جائحة كورونا ...كابوس المتحورات ومسلسل اللقاحات

جائحة كورونا ...كابوس المتحورات ومسلسل اللقاحات
د. وليد أبو حمور
الوقائع الإخبارية: عندما ظهرت جائحة فيروس كورونا وفي وقت قياسي تم تحليل الخارطة الجينية لهذا الفيروس، حيث تبين لعلماء الفيروسات أن فيروس كوفيد ١٩ لديه قابلية شديدة جداً لإحداث الطفرات و من ثم إحداث التحورات.

لقد بادرت عمالقة شركات الأدوية في العالم بالتعاون مع علماء الأوبئة لإنتاج لقاحات أثبتت فعالية جيدة للتخفيف من الإصابة بالفيروس والحد من انتشاره، و هذا ما أعطى الأمل الزائف للدول الغنية وأوهمهم بأنهم قادرين على القضاء على هذه الجائحة.

إنه الوهم الذي أنتجته شركات الأدوية الصانعة للقاحات وذلك بالتعاون مع بعض علماء الأوبئة الذين تربطهم علاقات وثيقة مع هذه الشركات والذين يقودون ويوجهون دفة السيطرة على هذه الجائحة في العالم.

وبهذا باتت تلك الدول الغنية تتسابق للحصول على اللقاح و إعطائه لشعوبها حتى الوصول لإعطاء ثلاثة جرعات للفرد الواحد بالإضافة للمسارعة بتلقيح الأطفال صغار السن، ولقد فاتهم أن نسبة كبيرة من سكان العالم وخصوصاً الدول النامية الفقيرة لم تتمكن من الحصول على اللقاح ولا حتى على جرعةٍ واحدة وماذا كانت النتيجة؟!

مع الأسف كانت النتيجة مخيبة لآمال هذه الدول، فنتيجة لهذه الاستراتيجية الخاطئة وغياب الحكمة في التوزيع العادل للقاحات بين شعوب العالم فقد ظهرت متحورات جديدة للفيروس و كان أهمها وليس آخرها هو متحور دلتا ، وتجرعت هذه الدول كأس الخيبة كجرعة خذلانٍ إضافية.

و مع مرور الوقت تبين ضعف وعجز فعالية هذه اللقاحات المصنعة أمام تلك المتحورات المستحدثة.

ومن هذا المضمار وللخروج السريع من هذا المأزق فقد لجأت شركات الأدوية لسياسة جديدة وهي التلويح بضرورة إعطاء جرعة ثالثة من اللقاح وكذلك جرعات منشطة وهكذا..

و مع مرور الوقت تبين نقص في فعالية هذه اللقاحات لكن لم تفقد فعاليتها بالكامل ولم يكن هناك حاجه الى لقاح

جديد وانما الاستمرار في اعطاء اللقاح الى اكبر عدد من البشر.

متحور جنوب افريقيا (اوميكرون)؛
منذ بداية ظهور متحور أوميكرون، سارع العلماء ومعهم شركات اللقاحات إلى التهويل الإعلامي بأن هذا المتحور سريع الانتشار و بأنه على الأغلب أكثر ضراوةً و فتكاً من المتحورات السابقة، و بدأوا بالتنويه ومن ثم التصريح الرسمي للمدراء التنفيذيين لشركات الأدوية بأن فعالية اللقاحات المستخدمة حالياً لن يكون لها تأثير مجدي على المتحور الجديد ولابد من المسارعة و البدء بمشروع انتاج لقاح جديد…

كيف نفسر هذة السلوكيات:
للاسف الشديد إنه الجشع المادي..
لقد جنت شركات اللقاحات أكثر من مئات المليارات من هذه اللقاحات ..

على الرغم من أني على قناعةٍ شبه تامة من أهمية وفعالية هذه اللقاحات لمواجهة الجائحة و لكن يجب علينا أن لا نضيع بوصلة الطريق ونضل الهدف المرجو ونتوه في منتصف الطريق.. فنحن كأطباء وعلماء على دراية علمية كاملة بأن القضاء على هذه الجائحة تحتاج إلى مناعة القطيع وذلك ليس فقط لدولة واحدة بحد ذاتها بل لجميع سكان العالم مجتمعين وفي وقتٍ متقارب ، ومع الأسف الشديد هذا لم يحدث في واقعنا الحالي حيث كانت نسبة متلقي اللقاح في الدول الفقيرة متدينة جداً مما شكل مرتعاً خصباً لتكاثر الفيروس و حدوث الطفرات وظهور المتحورات الجديدة..

