تفاصيل ما حدث في ميناء العقبة وعرض شهادات حية لعاملين ومسؤولين
الوقائع الاخبارية : في الثامن من حزيران عام 2022، تحركت الباخرة فوريست 6 التي صنعت في ذات العام وتحمل علم هونج كونج من ميناء الفجيرة متوجهة إلى ميناء جيبوتي، وغادرت الأخيرة إلى مصر ثم عادت إلى جيبوتي في رحلات توضح معلومات التتبع الدولي لمسير الباخرة أنها كانت قضت أوقاتا قليلة في كل ميناء، قبل رحلتها الأخيرة إلى ميناء العقبة الذي وصلته الساعة 4:57 مساء الاثنين الموافق للسابع والعشرين من حزيران.
في تمام الساعة 5:15 مساء أعلنت السلطات الرسمية الأردنية تسجيل حادثة تسرب غاز سام من حاوية سقطت فوق باخرة في الميناء.
شهادات العاملين
18 دقيقة هي المدة التي مرت بسلام قبل تسجيل حصيلة القتلى الأولى التي أودت بحياة 13 شخصا وأصابت نحو 260 شخصا بينهم أردنيون وأجانب.
يقول رئيس النقابة العاملة للعاملين في الموانىء أحمد العمايرة إن وقت اصطفاف الباخرة وعملية تحميل صهاريج غاز الكلورين غير كافٍ إطلاقا لتطبيق إجراءات السلامة العامة.
عمال في الميناء قالوا إنهم بدأوا العمل على تحميل الحاويات دون اطلاعهم على المعلومات والإجراءات التي تخص البضاعة.
أسامة البطوش، رئيس نوبة الشحن بتاريخ الحادثة الذي كان يعمل على التحميل من الساعة 3:00 إلى الساعة 11:00 مساء، يقول "كان دوامي ولم أبلغ بما تحتويه البضاعة، الوكيل طلب عمالا لتحميل البضائع وتفريغها على السفينة، كانت 28 شاحنة، منها 10 شاحنات وارد و 18 شاحنة للصادر، ومعي خطة عمل، تفقدت خطة العمل وكم تحتاج من ونيش وعمال، ولم يردني إن كانت شحنات فارغة أو فيها بضائع أو نوعية البضائع، توجهت إلى مقربة من السفينة حتى صارت المسافة بيني وبينها قرابة 150 مترا، رفعنا الشحنات الأولى والثانية والثالثة والرابعة، الخامسة وقعت".
بعد سقوط الحاوية ساءت حال البطوش الذي حاول التحرك بصعوبة إلى مكان بعيدا عن الموقع، أسعف إلى المستشفى ووجد نفسه في حالة سيئة يترحم على زملائه الذين قضوا في الموقع.
إبراهيم الطبشات الذي يعمل في الميناء موظب عمال، يقول عن طبيعة عمله أنها تقتضي أن يحضر عمالا وفق العدد المطلوب لكل وردية وكل شحنة، ويتابع أن مسؤول الوردية يتصل به عادة من البيت، يسأله عن عدد العمال وهل هم كافيون؟ فيجيب الطبشات أن عددهم كاف ويتراوح من 7-11 عاملا بالعادة موزعين ما بين الساحة والرافعة والمخازن.
يقول الطبشات "في الوردية الصباحية جميع الموظفين والمسؤولين يكونون على رأس عملهم وبالساحة لكون الأجواء لطيفة، أما في المساء، أي بعد الساعة 3:00 عصرا، لا نجد منهم أحدا".
يؤكد ذلك تصريح وزير الداخلية مازن الفراية في مؤتمر صحفي عقدته الحكومة لإعلان نتائج تحقيقها في الحادثة بقوله "مسؤول السلامة العامة لم يكن على رأس عمله".
يضيف رئيس النقابة العاملة للعاملين في الموانىء احمد العمايرة في هذا السياق، أنه كان يتوجب أن تقوم لجنة السلامة العامة تبيان خطورة تلك المواد للتعامل معها ومعرفة العاملين بالمناولة لحساسيتها، إلا أن السلامة العامة كانت مغيبة تماما.
ويذهب الخبير في القانون البحري المحامي الدكتور عاطف المعايطة إلى أن الإجراءات والبروتوكولات الدولية التي أصبحت قوانين سارية المفعول في الأردن بعد نشرها بالجريدة الرسمية تعطي صفة الضابطة العدلية للرقابة والتفتيش على السفن في البحر وعلى الميناء وفي الساحات، وتمنح مسؤوليات للهيئة البحرية الأردنية والشركة الأردنية لإدارة وتشغيل الموانئ، وتقضي هذه الإجراءات بإلزامية وضع شعار ومعلومات ملصقة على جسم الحاويات والصهاريج التي تحتوي مواد خطرة وابلاغ الجميع بهذه المعلومات.
ما إجراءات التعامل مع المواد الخطرة؟
إجراءات مناولة البضائع الخطرة في ميناء حاويات العقبة فصلّت المسؤوليات والخطوات، إذ يجب طلب واستلام تفويض خاص من الجهات المعنية مثل سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ووزارة البيئة قبل تحميل البضاعة على السفينة في ميناء المنشأ.
بعد ذلك يتم تحميل وتنزيل البضائع الخطرة تحت إشراف لجنة السلامة الخاصة بميناء حاويات العقبة أو تحت إشراف اللجنة الأمنية، وعلى الوكيل الملاحي تزويد كل من دائرة التخطيط ودائرة الصحة والسلامة والأمن والبيئة في ميناء حاويات العقبة بالوثائق قبل 24 ساعة من وصول السفينة.
