مثقفو السلطة من الحطيئة لشعبولا

مثقفو السلطة من الحطيئة لشعبولا
بسام الياسين
في عصر التنوير و لإجل التنوير،أُعتمدُ العقلُ في الفهم العميق للاحداث، اما في عهود التجهيل يغيب العقل وتتلاشى الثقافة لتحّل الانفعالات محل المعرفة. هذه السقطة، نقلتنا الى وراء الوراء،حتى لم تبق بقعة خضراء ، ولا زاوية قائمة الا واتت عليها الجهالة.فافلس العربان في السلم الاهلي،التنمية،الحرية،الديمقراطية،ونجحوا في الاستبداد السياسي، الإرهاب الفكري ،الإفلاس القيمي،الإقتتال الداخلي،التنمّر البيني،والخراب البيئي فيما ” اسرائيل ” عدونا الازلي،ترفع مداميك البناء في ارضنا المحتلة،وتجلس في حضننا تنتف لحىانا دون رد.

بعد رحيل الاستعمار، كان حلم العرب ان يحكمهم احرارهم، الذين ضحوا وصنعوا مجدهم.المفارقة انهم إستبعدوا وانفردت بالسلطة نُخب نفعية،اسقطت التطلعات الشعبية وادارت لهم ظهرها،واخذت تتداول السلطة.فانفردت بها وشيّدت قلعة فساد يصعب اختراقها ، بينما تكورت الاغلبية على ذاتها،واشترت بالصمت سلامتها.فجاءت هزائمنا من تحت ” صلعات ” الساسة المسكونة بالمصالح الخاصة الاقرب للخيانة.فالمثقفون كما عرفهّم لينين، بانهم الاقدر على الخيانة، لانهم الاقدر على تبريرها.

فشلت الدولة الوطنية في بسط العدالة الاجتماعية ،ورفع المظالم عن العامة،كما اخفقت في تحقيق اقتصاد الكفاية،بسبب هيمنة النخب الجشعة، على السلطة والثروة.من خلال شبكة علاقات مصلحية و زبونية داخل الدولة،وراحت تقاوم الاصلاح حماية لمصالحها،لهذا نجد الترهل والفساد باشكاله المتعددة في كل دائرة،مؤسسة،وزارة،في الاحزاب الشكلية والمعارضة الضعيفة،اللتان تتعاملان مع الدولة من خلف حجاب،لان لا مكان لهما ولا مكانة.

اسطورة الكوميديا شارلي شابلن،ادرك منذ البداية ان مهمته ليست اضحاك الناس على انفسهم اوالضحك عليهم بل توعيتهم .زرع بذرة المعرفة فيهم.وخضهم كعلبة الببسي حتى يفوروا ويثوروا .هاجم الاحتكار واكل حقوق العمال،اما عادل امام ودريد لحام ـ كما غيرهم من مثقفي الهلس ـ ضحكوا علينا،ولما اصبحوا نجوماً،استغنوا عن الناس وانحازوا للسلطة.فاسقطوا النجومية في احضان الرذيلة، وقلبوا الفن الى تجارة.

في بداية حملة الاسكندر المقدوني نصحه احد حكمائه :ـ اذا دخلت مدينة، فاسأل عن شعرائها و مُغنيها، فانهم مرآتها وعنوانها،و في عهد المأمون ازدهرت الترجمة،وتألقت الفلسفة،وانتشر الطرب في بغداد.فاشتكى المغنون الاصلاء من دخلاء المهنة.فامر الخليفة تشكيل لجنة غربلت الاصيل من الدخيل،وفرضت عقوبة الحبس على المتطاولين . تذكرت المغني ” شعبولا ” الذي يغني لمن يدفع، والشاعر الحطيئة لم يدع احداً من شره، حتى انه هجا امه وشتم اباه في قبره.

التحليل النفسي للحطيئة، ان العرب كانت تتفاخر بالانساب لكنه حُرم منها.فقال عنه الاصبهاني، في كتاب الاغاني انه ابن زنا،قصير القامة،قبيح الخلقة،فنقم على من حوله،فيما الشاعر الاسباني لوركا ،لم يتوقف عن نشيد قصائد الحرية في مواجهة رصاص الاعدام ،امام مرتزقة الديكتاتور فرانكو،فيما بابلو نيرودا، الحائز على جائزة نوبل ،خاطب جنود المجرم بينوشيه، حينما داهموا بيته انه لا يملك سلاحاً انما سلاحه شعره. لم يقتلوه فوراً مثل لوركا ، حتى لا يصنعوا منه بطلاً ، بل حقنوه بإبرة سامة، توفي بعدها بعدة ايام. الشاعر الانجليزي ” تشيلي ” كان دائم النقد لحكم بلاده الظالم،فتم طرده من جامعته، ليبقى دون مستقبل…عقوبة تعلمتها الاجهزة العربية، واخذت تمارسها بحق الطلبة الخارجين عن السكة.

فضيحة مثقف السلطة العربي.هو واحد من اثنين، اما انه صاحب شخصية مزورة، ركب موجة المعارضة للوصول للسلطة او انتهازي ذكي مارس الانتهازية بحرفية.اما المثقف الاصيل هو الاخر واحد من اثنين :ـ اما انه هجر بلاده،بتذكرة بلا عودة،اوانكفأ على ذاته، حاملاً همومه ومآسي امته ،حتى تكاد ان تخنقه كل ليلة.

عزاؤنا اننا نلتقي اشخاصاً بسطاء،فنصاب بالدهشة، يعبرون عن آرائهم بحرية و شجاعة.لا يكذبون ولا يتلونون، بالف وجه كما المثقفين المترفين،مع ان خبزهم كفاف يومهم.ترى وجوههم نضرة الى ربها ناظرة.جُلَّ همهم الاصلاح و شلع النخب الطفيلية من شروشها اما كُتاب السلطة فاقصى احلاهم تحديث السيارة الفارهة باخرى اكثر حداثة ومراكمة الارصدة،وحاله يقول :ـ ” انا وبعدي الطوفان ".

تابعوا الوقائع على