ومن هنا يبرز السؤال الأهم فيما اذا كان الهدف المحرك لشركات الأدوية هو السيطرة الكاملة على الجائحة أم الإمساك بورقة الربح والمكاسب المادية و إعطاء المزيد من الجرعات أو انتاج لقاحات جديدة بأسعار باهظة وهكذا…

وفي هذا الوضع الراهن الذي يتخبط فيه العالم دون هداوة، إني لأجد من الصعوبة بأن نتجاهل توجه بعض الدول لتوظيف هذه الجائحة في أهداف سياسية واقتصادية وكذلك إعلامية لخدمة أهداف تحيد عن المسار الصحيح وتغرد خارج السرب..
منظمة الصحة العالمية:

مع الأسف كان لمنظمة الصحة العالمية دوراً سلبياً في هذه الجائحة فقد كانت الأبعد عن المهنية و الأبطئ في القيام بالمهام المناطة بها في جائحةٍ كبرى كهذه في عصر السرعة والتكنولوجيا … وقد يكون فشل تحالف (COVX) لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة هو مثالاً صريح

ماذا علينا فعله؟
• لابد أن تتحمل الدول الغنية ومنظمة الصحة العالمية مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة.

• الطفرات و ظهور المتحورات سيستمر وهذه الظاهره ليست بغريبة عن هذا النوع من الفيروسات (RNA) التي لها خاصيه تسمى (leaky scanning) والتي تعطيها المقدره على التحور ، ولكن هذا لا يعني بالضروره أن يحدث ذلك تغير مهم في خصائص الفيروس، ولا يستدعي بالضرورة أن نتخبط و نسارع إلى صناعة لقاحاتٍ جديدة و إعادة مسلسل التلقيح من جديد، و المثال على ذلك ما حدث لفيروس الانفلونزا منذ ظهور جائحة الانفلونزا في عام 1918 و إلى يومنا هذا حيث أصبح فيروس الانفلونزا فيروساً موسمياً يمكن التعايش معه بسلام وليس أكثر فتكاً مماسبق، وبالمثل ينطبق المنطق العام و العلمي على فيروس كورنا ومتحور اميكرون (Omicron) وهذا ما اعلنه الأطباء في جنوب افريقيا.

• إيجاد سياسات ناجعة لمنع استغلال الدول لهذه الجائحة ولظاهرة المتحورات لأغراض
سياسية واقتصادية بحتة.

• السعي لتأمين اللقاحات مجاناً أو بأسعار رمزية و لجميع الشعوب بهدف تجنب استغلال الشركات المصنعة و الابتعاد عن السياسات الربحية.

• لا يمكن لأي دولة أن تتفرد بسياستها في مواجهة الجائحة عن باقي الدول، ولايمكن لسياسة حريات الدول و سياسة النأي بالنفس أن تكون السائدة ..

• التجربة من هذه الجائحة أثبتت أنه لا وجود لوصفة سحرية واحدة تناسب جميع الدول بنفس الدرجة والمقاس..

نصائح واقتراحات:

١. الاستمرار في اعطاء اللقاحات المرخصة و المتوفرة حالياً دون أي ضروره طبية تستدعي شركات الأدوية للتهويل والترهيب والمسارعة في تصنيع لقاحات جديدة.

٢. الاستمرار في تطبيق الإجراءات الاحترازية (الكمامه، التباعد….الخ)

٣. زيادة حملات التوعية دون تهويل وترهيب ..

٤. عدم اللجوء الى الإغلاقات الكلية أو الجزئية..

٥. أن لا يكون عدد الفحوصات الإيجابية هو المؤشر الأهم في تقيم الجائحة حيث أن معظم الإصابات تكون خفيفة ولا تستدعي دخول المستشفات. ويجب اعتماد نسبة دخول المستشفيات والعنايه الحثيثة كمؤشر أساس لتقييم شدة الجائحة .

٦.الاستمرار في التعليم الحضوري وعودة الطلاب إلى المدارس.

٧.توجه القطاع الطبي الحكومي و الخاص لإعطاء لقاح الانفلونزا للفئة العمرية التي هي بحاجة للقاح كاولوية، اضافة الى المتابعة الحثيثة.

كلمة أخيرة:
هذه الرؤية والاقتراحات مبنية على سلوكيات هذا الفيروس حتى هذه اللحظة .. وكل شيء قابل للتغير بحال ظهور مفاجئات جديدة لا سمح الله وهذه احتمالات ضئيلة جداً باذن الله.


تابعوا الوقائع على