منذر عربيات... حين يتّحد الأمن مع الفكر ليكون رجلا يقدم الوعي بخطوة بحجم وطن

منذر عربيات... حين يتّحد الأمن مع الفكر ليكون رجلا يقدم الوعي بخطوة بحجم وطن
الوقائع الإخبارية - خاص 

في دروب الخدمة الأمنية، قلّما يسطع نجم يُضيء بالعقل كما يسطع بالانضباط، وفي ذاكرة الأردن الحديثة، يقف اسم المقدم المتقاعد منذر عربيات شاهدا على تجربة فريدة، تجتمع فيها الصرامة المهنية مع الرؤية الثقافية، ليُكتب اسمه بحروف مختلفة، تتجاوز رتبته العسكرية إلى عمق التأثير الوطني والعربي، فلم يكن عربيات رجل أمنٍ فحسب؛ بل كان مشروعا وطنيا قائما بذاته، وفي كل خطوة من مسيرته، أصر على أن تكون بصمته واضحة، لا بوصفه صاحب سلطة، بل صاحب رسالة، ومع أن العديد يكتفون بتطبيق القانون، فقد آمن هو بأن حماية الإنسان لا تكتمل إلا بحمايته من الجهل، والتوعية بمخاطر السقوط في براثن العنف والمخدرات والانحراف.

من هنا، وُلِدت فكرته الريادية: المسرح الشرطي، مشروع غير مسبوق، ونتاج عقلٍ يرى في الفن أداة أعمق من الترفيه، وسلاحا أكثر فاعلية من الرصاص، فحوّل المنصة إلى رسالة، وجعل من المسرحية أداة بناء وعي، متحديًا الصورة النمطية لرجل الأمن، وراسما صورة جديدة لرجل الدولة المثقف، المؤمن بضرورة الاشتباك مع المجتمع من باب الثقافة أولا.

وقد حظي مشروعه الريادي باهتمام محلي ودولي، فتقاطرت التكريمات، وتجاوز عدد الجوائز والأوسمة ما يُمنح عادة في مسيرة كاملة، لكن القيمة الحقيقية لعربيات لم تكن فيما حُمل على الرفوف، بل فيما تُرك في العقول والقلوب.

ولعل الأهم من المسرح، هو الإيمان المتجذّر لدى عربيات بأن الأمن يبدأ من البيت والمدرسة، من القيم والوعي، من الفن والإعلام، لهذا.. لم يتوقف عطاؤه بعد تقاعده، بل وضع رؤيته في دراسة طموحة بعنوان :"الهيئة الوطنية للرياضة والثقافة والفنون"، فيها الكثير من التطلعات والأفكار التي تساهم في بناء شخصية الأجيال، داعيًا إلى بناء الإنسان من داخله، قبل أي خطط أمنية أو اقتصادية، وتقديم رؤية تبنّت فكرا مستقبليا يدعو للاستثمار في الإنسان بوصفه الركيزة الأولى لكل تنمية حقيقية.

ورغم اتساع أثره عربيا وعالميا، إذ نُقلت تجربته إلى عدد من الدول الأوروبية والعربية،  إلا أن ما يُؤلم كل من يعرف حجم ما قدّمه، أن هذا الرجل لم ينَل من التقدير الرسمي ما يليق بعطائه، ومع ذلك، لم يطلب يوما مجدا شخصيا، بل ظل وفيّا لمبدأه: "العمل لأجل الوطن لا لأجل الأوسمة".

فيكون التساؤل لماذا لا يستغل فكر العربيات وخبرته وبرامجه في إحدى المؤسسات التي يستطيع من خلالها تقديم تطور بالفكر وأن يكون صاحب قرار لتنفيذها، وتطبيقها على أرض الواقع، حيث انه يستطيع من خلال هذه الدراسة أن يشكل نواه مالية واقتصادية دون أن يكلف خزينة الدولة بأي أعباء مالية،  بل سترفد الخزينة ومؤسساتها المالية والثقافية وتقوم بتغطية النفقات الرياضية بتطوير فاعليات ثقافية وعلمية داخل مدينة الحسين للشباب كمثال، لبلورة فكرة انشاء الهيئة ثقافيا، دون الحاجة لجعل مخصصات لها ضمن الموازنة العامة.

هذه الشخصية الوطنية الاستثنائية يجب على مؤسسات الدولة أن تسلط الضوء عليه ليكون صاحب قرار ليترجم رسالة الثقافة الوطنية لواقع عمل ملموس ليلبي طموحات الشباب الأردني ويعزز أفكارهم بكل الإيجابيات والحد من السلبيات من أي سلوك لهم يهدد مستقبلهم وتطورهم، وتعزيز وطنيتهم وانتمائهم وولاءهم لقيادتهم وترتيب صفوفهم بما يخدم المجمتع وبما يصب بمصلحة الوطن، وكل ذلك عبر الثقافة بالسلاح الذي يستطيع فعل المعجزات. 

منذر عربيات ليس فقط رمزا لما يمكن أن يكون عليه رجل الأمن حين يمتزج بالإبداع، بل هو تذكير دائم بأن الأمن لا يُصنع بالسلاح وحده، بل بالكلمة الصادقة، والفكرة النيّرة، والمبادرة التي تسبق الحاجة.

وفي زمنٍ قلّت فيه النماذج الملهمة، يظل عربيات نموذجا حيا لما يمكن أن يصنعه الإخلاص حين يقترن بالبصيرة، واسمه ليس مجرّد ذكرى مهنية، بل قصة تستحق أن تُروى، وأن تُدرَّس، وأن يُحتفى بها في كل محفل أردني وعربي.

تحية لك، أيها الفارس الذي خاض معركته بالحكمة، وانتصر بالفكر والولاء والانتماء.
تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير