ثقافة الإعتراف وحس المسؤولية
الوقائع الاخبارية:بقلم: أ.د.يونس مقدادي
لا شك إن للجميع الحق أفراداً ومؤسسات السعي لترجمة تطلعاتهم التي تتضمن الطموحات والأمنيات والتي يراها كلٍ منا من وجهة نظره بإنها قابلة للتحقق سعياً لتحقيق نقلة نوعية في مجال ما بغرض تعزيز الذات والشعور بالفخر والأعتزاز بما يمكن تحقيقه من إنجازات. ولكن ليس كل مانتمناه يمكن تحقيقه وقد تكون النتائج مخيبة للأمال وذلك بعزوها لجملة من الاسباب ذات الصلة بالظروف الخارجة عن الإرادة والتي نسمعها دائماً بوضع هذه الاسباب كشماعة لتبرير الإخفاقات والتهرب من الإعتراف الصريح والعلني بالتقصير وقد يكون السبب في ذلك هو الخوف من الاتهامات بالتقصير، والشعور بالإهانة الشخصية، وفقدان السمعة والمكانة....الخ من المعتقدات الراسخة والتي تحول دون الإعتراف بالأخفاق.
وبالمقابل نسمع ومن خلال وسائل الأعلام المختلفة والتي تناولت ثقافات الكثير من المجتمعات حول العالم ومنها ثقافة الإعتراف والتي نجدها متأصلة في سلوك مواطينها بإعتبارها جزءٍ من شخصية وهوية الأنسان الفرد وبغض النظر عن الموقع أو المسمى الوظيفي أو المكانة ، لا بل نجد لديهم الشجاعة على تقديم الاستقالته من أي موقع وظيفي والأعتذار والإعتراف علانية بتقصيره والانسحاب من موقع المسؤولية بهدوء والأمثلة كثيرة. وفي هذا السياق نجد الأديان السماوية والعلوم السلوكية ترى بأن هذا الإعتراف يحمل قيم أخلاقية حقيقية ولا تنم عن ضعفٍ أو إهانة للذات الأنسانية كما يعتقد البعض وإنما رقي فكري وسلوكي للمحافظة على منظومة العطاء وإفساح المجال لمن يستحق وفقاً للمعايير المتعارف عليها لإدارة دفة المسؤولية كي تستمر مسيرة البناء دون توقف وبأقل الخسائر.
إن ثقافة الإعتراف بما تتضمنه من مدلولات قيمية تمثل سمة أخلاقية وثقافة حضارية بإعتبارها المخرج الوحيد لحماية ما تبقى بدلاً من القضاء على كل شئ والوصول إلى طبقة الطين الأسود. وقد أكد مشايخنا العلماء والمختصون في العلوم السلوكية والاجتماع والقانون بإن ثقافة الإعتراف ليست جريمة أو عيباً كما يرها الكثير أو القول بإنها لاتناسب مع مجتمعاتنا مبررين بأعذار واهية، لا بل هي شجاعة يحكمها جملة من القيم الأخلاقية، والإحساس بالمسؤولية، والأنتماء وغيرها بدلاً من التغطرس بغطاء المكابرة والدهاء والكذب والاستعراض دون الاهتمام بعواقب الإخفاق والغوص في وحل المستنقعات السوداء.
ولو دققنا النظر بإبعاد وغايات ثقافة الإعتراف لنجد انفسنا كم نحن بحاجة ماسة لها، ولكننا نتسائل عن كيفية تنميتها وترسيخها لتكون فعلاً جزءٍ لا يتجزء من ثقافتنا الفكرية والسلوكية والمجتمعية وفي مختلف مناحي حياتنا بدلاً من أن نبقى في مربع التمني والاستعراض والتسابق وتمثيل الأدوار الوهمية التي لا تغني ولا تسمن من جوع. وكم نتطلع إلى أن تكون ثقافة الإعتراف كإحدى الثقافات المغموسة بالقيم السلوكية والأخلاقية النبيلة والاحساس بالمسؤولية بأمانة إنطلاقاً من التربية الأسرية، والمدرسة، والجامعة، ودور العبادة، والمؤسسات لإخراج ثقافة فكرية مؤطرة بحس المسؤولية والمسألة وبعيدة عن المصالح والمكاسب الشخصية والذاتية حرصاً من الجميع على حسن إدارة المقدرات الفردية والمؤسسية والمجتمعية وتوجيهها نحو البناء والرقي المجتمعي بكافة مكوناته وقطاعاته ومؤسساته.