"رجال الدولة وهواة السُلطة"

رجال الدولة وهواة السُلطة
د. سعد الخرابشه
شهد جيلي ومن يكبرونني سناً فترة زمنية مرّت على الأردن كانت فيها الحكومات ومجالس الأمة ومؤسسات الدولة تتشكل من رجال دولة كبار همُّهم مصلحة الوطن وبوصلتهم متجهة نحو ازدهار وحماية أمنه وسيادته رغم الظروف السياسية والأمنية العصبية التي مرّت بها الدولة الأردنية عبر عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، لم يكن هؤلاء الرجال من خريجي هارفارد أو شبيهاتها وإنما تخرجوا من رحم الشعب الأردني ومعاناته وثقافته.

من المعلوم أن الأردن مرّ في تلك الحقبة بمخاضات عسيرة وتعرض لمؤامرات قاسية من الشقيق والعدو واستطاع بحنكة وإخلاص هؤلاء النفر وقربهم من الشعب والتفاهم حول المرحوم جلالة الحسين من تجاوز هذه الصعاب وبناء وطن منيع ومزدهر
.
أزعم أن مواصفات الوزير والنائب والعين والمسؤول في ذلك الزمن كانت مختلفة، كانوا رجال دولة بمعنى الكلمة، لم ينحنوا للعواصف التي كانت تضرب المنطقة واستطاعوا أن يعبروا بالبلد إلى بر الأمان.

لقد كان للمسؤولين في الدولة حضوراً سياسياً واجتماعياً كبيرين رغم أن مستوى تعليمهم لا يقارن مع نظرائهم هذه الأيام والإمكانات التكنولوجية والحياتية التي كانت متوفرة لهم متواضعة حتى أننا سمعنا بعض الروايات تفيد بأن وزراء كانوا يأتون إلى عملهم بالمواصلات العامة، لكنها الإرادة والإنتماء لتراب الوطن والإخلاص هي من صنعت هؤلاء الرجال. لم نسمع أن من بين هؤلاء الساسة من كان يملك جنسية مزدوجة أو قصراً بناه من أموال الشعب.

قد يقول قائل أن التحديات الإقتصادية في تلك الحقبة كانت أقل وأن سقف توقعات المواطن من الدولة كان منخفضاًوهذا ربما يكون صحيحاً إلى حدٍ ما، لكن بالمقابل كانت تلك الفترة تشهد حروباً عسكرية مستمرة مع العدو أدّت إلى استنزاف أموال طائلة من موازنات الدولة.

كانت السلطة أو المسؤولية سابقاً عبئاً وتحدياً لحاملها ولا يتولاها إلّا من هو أهلٌ لها أما اليوم فأصبحت للأسف هواية أو تنفيعة للبعض (ولا أُعمم) لتحقيق مركز اجتماعي وأهداف آخرها المصلحة العامة والوطنية.

رحم الله وصفي وهزاع وحابس وفلاح المدادحة وعبدالحليم النمر ورياض المفلح وسليمان النابلسي وعبدالحميد شرف ومحمد رسول الكيلاني ومحمد عودة القرعان وأدام الصحة على من هم على قيد الحياة أمثال نذير رشيد وكثر أخرين لا يتسع المقال لذكرهم جميعاً.

هولاء عينة من الرجال الذين حموا البلد وساهموا في بنائه ومنعته بقيادة المغفور له الملك الحسين رحمه الله.

ونتساءل هذه الأيام ما بالنا والظروف أفضل بكثير من ذي قبل ترانا نغرق في أسهل الأزمات؟!

تابعوا الوقائع على