أتُريدون نُصرةَ الأردنِّ حقًّا؟
سهل مازن المجالي
تدورُ حاليًّا في دهاليزِ العقلِ الوطنيِّ الأردنيِّ تساؤلاتٌ فرضتها المرحلةُ الصعبةُ التي تمرُّ بها البلاد، وهي التي كان على الوطنيينَ إجابتها قبلَ الوصولِ إلى هذه الأزمةِ بعقود. فبعدَ التشخيصِ العبقريِّ الذي نسمعُه هنا وهناكَ عن طبيعةِ المرحلةِ وماهيةِ الصراع، يتضحُ لنا أنَّ العقلَ الأردنيَّ، بمثقفيهِ وعوامِّه، لم يستوعب بعدُ خطورةَ القادمِ وأهميته.
يُعدُّ الأردنُّ إلى جانبِ بعضِ الدولِ مثلَ مصرَ والسعوديةِ آخرَ نماذجِ الدولِ الوطنيةِ في المنطقة. وهنا أعني الأردنَ كدولةٍ قطريةٍ، رغمَ عنونةِ سياستهِ الخارجيةِ بعناوينَ قوميةٍ أو إسلاميةٍ، وهذا ما يبعثُ تياراتِ اللادولةِ من "ربيعيين" بشقيهمِ الإخوانيِّ والنيوليبراليِّ داخليًّا وإقليميًّا على معاداةِ الأردنِّ عبرَ كلِّ المنصات؛ فتراهم يحملونَ خطابَ التخوينِ والتكفيرِ تجاهَ الأردنِّ فقط، متسلحينَ بتفاصيلَ تنفي المضمونَ العامَّ للقضايا التي يدّعونَ الدفاعَ عنها.
ومن هنا، فقد يفيدُ التكرارُ أنَّ الصراعَ الإقليميَّ الآنَ ما هو إلا صراعٌ حولَ مفهوميِّ الدولةِ واللادولة. فأينَ نحنُ منه؟
يشكِّلُ الوطنيونَ الأردنيونَ ككتلةٍ مشتتةٍ خطابًا وطنيًّا عامًا يدعو لحمايةِ الدولةِ الحديثةِ التي بنتها أجيالٌ سبقتنا بالدمِّ والعرق. هذه الدولةُ، والتي وإن قصَّرت في حقِّ الحاملِ الاجتماعيِّ لهذا التوجهِ عبرَ عقود، فإنها تعدُّ الملاذَ الوحيدَ لحملةِ المشروعِ الأردنيِّ الواقعيِّ غيرِ المتأثرِ بفلسفةِ ربيعِ الخراب.
إذًا.. عن ماذا ندافعُ وما هو الخطرُ المحدقُ بنا؟
نحنُ نعيشُ عصرَ المشاريعِ المتعددةِ، ولأنَّ الأردنَّ للأسفِ يقعُ في وسطِ "جيرةٍ عاطلة"، فإنَّه معرضٌ دوما لهذه المشاريع. فغربًا، يخططُ الليكود ومن معهُ من اليمينِ لترانسفيرٍ ضخمٍ يحوِّلُ فلسطينيي الضفةِ الغربيةِ إلى مواطنينَ أردنيينَ تحتَ عناوينِ الكونفيدراليةِ وغيرها...
شرقًا وشمالًا كياناتٌ مكسورةٌ تحتَ يدِ الإيرانيينَ تُسمى جزافًا بالدولِ، تنصبُ العداءَ الاجتماعيَّ والسياسيَّ للأردنِّ ككيانٍ بتوجيهاتٍ من مشغليهم. وجنوبًا، دولٌ مرتبطةٌ عضويًّا بالمصلحةِ الأمريكية، ولو أنَّ الخلافَ حولَ الملفاتِ الصغرى يبدو أساسيًّا، إلا أنَّهُ لا يعدو كونه عتابَ إخوة.
داخليًّا، لكلٍّ من السالفِ ذكرهم بوقٌ سياسيٌّ يحاولُ رفدَ مشروعِ مشغلهِ من الداخل. الأمريكيونَ والإسرائيليونَ لهم، بطبيعةِ التشكيلِ الطبقيِّ والسياسيِّ، ليبراليونَ جددٌ داخلَ البلد لا يتورعونَ عن طرحِ مشاريعِ التوطينِ والتجنيس كجزءٍ من باقةِ الإصلاحِ السياسيِّ والاجتماعيِّ بالأردن، متبعينَ ذلك بوساطاتِ التمويلِ العابرةِ للسفارات. ولمحورِ الكبتاجونَ أيضًا مجموعاتٌ تخريبيةٌ متمثلةٌ بحماسِ الأردنِّ وشراشيبهم من يسارييِّ الغفلةِ ومتشيعيِّ القومية.
لكلِّ من هذه القوى خطابٌ مختلفٌ ومتشعبٌ يصلُ بالمتلقي إلى نفسِ النتيجة، وهي أنَّ الأردنَّ كيانٌ طارئ، وأنَّ الحديثَ عن مشروعِ الدولةِ في بلدٍ كهذا يُعدُّ ضربًا من الجنون. وهنا علينا أن نعي أنَّ التقاءَ هذه القوى المتناقضةِ على نقطةٍ واحدةٍ ليس سوى نتيجةً طبيعيةً لوحدةِ المشروع، وهو تفكيكُ هذا البلد نصرةً لمفهومِ اللادولةِ والميليشيا.
إذا كنا فعلاً نريدُ أن ننصرَ وطننا وأن نبنيه، فعلينا أولاً تفكيكُ تناقضاتنا الذاتيةِ كوطنيين؛ فنحن لم نملكْ، وللأسف، حتى الآن إطارًا يُصدرُ خطابنا، بل وأكثرُ من ذلك نحن لم نتفقْ حتى الآن على خطابٍ أو برنامج. ولذلك ترى الأردنيَّ دومًا متبنيًّا لخطابِ المظلوميةِ اللاواقعيِّ ولشعاراتٍ ووجوهٍ كانت تعني شيئًا في مراحلَ سابقة.
لقد بات من الواضحِ أنَّ أعداءَ هذا البلد يستفيدونَ من حالةِ الفراغِ الوطنيِّ الذي خلفته هزيمةُ البيروقراطيةِ الأردنيةِ بسقوطِ القطاعِ العامِّ منذ أكثرَ من عقدين، وأنَّ من تبقى من بيروقراطيينَ هم من انحنوا لرياحِ التغييرِ النيوليبراليِّ، وبالتالي هم مجردُ ديكورٍ يُراد به استكمالُ مشهدِ التعددِ المزيف.
وأنه لمن الواضحِ أنَّ فردانيةَ الخطابِ التي يعاني منها الوطنيونَ الأردنيونَ تشتتُ أفكارَ المتلقي. فهناك من يتحدثُ بقضيةِ التوطينِ وحدها بمعزلٍ عن العملِ المطلبيِّ للأردنيين، وهناك من يتخيلُ الأردنَّ جزيرةً معزولةً ويطالبُ بتشريعاتٍ سيصطدمُ بها هو شخصيًّا في حالِ قررَ أن يتحركَ باتجاهِ العملِ الوطنيِّ، ويُعزى هذا كلُّهُ لقلةِ التنظيمِ وانعدامِ البرنامج.
نحن نعرفُ غريمنا، ولكن قلةَ حيلتنا هي ما تمنعنا من سحقهِ، ونعرفُ أيضًا مهامنا، ولكن قلةَ تنظيمنا هي ما تعيقنا عن إتمامها. وعليه، فإنَّ نقلَ الفكرِ الوطنيِّ الأردنيِّ من خواطرَ متناثرةٍ إلى كيانٍ ماديٍّ سياسيٍّ فاعلٍ يقعُ على قمةِ أولوياتنا كوطنيين، إذا أردنا نصرةَ الأردنِّ حقًّا.
يُعدُّ الأردنُّ إلى جانبِ بعضِ الدولِ مثلَ مصرَ والسعوديةِ آخرَ نماذجِ الدولِ الوطنيةِ في المنطقة. وهنا أعني الأردنَ كدولةٍ قطريةٍ، رغمَ عنونةِ سياستهِ الخارجيةِ بعناوينَ قوميةٍ أو إسلاميةٍ، وهذا ما يبعثُ تياراتِ اللادولةِ من "ربيعيين" بشقيهمِ الإخوانيِّ والنيوليبراليِّ داخليًّا وإقليميًّا على معاداةِ الأردنِّ عبرَ كلِّ المنصات؛ فتراهم يحملونَ خطابَ التخوينِ والتكفيرِ تجاهَ الأردنِّ فقط، متسلحينَ بتفاصيلَ تنفي المضمونَ العامَّ للقضايا التي يدّعونَ الدفاعَ عنها.
ومن هنا، فقد يفيدُ التكرارُ أنَّ الصراعَ الإقليميَّ الآنَ ما هو إلا صراعٌ حولَ مفهوميِّ الدولةِ واللادولة. فأينَ نحنُ منه؟
يشكِّلُ الوطنيونَ الأردنيونَ ككتلةٍ مشتتةٍ خطابًا وطنيًّا عامًا يدعو لحمايةِ الدولةِ الحديثةِ التي بنتها أجيالٌ سبقتنا بالدمِّ والعرق. هذه الدولةُ، والتي وإن قصَّرت في حقِّ الحاملِ الاجتماعيِّ لهذا التوجهِ عبرَ عقود، فإنها تعدُّ الملاذَ الوحيدَ لحملةِ المشروعِ الأردنيِّ الواقعيِّ غيرِ المتأثرِ بفلسفةِ ربيعِ الخراب.
