إسرائيل ورهاناتنا الساقطة!!

إسرائيل ورهاناتنا الساقطة!!
محمد حسن التل
كان العرب ومعهم الدول الإسلامية متمسكين برهانات وربما بتابوهات في نظرتهم لإسرائيل وعلاقتها مع الولايات المتحدة وكل الغرب، ويعتقدون بأمور تبين أنها في أذهانهم فقط أثبتت الأحداث على امتداد العامين الماضيين أنها رهانات لا أساس لها أسقطتها الأحداث الأخيرة، فإسرائيل التي كانوا يعتقدون أنها لا تستطيع أن تخوض حروبًا طويلة، تبين أنها مستعدة لخوض حروب تمتد لسنوات، وكان الاعتقاد أن الدم اليهودي عند الإسرائيليين من المستحيل التفريط به، وذلك استنادًا لمعتقداتهم التوراتية، فتبين أن هذا الأمر لا قيمة له أمام مصالحهم، وكنا نظن أن إسرائيل لا تستطيع أن تشن حربًا منظمة خارج حدود الأراضي الفلسطينية، فتبين أنها تستطيع أن تقوم بذلك وأن تصل إلى أي نقطة في المنطقة تريدها عندما تقرر، وكان كثير من العرب يراهنون على أن أمريكا من الممكن أن تكبح جموح إسرائيل، فتبين عكس ذلك تمامًا، وأنه لا يمكن للأمريكيين أن يرفعوا الغطاء عن إسرائيل.

كل هذه القضايا، كما قلت، تبين خلال العامين الماضيين أنها كانت فقط في أذهان العرب، وبنينا ظنوننا على أحداث ومواقف في التاريخ. ففي عام 1967، عندما حاربت إسرائيل وانتهت الحرب بستة أيام، كانت نتيجتها احتلال أراضٍ واسعة من سورية ومصر وفلسطين ولبنان والأردن،والإشارة المهمة هنا أن إسرائيل هي التي حددت مدة المعركة عندما حسمتها، ولو استطاع العرب أن يحاربوا لمدة عام، لقاتلت لمدة عام وأكثر.

لم تخفِ يومًا الحكومات الإسرائيلية مشاريعها وأهدافها التوسعية، وأنها تعمل على السيطرة على كل المنطقة، ويستند قادتها إلى الكتب التوراتية القديمة التي تقول إن حدود إسرائيل من هنا إلى هناك، مما يعني أن لا حدود لهذا الكيان، وأن أراضيها حيث وطأت أقدام جنودها.

مشكلتنا مع إسرائيل أننا لم نتعامل معها من مفاهيم ومنطلقات تأسيسها، والقواعد الفكرية والعقائدية التي هيأت لوجودها، وتعاملنا معها كدولة من الممكن التعايش معها، وتناسينا في مرحلة ما أنها كيان قام على قتل وتشريد الآخر حتى تعيش هي.

اليوم، الإسرائيليون يعيشون في علو كبير، يضربون حيث شاءوا، ويعاقبون كل من يفكر في الوقوف بوجههم أو حتى يتململ.

الجبهة التي فتحتها إسرائيل مع إيران، التي تبعد عنها ألفي كيلو متر، من أخطر الجبهات التي تعاملت معها عبر تاريخها، وكنا نعتقد أنها ستواجه دولة تمتلك عمقًا كبيرًا، حيث تبلغ مساحتها مليونًا وستمائة ألف متر مربع، مقابل 20 ألف كيلو متر لإسرائيل. الأمر الذي يجعل إيران على هذا المقطع تملك أفضلية كبرى على إسرائيل، وعدد سكانها 95 مليونًا مقابل 8 مليون في إسرائيل ، وهي تسلح نفسها منذ أربعين عامًا، لكن هذا كله لم يجعل إيران في موقف قوي كما يجب في المواجهة، ولم ينتبه الإيرانيون أن مدى إسرائيل مفتوح والدعم على مستوى حلفائها لا حدود له، وليس لديها مشكلة بأي منعطف في المواجهة، حتى ولو خسرت بعض المواقع والمنشآت وعددًا من القتلى.

كما أن حلفاء إيران غير مستعدين لدعمها عسكريًا، وتبين أن هذه التحالفات، وخصوصًا مع روسيا والصين، هي تحالفات رخوة.

يعيش اليوم نتنياهو نشوة لم يعرفها أي مسؤول إسرائيلي منذ عام 1967، مما يدفعه للتفكير والعمل على فتح جبهة جديدة على طريق مشروعه في تغيير خارطة الشرق الأوسط كما يردد، مستندًا إلى الدعم اللامحدود من حلفائه في الغرب الذين يعلمون جيدًا أن الرجل يعبث بأمن المنطقة، وسيكون لهذا نتائج وخيمة يتطاير شررها خارج هذه المنطقة، لكنهم لحساباتهم مع اللوبيات الصهيونية المنتشرة في الغرب، يتغاضون عن هذا الخطر وأن أبدى البعض منهم تذمرا من تصرفات إسرائيل أحيانا .

واقع العرب، للأسف، وهم المعنيون بكل ما يجري، واقع مأساوي ، فنتيجة انكفائهم القطري الذي لم يعرفه تاريخهم، ونتيجة أن لكل دولة أصبح لها مشروعها الخاص، وغاب تمامًا عن الساحة العربية المشروع القومي الواحد، أصبحوا يجلسون متفرجين وبعضهم يتحسس رأسه.. يجلسون حتى ليس بالصفوف الأولى على المدرجات، فقد اكتفوا بالصفوف الخلفية.

ضربت الولايات المتحدة المشروع النووي الإيراني وربما لم تنهيه، ولكن السؤال المفتوح كما أشرت: أي جبهة الآن مرشحة للاشتعال؟ فالكل اليوم يده على قلبه أمام المارد الإسرائيلي المنفلت، والذي لا يوقفه أحد، ومشروعه الذي بدأت ملامحه تتحدث بوضوح ، فهل يتململ العرب ومعهم الدول الإسلامية لإحداث نوعا من التغيير أو على الأقل عرقلة القطار الاسرائيلي ولو قليلا علهم يستطيعوا لملمة أوراقهم إن أرادوا!!!!


تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير