وأنت وحدك حقيبتي

وأنت وحدك حقيبتي
أحمد حسن الزعبي
مرّت ثماني سنوات على الإغماضة الأخيرة ، على عَرقِ النّزاعِ الذي بلّل تلك الظفيرة ، على صوت الأجهزة في الطابق الحادي عشر ، على رحيل أغلى البشر، مرّت ثماني سنوات ،وقبضتك الضعيفة تمسك بيدي، تنظرين إلى عينيّ برجاء، ولا شيء بيدي..أمشّط شعرك الناعم تارة بأصابعي ،وتارة أمسح جبينك الندي..لكن لا شيء بيدي..

في مثل هذا اليوم قبل ثماني سنوات ، كنت تريدين أن تقولي لي شيئاً ، لكن حارس الكلام منعك..وأنا الملهوف أن أسمع منك شيئاً ، غير أن قلبي - الذي ينازع الموت- لم يسمعك.."قولي يمّه..قولي يمّه " كنت أردّدها على مسمعك ..وأنت تهمّين بالبوح الأخير، كانت فراشات الكلام تموت قبلك..

ما أنبلك !! لم تتخلّي عني حتى عندما تخلّت عنك عيناك ، كنت تتحسّسين بيدك ذقني وتقولين: "ليش مش حالق"، نريك صور أولادنا على الهاتف وننسى أن الغباش خذل العيون ،تهزّين رأسك تقبّلين الصور التي لم ترَيها وتقولين بنبرة الواثق: "سبحان الخالق"...ما أنبلك!! لم تتخلي عني حتى عندما تخلّت عنك رجلاك ، أسندُ ظهري اليك جبلاً كلما هزّتني الريح ، أشتم رائحة ثوبك وأستريح ، أضمّد بصوتك المناضل قلمي الجريح وأواصل..

وأنت في ذروة ضعفكِ كنت تحميني ، لو خف رزقي أو ضنك عيشي خبز ابتسامتك يكفيني ، كنت ألوذ بك عندما تعصف بي الأحداث أو أخاف ، أتكوّر كطفل قربك فتسكن ضلوعي ويهدأ الارتجاف ، كنت عندما أنام قرب سريرك على الأرض تزحفين بعيد الفجر وتغطيني، كنت تخافين عليّ من البرد ،و لم تخافي من الموت الذي يحاصرك في ساعات الغد..

كم أحتاجك الآن يا حبيبتي ، أحتاج أن تردّيني إليك ، أن أقبّل الوذمات على يديك، أن أخرج من كل هذا الحطام إلى جنّة عينيك ، أن تخبئيني منّي ،و منهم، ومن كل الذين لا يجرؤون عليك..كم أحتاجك الآن يا حبيبتي ، فقد أصبحت كل الأحداث والأوطان والشخوص مجرّد مطاراتٍ..وأنت وحدك حقيبتي...
تابعوا الوقائع على