من المسؤول عن أزمة الجوع العالمية؟

من المسؤول عن أزمة الجوع العالمية؟
الوقائع الاخبارية : نشر موقع "فورين بوليسي" (Foreign Policy) تقريرا تحدث عن أزمة غذاء عالمية وشيكة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحديد المسؤول عن تلك الأزمة، وأشار إلى تقرير صدر مؤخرا عن برنامج الأغذية العالمي يقول إنه إذا استمرت الحرب في أوكرانيا فإن نحو 47 مليون شخص في 81 دولة سينضمون إلى "الصفوف المتضخمة لأولئك الذين يعانون من الجوع الحاد".

ولفت التقرير الانتباه إلى أنه وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان العالم يواجه موجة جوع متزايد، حيث يواجه حوالي 276 مليون شخص الجوع الحاد.

ووفقا للتقرير فإنه وعند الاستماع إلى تشو دونغيو، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، لن تعرف أبدا أن روسيا كانت تقصف المزارع ومخازن الحبوب الأوكرانية، وتفرض حصارا بحريا على صادرات الحبوب الأوكرانية، وتسرع بشكل عام من حالة الطوارئ الغذائية العالمية التي تهدد بوضع المزيد من عشرات الملايين من الأشخاص تحت طائلة أزمة جوع حادة.

وأضاف أنه منذ أن بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، تجنب تشو -وهو مسؤول زراعي كبير سابق في الحكومة الصينية- بجهد جهيد المسائل المتعلقة بمسؤولية روسيا، وتحدث بشكل فضفاض عن تأثير الحرب في أوكرانيا على الإمدادات الغذائية، بينما التزم الصمت بشأن الحصار الروسي على البحر الأسود الذي منع أوكرانيا من تصدير ملايين الأطنان من الحبوب إلى السوق العالمية. وفي الوقت نفسه، ردد تشو مرارا وتكرارا المخاوف الروسية من أن القيود الدولية المفروضة على صادراتها مسؤولة عن تزايد الندرة في الغذاء.

وحذر في بيان صدر في 25 مارس/آذار الماضي من أن "العقوبات سلاح ذو حدين. وللحيلولة دون حدوث أزمة عالمية في الأمن الغذائي، يجب أن نضمن استمرار التجارة العالمية في العمل بسلاسة وانفتاح. ولا ينبغي تقييد الصادرات أو فرض ضرائب عليها، وينبغي الإبقاء على الأسواق مفتوحة".

وأشار التقرير إلى أن الحرب في أوكرانيا قدمت اختبارا حاسما للقيادة الصينية في منظمة الفاو في أزمة لها تداعيات سياسية واقتصادية وإنسانية عالمية يمكن أن تساعد في تشكيل ميزان القوى في أوروبا وخارجها. وقد أثارت كل من الإدارات الجمهورية والديمقراطية في واشنطن مخاوف في الماضي من أن القادة الصينيين للمنظمات الدولية لن يكونوا قادرين على العمل كموظفين مدنيين محايدين، وبدلا من ذلك يعملون على خدمة مصالح بكين وحلفائها. وفي الأسابيع الأخيرة، تسعى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى دق إسفين بين روسيا والصين، وتمارس ضغوطا على بكين لعدم اتخاذ خطوات لحماية موسكو من لسعة العقوبات. وقد امتد هذا الجهد إلى منظمة الأغذية والزراعة.

غضب صناع السياسة الأميركيين والأوروبيين
وأثارت التصريحات العلنية الحذرة للمدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة غضب صناع السياسة الأميركيين والأوروبيين، الذين ضغطوا عليه للاقتداء بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي ندد بصراحة مرارا وتكرارا بالحرب الروسية باعتبارها انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة. وبالنسبة للغرب، فإن تعاطي تشو مع الأزمة الأوكرانية يشكل اختبارا حاسما لما إذا كان بوسع جيل جديد من القادة الصينيين للمنظمات الدولية التصرف بنزاهة.

وقالت سيندي ماكين، سفيرة الولايات المتحدة لدى وكالات الأغذية التابعة للأمم المتحدة، في الثامن من أبريل/نيسان الجاري أمام مجلس الفاو -وهو الهيئة الحكومية التي تشرف على عمل وكالات الأغذية- "تؤثر تصرفات روسيا على سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية بأكملها، حيث لا يزال العالم يتصارع مع الوباء والتداعيات المدمرة لتغير المناخ"، وأضافت "يجب على الفاو أن تتحالف مع الأمين العام للأمم المتحدة والأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة في إدانة تصرفات روسيا، والمطالبة بانسحابها الفوري، وربط تصرفات روسيا صراحة بتفاقم الجوع العالمي".

