غواصة تيتان .. تقرير رسمي يكشف أن الحادثة كان يمكن تجنبها
الوقائع الإخبارية:أكد خفر السواحل الأميركي في تقرير نهائي صدر يوم الثلاثاء أن الكارثة التي أودت بحياة خمسة أشخاص على متن الغواصة "تيتان" عام 2023 كانت قابلة للتجنّب.
ووضح التقرير أن الرئيس التنفيذي لشركة OceanGate، ستوكتون راش، تجاهل تحذيرات السلامة، وعيوب التصميم، وأخفق في الامتثال للإشراف التنظيمي، وهو ما كان قد يُفضي إلى توجيه اتهامات جنائية له لو بقي على قيد الحياة.
وقد تعرّضت "تيتان" لانهيار كارثي أثناء هبوطها نحو حطام سفينة "تيتانيك"، ما أشعل عملية بحث استمرت لأيام في شمال المحيط الأطلسي قبالة السواحل الكندية، واستحوذت على اهتمام عالمي واسع. وعلى إثر الحادث، شكّل خفر السواحل لجنة تحقيق من أعلى مستوى، وقادت الحادثة إلى دعاوى قضائية ودعوات إلى تنظيم أشد صرامة لصناعة الاستكشاف البحري العميق الخاصة.
خلل منهجي في سلامة OceanGate
الغواصة "تيتان" كانت مملوكة لشركة OceanGate، وهي شركة خاصة مقرها في ولاية واشنطن. وخلص تقرير خفر السواحل إلى أن إجراءات السلامة لدى الشركة كانت "معيبة بشدة"، حيث أشار إلى "فجوات صارخة" بين البروتوكولات المكتوبة والممارسات الفعلية.
وفي تصريح صحفي، قال جايسون نيوباور، من مجلس التحقيق البحري، إن نتائج التحقيق "تُبرز ضرورة وجود رقابة أقوى وخيارات واضحة للمشغلين الذين يستكشفون مفاهيم جديدة خارج الإطار التنظيمي القائم".
وبعد تعليق عملياتها في يوليو 2023، أعلنت OceanGate أنها توقفت عن العمل بالكامل وتتعاون بشكل كامل مع التحقيقات. وأكد المتحدث باسم الشركة، كريستيان هاموند، "نُجدد تعازينا العميقة لعائلات الضحايا ولكل من تأثر بالمأساة".
التقرير الذي امتد لأكثر من 300 صفحة كشف عن ثقافة داخلية لدى OceanGate تتسم بتجاهل وفبركة معلومات السلامة الأساسية لتحسين سمعة الشركة والتهرب من الرقابة التنظيمية. وأوضح التقرير أن الشركة تجاهلت "إشارات حمراء" كثيرة وعانت من "ثقافة عمل سامة". كما أن غياب إطار تنظيمي واضح على المستوى المحلي والدولي لمهام الغواصات الخاصة ساهم في تعقيد الوضع.
وذكر العديد من الموظفين السابقين في OceanGate أنهم واجهوا ضغوطًا من الإدارة لمنعهم من إثارة مخاوف تتعلق بالسلامة، مثل التهديد بالفصل من العمل. وخلص التقرير إلى أن OceanGate استغلت عمداً ثغرات تنظيمية لتشغيل "تيتان" خارج معايير السلامة المعتمدة في عمليات الغوص العميق.
خلل في التصميم وتدريب غير كافٍ
وجد المحققون أن تصميم الغواصة، واعتمادها، وصيانتها، وعمليات تفتيشها كانت جميعها غير كافية. ومن الملفت أن الغواصة لم تخضع لمراجعة مستقلة كما هو معتاد في مثل هذه الحالات.
وبحسب التقرير، فإن الضغوط المالية المتزايدة عام 2023 دفعت الشركة لتخزين الغواصة في الهواء الطلق خلال الشتاء الكندي، ما عرّض بدنها لتقلبات حرارية أضعفت سلامتها الهيكلية.
كما أشار مجلس التحقيق إلى أن ستوكتون راش تصرف بإهمال أسهم في وفاة أربعة أشخاص، وأنه لو نجا، لكانت القضية قد أحيلت إلى وزارة العدل الأميركية، وربما كان ليُلاحق جنائيًا.
نقص في تدريب الطاقم وتضليل الجهات الرسمية
بيّن التقرير أن OceanGate لم تتبع بروتوكولات كافية لضمان تدريب طياريها، بمن فيهم راش، على قيادة الرحلات البحرية العميقة. كما تبيّن أنه لم يكن هناك دليل تشغيل مخصص للغواصة "تيتان"، ولم يستكمل راش أي برنامج تدريبي يتوافق مع معايير الترخيص العليا للشركة.
وذكر التقرير أن راش حصل على رخصة من خفر السواحل الأميركي بناءً على معلومات مضللة، حيث بالغت OceanGate عام 2020 في حجم الغواصة لتبدو مؤهلة لمنحه الترخيص.
تاريخ سابق من الحوادث تم تجاهله
في عدة مناسبات، فشلت OceanGate في التحقيق في أضرار لحقت بالغواصة خلال رحلات سابقة، ومنها حادثة عام 2022 عندما علقت الغواصة في حطام "تيتانيك" بالقرب من الدرج الرئيسي للسفينة. وقد أبلغ أفراد الطاقم عن سماع ضوضاء خلال الصعود، ما أثار مخاوف بشأن تلف محتمل في الهيكل، لكن راش تجاهل هذه المخاوف، وفق إفادة أحد المتعاقدين.
وفي واقعة أخرى، قال مدير العمليات في الشركة إن غواصة سابقة تُدعى "Cyclops 1" علقت تحت مقدمة سفينة "أندريا دوريا" قرب "نانتاكيت"، وكان راش هو من يقودها حينها. وبعد أن طُلب منه التخلي عن القيادة، ألقى بجهاز التحكم غاضبًا.
الضحايا والرحلة الأخيرة
الانفجار الداخلي أدى إلى وفاة ستوكتون راش، والمستكشف الفرنسي بول هنري نارجوليه، والمغامر البريطاني هاميش هاردينغ، ورجل الأعمال الباكستاني شهزاد داوود ونجله سليمان. وقد رفعت عائلة نارجوليه دعوى قضائية تتجاوز قيمتها 50 مليون دولار ضد OceanGate، بتهمة الإهمال الجسيم، مشيرة إلى أن الضحايا "عاشوا لحظات من الرعب والمعاناة النفسية" قبل الحادث.
بدأت الرحلة الأخيرة لـ"تيتان" صباح يوم الأحد 18 يونيو 2023، لكنها فقدت الاتصال بسفينة الدعم بعد ساعتين. وعثر على الحطام لاحقًا على عمق يقارب 300 متر من مقدمة "تيتانيك"، بحسب خفر السواحل.
وقد عُقدت عدة جلسات استماع للتحقيق في الحادث في أكتوبر 2024، حيث شهد كبير المهندسين بأنه شعر بضغط كبير لتجهيز الغواصة للغوص ورفض قيادتها، مؤكداً أنه قال لراش حينها: "لن أركبها"، نقلا عن صحيفة نيويورك تايمز.


















