مكة المظلومين... بماذا جاء أمير قطر إلى موسكو؟
د. زياد صالح الزبيدي
أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس محادثات مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث ناقش الجانبان الوضع في الشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية، والتعاون الثنائي.
في بداية الاجتماع، أكد بوتين أن العلاقات بين روسيا وقطر تتزايد قوة، مشيرًا إلى أن قطر تعد أحد الشركاء الرئيسيين لشركة "روسنفت" النفطية الروسية. وأضاف أن قطر استثمرت حوالي مليار دولار عبر الصندوق الروسي للاستثمار المباشر (RDIF)، بينما بلغ إجمالي استثماراتها في روسيا أكثر من 13 مليار دولار، معتبرًا أن "هناك آفاقًا أكبر للتعاون". كما ذكر الرئيس الروسي كيف ساعدت قطر في حصول روسيا على حق استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014، بينما ساعدت روسيا بدورها قطر في تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022.
من جانبه، ذكر المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي أعرب عن امتنانه لقطر لدورها في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، رغم أن الأزمة الأوكرانية لم تُناقش بالتفصيل.
*مصير القواعد في سوريا*
حظيت القضية السورية باهتمام أكبر خلال المحادثات، حيث أطلع الأمير تميم الرئيس بوتين على اتصالات حديثة مع القيادة السورية، قائلًا:
"بالنسبة لسوريا، فقد كان الرئيس الشرع في قطر قبل أيام، وتحدثنا معه عن العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين سوريا وروسيا. وهو مهتم ببناء علاقات بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل".
بدوره، أكد بوتين أن الوضع في سوريا، التي تشهد عنفًا طائفيًا في الأسابيع الأخيرة، يحظى بأهمية كبيرة لروسيا، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية. وقال:
"نرغب في بذل كل ما في وسعنا لضمان بقاء سوريا دولةً ذات سيادة، مستقلة، ومتماسكة إقليميًا، ونود مناقشة إمكانية تقديم المساعدة للشعب السوري، بما في ذلك المساعدات الإنسانية".
في هذا السياق، يمكن استخدام القواعد العسكرية الروسية في سوريا كمراكز للدعم الإنساني، مما قد يُغير نظرة السوريين المعارضين لنظام الأسد إليها، بعد أن كانوا يرونها داعمًا للنظام فقط. وبهذا يمكن تحويل هذه القواعد، مثل قاعدة حميميم، إلى نقاط لتوزيع المساعدات الإنسانية، خاصة مع استمرار احتياج السوريين للمساعدات الغذائية والطبية.
يُذكر أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد طرح فكرة استخدام القواعد الروسية كمراكز للدعم الإنساني في يناير الماضي.
*غزة وإيران*
ناقش الزعيمان أيضًا الوضع في قطاع غزة، حيث لعبت قطر دورًا محوريًا في الوساطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في يناير الماضي. ومع استئناف إسرائيل هجومها على القطاع في مارس، لم تنجح المفاوضات في تحقيق تقدم جديد.
وقال الشيخ تميم: "ستواصل قطر، بصفتها وسيطًا، السعي لتوحيد وجهات النظر المختلفة للوصول إلى اتفاق ينهي معاناة الشعب الفلسطيني".
بدوره، قال بوتين للأمير: "نعلم أن قطر تبذل جهودًا جادة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لسوء الحظ، لم تُنفذ المبادرات التي قدمتموها، وما زال المدنيون يموتون في فلسطين، وهي مأساة حقيقية".
من جهة أخرى، وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى موسكو خلال زيارة الأمير تميم، مما يرجح أن تكون قطر قد نقلت رسالة من إيران إلى الولايات المتحدة بشأن الجولة الثانية من المفاوضات بين البلدين في عُمان، مع دعم من وجهة النظر الروسية والقطرية.
*الوساطة كركيزة للسياسة الخارجية*
يمكن أن يفتح الحوار الروسي-القطري في موسكو صفحة جديدة من التعاون الوثيق في مجال الوساطة وتسوية النزاعات، حيث يمكن للبلدين تبادل الخبرات. فلدى قطر خبرة واسعة في هذا المجال، معتمدة على منهجية تعتمد على التفاعل الاستراتيجي والحياد التكتيكي.
ينص دستور قطر على أن الوساطة هي أحد أسس سياستها الخارجية، حيث تقدم الدوحة نفسها كـ"مكة المظلومين"، فمن ناحية توفر ملاذًا للقوى السياسية المختلفة، ومن ناحية أخرى تشارك بنشاط في حل النزاعات بين الدول والمنظمات.
على سبيل المثال، عززت قطر ثقة حركة طالبان بها كوسيط عندما ساعدت في إخراج 120 ألف أجنبي وأنصار نظام أشرف غني من أفغانستان. كما شاركت قطر في وساطات خارج الشرق الأوسط، مثل الوساطة بين الكونغو ورواندا، وبين الولايات المتحدة وفنزويلا عام 2023.
*فهم قطر*
تهدف زيارة الأمير تميم إلى موسكو إلى تعزيز التفاهم بين البلدين، خاصة بعد أن كانت العلاقات قبل 10-15 عامًا متوترة، حيث اتهمت وسائل الإعلام الروسية قطر بدعم جماعات متطرفة، بينما رأت الدوحة أن روسيا تعادي العالم الإسلامي. لكن الصورة تغيرت الآن، وأصبح البلدان أكثر تقاربًا.
من اللافت أن إزالة حركة طالبان من قوائم الإرهاب تزامنت مع زيارة الأمير تميم إلى موسكو، حيث تتفق روسيا وقطر على رؤية مشتركة لمستقبل أفغانستان، وتدفعان السلطات الأفغانية نحو الإصلاحات وتشكيل حكومة شاملة.
كما يمكن لقطر تقديم نموذجها الناجح في "الديمقراطية الإسلامية" كنموذج لمجتمع مدني غير غربي، يعتمد على القيم التقليدية. فمنذ عام 1995، شهدت قطر إصلاحات ديمقراطية، مثل تمكين المرأة في الانتخابات والتعيينات الحكومية.
في بداية الاجتماع، أكد بوتين أن العلاقات بين روسيا وقطر تتزايد قوة، مشيرًا إلى أن قطر تعد أحد الشركاء الرئيسيين لشركة "روسنفت" النفطية الروسية. وأضاف أن قطر استثمرت حوالي مليار دولار عبر الصندوق الروسي للاستثمار المباشر (RDIF)، بينما بلغ إجمالي استثماراتها في روسيا أكثر من 13 مليار دولار، معتبرًا أن "هناك آفاقًا أكبر للتعاون". كما ذكر الرئيس الروسي كيف ساعدت قطر في حصول روسيا على حق استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي 2014، بينما ساعدت روسيا بدورها قطر في تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022.
من جانبه، ذكر المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي أعرب عن امتنانه لقطر لدورها في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، رغم أن الأزمة الأوكرانية لم تُناقش بالتفصيل.
*مصير القواعد في سوريا*
حظيت القضية السورية باهتمام أكبر خلال المحادثات، حيث أطلع الأمير تميم الرئيس بوتين على اتصالات حديثة مع القيادة السورية، قائلًا:
"بالنسبة لسوريا، فقد كان الرئيس الشرع في قطر قبل أيام، وتحدثنا معه عن العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين سوريا وروسيا. وهو مهتم ببناء علاقات بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل".
بدوره، أكد بوتين أن الوضع في سوريا، التي تشهد عنفًا طائفيًا في الأسابيع الأخيرة، يحظى بأهمية كبيرة لروسيا، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه تحديات سياسية وأمنية واقتصادية. وقال:
"نرغب في بذل كل ما في وسعنا لضمان بقاء سوريا دولةً ذات سيادة، مستقلة، ومتماسكة إقليميًا، ونود مناقشة إمكانية تقديم المساعدة للشعب السوري، بما في ذلك المساعدات الإنسانية".