ويدور الخلاف في وكالة الغذاء التي تتخذ من روما مقرا لها على خلفية روايات غربية وروسية متنافسة حول أسباب أزمة الجوع العالمية في إطار معركة دعائية بين الشرق والغرب تهدف إلى إلقاء المسؤولية على ما يخشاه كثير من صناع السياسات من تصاعد كارثة غذاء عالمية. وتعتزم الولايات المتحدة، التي ستتولى الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الشهر المقبل، استضافة اجتماع رفيع المستوى بشأن الأمن الغذائي بإشراف وزير الخارجية أنتوني بلينكن.

البحر الأسود
وتؤكد الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على أن المسؤولية عن الزيادة الأخيرة تقع بشكل مباشر على عاتق روسيا، لأن تدخلها العسكري حرم العالم من القمح والحبوب التي تشتد الحاجة إليها. ويؤدي حصارها على البحر الأسود لأحد أكبر مصدري القمح والمواد الغذائية الأساسية الأخرى في العالم، إلى جانب الهجمات على المزارع الأوكرانية؛ إلى ارتفاع تكلفة أسعار الغذاء العالمية في وقت كانت فيه الإمدادات شحيحة بالفعل بشكل خطير.

وقال أحد مستشاري الفاو -الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث علنا عن استجابة الوكالة للأزمة الأوكرانية- عن تصريحات تشو العلنية إنها "مناهضة للعقوبات في الأساس وتعكس إلى حد كبير موقف الحكومة الصينية". وأضاف "ومع ذلك، فهناك بعض الحجج الجيدة للاستثناءات من العقوبات المفروضة على الأسمدة وغيرها من المدخلات الزراعية، وجعل هذه الحجج تتناسب مع سياسات الفاو السابقة التي تعارض القيود التجارية، وأعتقد في الواقع أن الفاو كانت ستخرج بنفس النتيجة لو لم يكن المدير العام صينيا".

العقوبات
لكن عدم الاهتمام العام بموقف الفاو من الإجراءات الروسية أمر مزعج، وفق ما قال جو كراوس، مدير السياسات للشفافية والمساءلة في حملة "ون" (ONE)، وهي مجموعة مناصرة لمكافحة الفقر.

وقال كراوس "أتصور أن العقوبات المفروضة على روسيا لم تساعد في استتباب الأمن الغذائي، لكنني لا أراها القضية المركزية، فهناك أيضا أدلة ملموسة جدا على أن روسيا تستهدف المزارعين بصورة متعمدة".

وأضاف "آمل أن ينظر الأشخاص الذين يشغلون مناصب رسمية في السلطة إلى الأدلة، وإذا كان هناك دليل واضح على أن أحد الجانبين يستهدف الإمدادات الغذائية التي يمكن أن تتسبب في تجويع عشرات الملايين؛ فيتعين عليهم أن يقولوا الحقيقة".

وبالنسبة لكورتني فونغ، الأستاذة المساعدة في جامعة ماكواري في أستراليا التي تدرس دور الصين في المنظمات الدولية، فإن حملة الضغط الأميركية هي جزء من اختبار.

وقالت "من خلال الضغط على رئيس الفاو لإصدار إدانة علنية للغزو الروسي، تحقق إدارة بايدن في كيفية عمل الصين في المؤسسات متعددة الأطراف، وهي ساحة أخرى للمنافسة الإستراتيجية. هل يلتزم المسؤولون الصينيون الذين يرأسون وكالات الأمم المتحدة بخط الصين من الوضع الأوكراني أم ينضمون إلى المجتمع الدولي الذي يشجب الحرب الأوكرانية وتداعيات الغزو الروسي؟".

نزاع
وأضافت فونغ "تؤكد الصين على قيادة الحوكمة العالمية التكنوقراطية وغير المسيسة. ومن وجهة نظر الحكومة الصينية من الأفضل أن تنجح الفاو في معالجة أزمة الغذاء الناشئة من خلال تجنب تشو للسياسات العليا والتركيز على مهمة مؤسسته المتمثلة في هزيمة الجوع".

ويأتي هذا النزاع في وقت يدق فيه غوتيريش ناقوس الخطر بشأن التأثير العالمي للحرب، قائلا إن الصراع يفاقم أزمة الغذاء والطاقة والتمويل التي "تضرب بالفعل بعض أكثر الناس والبلدان والاقتصادات ضعفا في العالم".

وقال غوتيريش إن توليفة الحرب في أوكرانيا وجائحة كوفيد-19 وتغير المناخ ونقص الأموال الدولية لمساعدة البلدان الفقيرة على التغلب على هذه الأزمات يخلق "عاصفة مثالية تهدد بتدمير اقتصادات العديد من البلدان النامية". وأضاف أن "36 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا في أكثر من نصف وارداتها من القمح، بما في ذلك بعض أفقر دول العالم وأكثرها ضعفا".

وقد سعت روسيا إلى التقليل من دور غزوها لأوكرانيا، معتبرة أن أزمة الجوع العالمية قد عجلت بها العقوبات والصراعات الأميركية في أفغانستان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.

وكتب فيكتور فاسيلييف مبعوث روسيا لدى وكالات الأغذية التابعة للأمم المتحدة برسالة في الثامن من أبريل/نيسان الجاري إلى المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة "لقد أصبح الصراع في أوكرانيا مجرد قطرة أخرى في دلو الصراعات، دلو يُملأ منذ 20 عاما حتى الآن".

وقال في بيان أمام المجلس التنفيذي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إن "العملية العسكرية الخاصة التي تقوم بها روسيا في أوكرانيا ليس لها تأثير يذكر على الإنتاج الزراعي العالمي"، وأضاف "المشكلة الرئيسية هي تمزق النقل الصناعي والسلاسل المالية بسبب فرض عقوبات أحادية الجانب وغير قانونية ضد بلدنا من قبل الغرب. في الواقع، تم إعلان حرب اقتصادية واسعة النطاق على روسيا".

لكن روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، حذرت من أنها ستستخدم الغذاء كسلاح حرب، وتقصر صادراته على الدول الصديقة فقط، وقد كتب ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ومستشار الأمن القومي الحالي، مؤخرا على تليغرام "سنورد الغذاء والمحاصيل فقط لأصدقائنا".

ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ادعاء روسيا بأن العقوبات الغربية تساهم في أزمة الغذاء العالمية، مشيرا إلى أن التجارة في الغذاء والإمدادات الإنسانية والمنتجات الحيوية مثل الأسمدة جميعها معفاة من العقوبات الأميركية.

وقال المتحدث الذي اشترط عدم الكشف عن هويته لمجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy)‏ "إن حرب بوتين غير المبررة ضد أوكرانيا هي التي عرضت الملايين في جميع أنحاء العالم لخطر انعدام الأمن الغذائي"، وأضاف "بدأ بوتين حربا بين اثنين من أهم مصدري السلع الزراعية والأسمدة في العالم. وبفعلته هذه، ضمن بوتين أن تكلفة حملته المتهورة سيشعر بها المواطنون الأكثر ضعفا في العالم".

أسعار الغذاء العالمية
وتوفر أوكرانيا وروسيا نحو 30% من القمح والشعير في العالم، وخمْس الذرة، وأكثر من نصف زيت عباد الشمس، وفقا لأرقام الأمم المتحدة. وفي مارس/آذار الماضي، كانت أسعار الغذاء العالمية أعلى بنسبة 34% من العام السابق، في حين ارتفعت أسعار الغاز والأسمدة بأكثر من الضعف، وذلك وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة.

إن صادرات المواد الغذائية والأسمدة وغيرها من السلع الأساسية معفاة إلى حد كبير من العقوبات، مما يوفر لروسيا فرصة للبيع في السوق المفتوحة. لكن روسيا فرضت قيودها الخاصة على صادرات الأسمدة، مما زاد من الضغط على سوق الأسمدة العالمية الضيقة بالفعل.

لكن العقوبات المالية الغربية وغيرها من الإجراءات المفروضة على روسيا وحليفتها الرئيسية بيلاروسيا حدت من صادرات الغذاء. على سبيل المثال، لا تستطيع بيلاروسيا، التي تنتج نحو 20% من البوتاس المستخدم في الأسمدة في العالم، الشحن عبر بحر البلطيق بسبب قيود التصدير المفروضة على الحكومة العام الماضي. وفرضت هذه القيود بعد أن أجبرت بيلاروسيا طائرة تابعة لشركة "رايان إير" (Ryan Air) على الهبوط في مينسك، حيث اعتقلت الحكومة ناشطا معارضا.

وأدت العقوبات المالية الغربية إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في بلدان أخرى، وخاصة في اليمن، مما أدى إلى ردع التجار الدوليين عن استيراد الغذاء والوقود والأدوية إلى البلد الذي مزقته الصراعات خوفا من التعرض للعقوبات.

تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير