المشاركة السياسية والهوية الوطنية... مدخلا التحديث السياسي

المشاركة السياسية والهوية الوطنية... مدخلا التحديث السياسي
أ.د. أمين المشاقبة
يمر المجتمع الأردني بتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية حادة تتجه الى تحول في بنية النظام السياسي نحو مزيد من المشاركة السياسيه على المستويات المحلية والوطنية وتحديث المنظومة السياسيه التي تهدف الى إشراك الجميع بعمليات اتخاد القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتحسين جودة الحياة للمواطنين، وتحقيق مزيد من الشرعية السياسية للدولة، فالمنطلقات تبدأ أولاً بالحفاظ على الدولة والوطن التي ساهم في بنائها الاباء والاجداد وقدموا التضحيات الجسام من اجل تجاوز كل الصعاب والتحديات، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الدولة الاردنية لا زالت تواجه العديد من التحديات والصعاب التي تحتاج منا الصبر والتضحية، وهذا عائد لمستويات الوعي السياسي الذي تملك، من أجل الحفاظ على حالة من الأمن والاستقرار، لأنهما المقدمة الاولى للتطور والتحديث والاستقرار على كافة المستويات، والحفاظ على النظام العام في معناه القانوني في طل سيادة القانون القائمة على العدل والمساواة بين ابناء الوطن الواحد لا تمييز ولا تحيز لفرد على آخر، أو فئة على اخرى، فالقانون العادل الذي يحقق المساواة باشكالها المختلفه هو الفيصل في العلاقات القائمه على مستويات الدولة، والمجتمع والافراد من اجل ان تكون هناك وحدة وطنية حقيقيه لابناء الوطن الواحد القائمة على هوية وطنية أردنية تمأسست مع تشكل الدولة الأردنية، فالهوية الوطنية الأردنية هي تلك السمات والخصائص من قيم ومعتقدات واتجاهات تجمعنا معاً، ونتميز بها عن غيرنا من الشعوب، وتعطينا ميزة التوحد، والالتقاء على القواسم المشتركة، فالمنطلقات الأساسية تبدأ من احترام الدستور كقواعد ناظمة للدولة ومؤسساتها والعلاقة بين هذه المؤسسات، واحترام الحقوق والحريات العامة والأساسية للمواطنين وتحقيقها بما يضمن العدالة والمساواة تحت سقف الدستور والقوانين النافذة.

وإعلاء الهوية الوطنية الأردنية بما تحمله من قيم ومعتقدات نميز بها أنفسنا عن غيرنا من الأمم، وتكون عاملاً رئيساً للتجمع والالتقاء، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة والأساسية للتحديث السياسي للدولة والمجتمع، فعملية التحول في الملكية إلى ملكية دستورية محدثة تتطلب مشاركة الجميع بهدف اختيار حكامهم وممثليهم والمساهمة الفاعلة في عمليات صنع السياسات والقرارات لمواجهة التحديات والصعاب معاً، وهذا يعني أن كل فرد منا له نصيب في الشأن السياسي الذي يؤهله للقيام بدوره في الحياة السياسية يعبر فيه عن آرائه ومواقفه وتوجهاته، سواء كان ذلك من الأنشطة التقليدية أو غير التقليدية، ونرى بأن المشاركة السياسية أداة للتعبير عن الوعي السياسي والمواطنة، حيث يربط الفرد ما بين حقوقه وواجباته، استناداً للدوافع التي يحملها الفرد سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية، إلى غير ذلك، وعليه، فإن إعلاء شأن المواطن وتفعيل دوره ضرورة أساسية للتحديث في كل مجالاته انطلاقاً من حاجاته ورغباته.

إن تفعيل مفهوم المواطنة القائم على الحق والواجب ضرورة أساسية بدءً من احترام كرامة الإنسان، وتحقيق المساواة والعدل استناداً للأحكام الدستورية التي تعزز ذلك، وتحقيقاً لحاجاته ورغباته ومتطلباته على كافة المستويات، فدور الدولة بمؤسساتها هو خدمة المواطن وتحقيق رغباته بعدل ومساواة مع الآخرين، وهذا يتطلب إعادة الثقة بالمؤسسات الدستورية والسياسية في الدولة، ويعتمد على حسن اختيارنا للحكام والممثلين لنا في تلك المؤسسات في تفعيل دورها وتمكينها من القيام بدورها على أكمل وجه لتحقيق المتطلبات والاحتياجات التي يحتاجها المواطن في حياته العادية.

إن الأمن والاستقرار يتطلب منا تعزيز دور المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية التي تعكف على حماية الدولة حدوداً وواقعاً داخليا، فالثقة يجب أن تستمر في هذه المؤسسات الراسخة، وإعادة الثقة في المؤسسات الأخرى التي فقد المواطن ثقته بها.

ينطلق التحديث السياسي في الانتقال من مجتمع تقليدي بحت الى مجتمع محدث فيه معظم عناصر التحديث من رفع مستويات التعليم، والتحضر، والاتجاه نحو التصنيع ونشر وسائل الاتصال الجماهير وتحديث الادارة، وتنقيح التشريعات القانونية ونشر الديمقراطية المستندة الى احترام الاخر ونشر ثقافة الحوار، وتقبُّل الآخر، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في اختيار الممثلين والحكام على كافة المستويات المحلية والوطنية، واشراك المواطن في عمليات اتخاذ القرار، وهذا كله يتطلب سياسات رشيدة عقلانية بعيدا عن كل اشكال الفساد. من هنا، يبدأ التغيير بضروره النظر في منظومة القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية السائده واستبدالها بمنظومة متكاملة محدثة تتم من خلال تفعيل مؤسسات التنشئة السياسية التي يعتمد عليها التغيير الحقيقي.
تابعوا الوقائع على