في هذا السياق، يمكن استخدام القواعد العسكرية الروسية في سوريا كمراكز للدعم الإنساني، مما قد يُغير نظرة السوريين المعارضين لنظام الأسد إليها، بعد أن كانوا يرونها داعمًا للنظام فقط. وبهذا يمكن تحويل هذه القواعد، مثل قاعدة حميميم، إلى نقاط لتوزيع المساعدات الإنسانية، خاصة مع استمرار احتياج السوريين للمساعدات الغذائية والطبية.
يُذكر أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد طرح فكرة استخدام القواعد الروسية كمراكز للدعم الإنساني في يناير الماضي.
*غزة وإيران*
ناقش الزعيمان أيضًا الوضع في قطاع غزة، حيث لعبت قطر دورًا محوريًا في الوساطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في يناير الماضي. ومع استئناف إسرائيل هجومها على القطاع في مارس، لم تنجح المفاوضات في تحقيق تقدم جديد.
وقال الشيخ تميم: "ستواصل قطر، بصفتها وسيطًا، السعي لتوحيد وجهات النظر المختلفة للوصول إلى اتفاق ينهي معاناة الشعب الفلسطيني".
بدوره، قال بوتين للأمير: "نعلم أن قطر تبذل جهودًا جادة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. لسوء الحظ، لم تُنفذ المبادرات التي قدمتموها، وما زال المدنيون يموتون في فلسطين، وهي مأساة حقيقية".
من جهة أخرى، وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى موسكو خلال زيارة الأمير تميم، مما يرجح أن تكون قطر قد نقلت رسالة من إيران إلى الولايات المتحدة بشأن الجولة الثانية من المفاوضات بين البلدين في عُمان، مع دعم من وجهة النظر الروسية والقطرية.
*الوساطة كركيزة للسياسة الخارجية*
يمكن أن يفتح الحوار الروسي-القطري في موسكو صفحة جديدة من التعاون الوثيق في مجال الوساطة وتسوية النزاعات، حيث يمكن للبلدين تبادل الخبرات. فلدى قطر خبرة واسعة في هذا المجال، معتمدة على منهجية تعتمد على التفاعل الاستراتيجي والحياد التكتيكي.
ينص دستور قطر على أن الوساطة هي أحد أسس سياستها الخارجية، حيث تقدم الدوحة نفسها كـ"مكة المظلومين"، فمن ناحية توفر ملاذًا للقوى السياسية المختلفة، ومن ناحية أخرى تشارك بنشاط في حل النزاعات بين الدول والمنظمات.
على سبيل المثال، عززت قطر ثقة حركة طالبان بها كوسيط عندما ساعدت في إخراج 120 ألف أجنبي وأنصار نظام أشرف غني من أفغانستان. كما شاركت قطر في وساطات خارج الشرق الأوسط، مثل الوساطة بين الكونغو ورواندا، وبين الولايات المتحدة وفنزويلا عام 2023.
*فهم قطر*
تهدف زيارة الأمير تميم إلى موسكو إلى تعزيز التفاهم بين البلدين، خاصة بعد أن كانت العلاقات قبل 10-15 عامًا متوترة، حيث اتهمت وسائل الإعلام الروسية قطر بدعم جماعات متطرفة، بينما رأت الدوحة أن روسيا تعادي العالم الإسلامي. لكن الصورة تغيرت الآن، وأصبح البلدان أكثر تقاربًا.
من اللافت أن إزالة حركة طالبان من قوائم الإرهاب تزامنت مع زيارة الأمير تميم إلى موسكو، حيث تتفق روسيا وقطر على رؤية مشتركة لمستقبل أفغانستان، وتدفعان السلطات الأفغانية نحو الإصلاحات وتشكيل حكومة شاملة.
كما يمكن لقطر تقديم نموذجها الناجح في "الديمقراطية الإسلامية" كنموذج لمجتمع مدني غير غربي، يعتمد على القيم التقليدية. فمنذ عام 1995، شهدت قطر إصلاحات ديمقراطية، مثل تمكين المرأة في الانتخابات والتعيينات الحكومية.


















