزيد من الاوسمة البلاستيكية، لابطال الجعجعة.لذا يجب نزع الهالة المصطنعة عنهم،وخلع النفخة الطاووسية التي يحتمون بها .شاه ايران الطاووس الأكبر، لم يجد قبراً يضمه،لولا السادات دفنه بإشارة من واشنطن.ذلك المفتون بالطواويس المحشية ـ وجبته المفضلة ـ التي تأتيه من احد مطاعم سويسرا الشهيرة ساخنة،بطائرة خاصة بين شعبه يموت جوعاً.

تابعوا الوقائع على