إذًا.. عن ماذا ندافعُ وما هو الخطرُ المحدقُ بنا؟
نحنُ نعيشُ عصرَ المشاريعِ المتعددةِ، ولأنَّ الأردنَّ للأسفِ يقعُ في وسطِ "جيرةٍ عاطلة"، فإنَّه معرضٌ دوما لهذه المشاريع. فغربًا، يخططُ الليكود ومن معهُ من اليمينِ لترانسفيرٍ ضخمٍ يحوِّلُ فلسطينيي الضفةِ الغربيةِ إلى مواطنينَ أردنيينَ تحتَ عناوينِ الكونفيدراليةِ وغيرها...
شرقًا وشمالًا كياناتٌ مكسورةٌ تحتَ يدِ الإيرانيينَ تُسمى جزافًا بالدولِ، تنصبُ العداءَ الاجتماعيَّ والسياسيَّ للأردنِّ ككيانٍ بتوجيهاتٍ من مشغليهم. وجنوبًا، دولٌ مرتبطةٌ عضويًّا بالمصلحةِ الأمريكية، ولو أنَّ الخلافَ حولَ الملفاتِ الصغرى يبدو أساسيًّا، إلا أنَّهُ لا يعدو كونه عتابَ إخوة.
داخليًّا، لكلٍّ من السالفِ ذكرهم بوقٌ سياسيٌّ يحاولُ رفدَ مشروعِ مشغلهِ من الداخل. الأمريكيونَ والإسرائيليونَ لهم، بطبيعةِ التشكيلِ الطبقيِّ والسياسيِّ، ليبراليونَ جددٌ داخلَ البلد لا يتورعونَ عن طرحِ مشاريعِ التوطينِ والتجنيس كجزءٍ من باقةِ الإصلاحِ السياسيِّ والاجتماعيِّ بالأردن، متبعينَ ذلك بوساطاتِ التمويلِ العابرةِ للسفارات. ولمحورِ الكبتاجونَ أيضًا مجموعاتٌ تخريبيةٌ متمثلةٌ بحماسِ الأردنِّ وشراشيبهم من يسارييِّ الغفلةِ ومتشيعيِّ القومية.
لكلِّ من هذه القوى خطابٌ مختلفٌ ومتشعبٌ يصلُ بالمتلقي إلى نفسِ النتيجة، وهي أنَّ الأردنَّ كيانٌ طارئ، وأنَّ الحديثَ عن مشروعِ الدولةِ في بلدٍ كهذا يُعدُّ ضربًا من الجنون. وهنا علينا أن نعي أنَّ التقاءَ هذه القوى المتناقضةِ على نقطةٍ واحدةٍ ليس سوى نتيجةً طبيعيةً لوحدةِ المشروع، وهو تفكيكُ هذا البلد نصرةً لمفهومِ اللادولةِ والميليشيا.
إذا كنا فعلاً نريدُ أن ننصرَ وطننا وأن نبنيه، فعلينا أولاً تفكيكُ تناقضاتنا الذاتيةِ كوطنيين؛ فنحن لم نملكْ، وللأسف، حتى الآن إطارًا يُصدرُ خطابنا، بل وأكثرُ من ذلك نحن لم نتفقْ حتى الآن على خطابٍ أو برنامج. ولذلك ترى الأردنيَّ دومًا متبنيًّا لخطابِ المظلوميةِ اللاواقعيِّ ولشعاراتٍ ووجوهٍ كانت تعني شيئًا في مراحلَ سابقة.
لقد بات من الواضحِ أنَّ أعداءَ هذا البلد يستفيدونَ من حالةِ الفراغِ الوطنيِّ الذي خلفته هزيمةُ البيروقراطيةِ الأردنيةِ بسقوطِ القطاعِ العامِّ منذ أكثرَ من عقدين، وأنَّ من تبقى من بيروقراطيينَ هم من انحنوا لرياحِ التغييرِ النيوليبراليِّ، وبالتالي هم مجردُ ديكورٍ يُراد به استكمالُ مشهدِ التعددِ المزيف.
وأنه لمن الواضحِ أنَّ فردانيةَ الخطابِ التي يعاني منها الوطنيونَ الأردنيونَ تشتتُ أفكارَ المتلقي. فهناك من يتحدثُ بقضيةِ التوطينِ وحدها بمعزلٍ عن العملِ المطلبيِّ للأردنيين، وهناك من يتخيلُ الأردنَّ جزيرةً معزولةً ويطالبُ بتشريعاتٍ سيصطدمُ بها هو شخصيًّا في حالِ قررَ أن يتحركَ باتجاهِ العملِ الوطنيِّ، ويُعزى هذا كلُّهُ لقلةِ التنظيمِ وانعدامِ البرنامج.
نحن نعرفُ غريمنا، ولكن قلةَ حيلتنا هي ما تمنعنا من سحقهِ، ونعرفُ أيضًا مهامنا، ولكن قلةَ تنظيمنا هي ما تعيقنا عن إتمامها. وعليه، فإنَّ نقلَ الفكرِ الوطنيِّ الأردنيِّ من خواطرَ متناثرةٍ إلى كيانٍ ماديٍّ سياسيٍّ فاعلٍ يقعُ على قمةِ أولوياتنا كوطنيين، إذا أردنا نصرةَ الأردنِّ حقًّا.