البطالة.. ثلاثية كورونا والتعليم والتأهيل

البطالة.. ثلاثية كورونا والتعليم والتأهيل
خالد الوزني
الوقائع الاخبارية :تشير التقارير الدولية لمنظمة العمل الدولية إلى أنَّ جائحة كورونا أضافت ما يزيد على 100 مليون عامل إلى خط الفقر حول العالم، ناهيك عمّا أسهمت به الجائحة من فقدان شريحة كبيرة من العمال حول العالم لوظائفهم المعتادة، ليصل عدد العاطلين عن العمل إلى ما يزيد على 205 ملايين شخص.

وفي ظل التركيبة الهيكلية الديموغرافية للبطالة حول العالم، فإنَّ أكثر الفئات تهميشاً وتأثُّراً بالجائحة هم فئة الشباب، بشكل عام، وفئة الإناث بشكل خاص.

وتطال البطالة في المنطقة العربية، حسب تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا”، إلى ما يزيد على 14 مليون عاطل عن العمل، جُلّهم من الشباب وخاصة الإناث. وبالرغم من الحديث الدائم عن أنَّ البطالة في المنطقة العربية بشكل خاص هي بطالة هيكلية، تتركَّز أساساً في عدم مواءمة خريجي النُّظم التعليمية، بكافة مستوياتها المدرسية والمهنية والجامعية، مع متطلبات سوق العمل، فإنَّ المعضلة التي تستعصي على الفهم هي أنَّ ذلك التوصيف ليس بجديد على صنّاع القرار في المنطقة، وليس له علاقة بالجائحة الحالية، بل هي معضلة تراكمية تعود جذورها إلى نهايات عقد الثمانينيات من القرن المنصرم، وترتبط بشكل أكبر بالعجز عن مواكبة متطلبات التحولات التكنولوجية، وتطورات منهجية ومكانيكية العمل في كافة القطاعات الاقتصادية، الخدمية والصناعية والزراعية وحتى التجارية. وهي منهجية اعتمدت مهارات العمل، ومهارات العامل، أكثر من الشهادة التي يحملها الداخلون إلى أسواق العمل.

وتلك مهارات تعتمد أساساً على إجادة اللغات الأجنبية، وخاصة اللغة الإنجليزية، ومهارة التعامل مع التكنولوجيا، من حيث الأدوات والبرامج، ومهارة الاتصال والتواصل، والأخيرة هي الأهم؛ فمهارة اللغة ومهارات استخدام التكنولوجيا، هي مهارات ضرورية للداخلين إلى سوق العمل، إلا أنها غير كافية للتوظيف، ما لم يمتلك المورد البشري مهارات الاتصال والتواصل مع الآخرين، خاصة في ظل تطور متسارع لتسونامي وسائل الاتصال والتواصل العالمية، وخاصة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي. العنوان الجديد لسوق العمل اليوم قائم على مقولة: «إنَّ المهاراتِ أهمُّ من الشهادات» وعليه فإنَّ حملة الشهادات من خريجي مراحل التعليم المختلفة هم بطالة هيكلية قادمة، والمَخرَج الوحيد لوقف تكدُّس هذه الطاقات هو في تحوُّل كافة مناهج التعليم، وعلى كافة المستويات، اعتباراً من الصفوف الابتدائية، وحتى أعلى سلم الدرجات العلمية، إلى مناهج تفاعلية تُركِّز وترتكز على تزويد الشباب بالمهارات المطلوبة لسوق العمل، وليس على دفعهم وترفيعهم من مستوى تعليمي إلى آخر وكأنهم عبءٌ يجب الخلاص منهم بالرفع إلى الأعلى، وكأنه عبءٌ يتكفَّل الزمن في التعامل معه. القوى العاملة المطلوبة اليوم، في العالم أجمع، هي القوى العاملة المؤهلة بالمهارات، وليس الحاملة للشهادات فقط.

في الأردن يدخل سوق العمل نحو 120 ألف شاب وفتاة، من مستوى التعليم الجامعي، ونحو 50 ألف من غير الناجحين في الثانوية العامة، والمُعضلة الواضحة، أنَّ الغالبية العُظمي منهم لا يحملون أيًّا من المهارات المطلوبة لسوق العمل، سواء في مجال اللغات، أو تكنولوجيا المعلومات، أو حتى في مهارات الاتصال والتواصل، ومن هنا تجد معظمهم يدخل سوق العمل في مجالات لا علاقة لها بشهاداتهم، والكثير منهم يعمل في مجالات ومِهن الاقتصاد غير الرسمي. الخروج من المأزق يكمن استراتيجياً في التحوُّل الرقمي، والتحوُّل في المناهج، في كافة مستويات التعليم ،لتكونَ مناهج تأهيل للموارد البشرية بالمهارات، وليس مناهج ترحيل بطالة هيكلية إلى سوق العمل. وآنياً، وفي ظل تعطُّل ما يزيد على 400 ألف شاب وفتاة أردنية، معظمهم من شريحة الشباب، فلا بدَّ من البدء فوراً ببرامج تأهيل مهارات تحوِّل تلك الطاقات من بطالة هيكلية إلى عمالة مؤهَّلة قادرة على العمل لحسابها الخاص، أو لدى سوق العمل في القطاع الخاص المحلي والخارجي.

تراكم البطالة الهيكلية في دول العالم النامي، هي أكبر خطر داهم لاستقرار الاقتصادات، وهي المعضلة الحقيقية أمام جهود التنمية، وجهود مكافحة الفقر، وجهود بناء اقتصادات مستقرة. والمخرج الوحيد هو في برامج تأهيل استراتيجية تعيد النظر في طبيعة المسار التعليمي في كافة مستوياته، وبرامج تأهيل آنية تحوُّل الطاقات المُعطلة إلى موارد اقتصادية نافعة لنفسها ولسوق العمل، بدلاً من بقائها وقوداً سريع الاشتعال أمام استقرار الدول وتنميتها.
 
تابعوا الوقائع على