مدحت..

مدحت..
عبدالهادي راجي المجالي
كنت في المختبر أمس لأخذ نتائج الفحوصات الخاصة بي، المختبر مكيف..وبه قاعة انتظار، والذي يعملون فيه لا ترى على وجوههم إلا الإبتسامات..ويرتدون (أرواب) بيضاء ناصعة، تفوح منهم رائحة العطور...ويبدو أن الديكورات الموجودة في المختبر كلفتهم أكثر مما جنيته في كامل حياتي.

جاء رجل اسمه (مدحت) وجلس هو وزوجته، كان قلقا والمدام كانت تمسح العرق الذي يسيل من جبهته، كانت تقول له: (اتطمن حبيبي أنا متأكدة كل شي رح ايكون كويس)...لاحظت أن قدمه تهتز بطريقة غريبة، وأن جسده يرتعش...وأنا ظننت أن مدحت يعاني من مرض عضال – لاقدر الله-، لأن دمعة حرى سالت من عين زوجته.

هنا تطفلت على المشهد وأرسلت بعض الرسائل له، حاولت أن أخفف من قلقه وخوفه قلت له: (اتوكل ع الله وجهك مثل قرص الجبنة) وأخبرته أن مظهره (كيوت) لايوحي بالمرض....

لحظات وجاءت فنية المختبرات وأحضرت نتيجة فحص مدحت، ثم أحضرت فحصي...كاد أن ينهار لحظتها، لكن فنية المختبر قالت له: (كريات الدم البيضاء ممتازة ومعاملات الإلتهاب ممتازة)...تغير كل شيء حين سمعوا النتيجة، وعانقت الزوجة مدحت ثم شكروا الممرضة...ولاحظت دمعة سالت على خده، بعد ذلك أعطتني فحوصاتي..الأصل أن النتيجة الطبيعية تكتب بالأسود والنتيجة غير الطبيعية تكتب بالأحمر، حملت فحوصاتي وتذكرت ما حدث معي في الصف الثاني ثانوي حين ذهبت لإحضار شهادتي، كنت مكملا في (4) مواد بما فيها التربية الإسلامية...كانت الشهادة كلها خطوط حمراء، قالت لي الممرضة: (أستاز عبدالهادي..عندك كوليسترول والدهنيات الثلاثية، وعندك ارتفاع باليورك أسيد..لازم اتراجع دكتورك) بعبارة أخرى فحوصاتي (بتخزي بتوطي الراس)....ثم تحدثت عن شيء لا أعرف ما هو متعلق بقوة الدم وطلبت مني التبرع، ولكني قاطعتها وسألتها: (لو سمحت في إشي كويس) قالت لي: (البوتاسيوم عندك طبيعي)....إذا فلنهتم بمدحت مادام أن البوتاسيوم طبيعي.

حين خرجنا سألت المدام: (معلش من شو كان بشكي الأخ مدحت)..وتبين لي أنه كان يعاني، من التهاب في المثانة نتيجة خروج حصوة، وبالتالي سببت له بعض الخدوش...كدت لحظتها أن أقول لها: (كليتي ع حساب مدحت)... كل هذا القلق والخوف والبكاء، كان لأجل حصوة....تذكرت أحد أبناء العمومة حين زرته في المنزل يوما للإطمئنان على سلامته، وكان يضع بجانبه علبة فيها الحصوة التي استخرجوها من كليته، بصراحة ما أخرجوه من كليته لو ضربت بها أحدا لقمت (بفشخه) لم تكن حصوة بقدر ما كانت (طوبة)...

خرج مدحت مع زوجته، كانت فحوصاته مجرد ورقة واحدة وفحصا واحدا، خرجوا ويد المدام في يده والفرح يعلو وجوههما، والمدام كانت تتصل (بماما) ولا أعرف هل هي ماما مدحت أم ماما المدام..كانت تخبرها بأن الفحص جيد، يبدو أن العائلة كلها كانت في حالة طوارئ...وتنتظر.

أنا لا أطمح لشيء إلا أن أكون مثل (مدحت)..أريد حصوة صغيرة في المثانة، وحب كبير في القلب....وعائلة تناديني: (توحه)...تخيلوا اسمي (توحه)..؟.



تابعوا الوقائع على