تثبت وثيقة أن الوكيل البحري كان قد أبلغ شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ قبل 4 أيام من رسو الباخرة على الرصيف رقم أربعة في الميناء بأنه ستصدر 18 حاوية مواد خطرة على الباخرة فورسيت 6 مباشرة.
وتفصل الإجراءات بأنه يجب على الوكلاء الملاحيين استلام تأكيد على قبول بضائع المواد الخطرة والإجراء الذي يجب اتباعه من تخزين أو إشراف لجنة السلامة أو اللجنة الأمنية، من دائرة الصحة والسلامة والأمن والبيئة في ميناء حاويات العقبة مكتوبا.
وفي حالة التسليم المباشر تحت إشراف لجنة السلامة أو اللجنة الأمنية يجب توفير الشاحنة - الشاحنات قبل ساعتين على الأقل من بدء الرافعة بالعمل في الجزء من السفينة المخصص لحاوية أو حاويات المواد الخطرة
لغايات التصدير يجب حجز IMO على تطبيق N4 CAP وتحديث المعلومات الخاصة بـ حاويات البضائع الخطرة في النظام بدقة.
"المراسلات لم تكن موثقة ولم تتبع الإجراءات في المخاطبات وكانت تمر عبر الموظفين من خلال تطبيق واتساب"، يقول وزير الداخلية مازن الفراية.
الرئيس التنفيذي السابق لشركة تطوير العقبة المهندس غسان غانم يرى أن تتبع الفراغات والثغرات داخل موانىء العقبة الجنوبية ضرورة ملحة باعتماد منهجية منتظمة وشديدة الحرص بهدف تقليل المخاطر المتعلقة بالصحة والبيئة والسلامة قدر الإمكان خاصة تلك الأرصفة التي تتعامل مع المواد الخطرة.
وبين غانم أن موانىء العقبة تفتقر إلى فلسفة إدارة التشغيل، مؤكدا أن الميناء يجب أن تتبع الفراغات الموجودة والتغيرات الخاصة بالسلامة العامة والصحة المهنية والأمن وأن تراقب تلك الجهات باستمرار من قبل إدارة الميناء والجهات المسؤولة عن سلامة الأرواح في البحار والموانئ وتطبيق أعلى معايير السلامة العامة.
وأوضح غانم أنه مع تحديث الموانئ خاصة بعد الانتقال إلى المنطقة الجنوبية قبل 5 سنوات يجب وضع خطة لإدارة الأزمات بتناغم تام مع اللوائح المحلية وأفضل المعايير والممارسات العالمية، تهدف إلى ضمان الجاهزية واتخاذ خطوات فعالة لتقليل الآثار السلبية على عملياتنا وسمعتنا في حال حدوث أزمة، بالاضافة إلى إعادة تقييم سنوية لسياسات وإجراءات الصحة والسلامة والبيئة.
وأشار مصدر مينائي خبير -فضل عدم ذكر اسمه- إلى أن الأسلاك التي رفعت صهريج الكلورين من أرض الرصيف إلى الباخرة كانت مهترئة وهي صناعة محلية تُجمع من عمال الميناء وعادة ما يكون قد مضى عليها سنوات في مستودعات اللوازم في الميناء، مؤكدا أن جميع المواد الخطرة يجب أن تحمل أو تفرغ على أرصفة ميناء الحاويات التي تتبع نظاما صارما في التعامل مع تلك المواد.
ورغم ذهاب اللجنة الحكومية إلى أن السبب المباشر لحادثة العقبة هو عدم ملائمة قدرة السِّلك المعدني المستخدم لوزن الحمولة ما أدى إلى حدوث استطالة ومن ثمَّ انقطاعه، وأن وزن صهريج غاز العقبة 3 اضعاف قدرة تحمل السلك المعدني"، يحمل المحامي المعايطة المسؤولية إلى سلسلة من الإدارات والوظائف والمؤسسات ويرفض تحميلها جهة واحدة.
كيف يحمي العاملون أنفسهم؟
عمال على الأرصفة وممن شهدوا الحادثة قالوا إنهم غير مؤهلين للتعامل مع تلك المواد الخطرة أو البضائع عموما كصالح الدوسري، الذي يعمل موظف تشغيل رافعة في الميناء منذ 19 عاما، ويقول لرؤيا "لم أحصل على أي دورة تدريبية طوال مدة عملي كاملة"، وهو ما أكده زميله محمد الغرابلي الذي يعمل أيضا مشغلا لرافعة منذ 18 عاما حيث يكتفي بلبس العاكس والحذاء "فيزت وسيفتي" لحماية نفسه من أية مخاطر.
المعايطة يؤكد أن البروتوكول المعتمد يستدعي إخلاء الأرصفة القريبة من مكان العمل والبواخر والآليات كذلك تحت إشراف لجنة أمنية ولجنة السلامة العامة داخل الميناء، واعلان حالة الطوارىء على الرصيف وإغلاقه بحواجز، حرصا على سلامة الأرواح البشرية، والاستعداد الجيد قبل وصول الباخرة إلى جانب وجود كوادر مدربة ومؤهلة للتعامل مع تلك المواد.
من الجهة المسؤولة عن الحادث وتبعاته؟
وزير الداخلية مازن الفراية قال إن "الأسباب غير المباشرة في حادثة العقبة هي تعامل المسؤولين مع وظيفتهم القيادية بصفة موظف".
وأوضح أنه لوحظ الاستهتار والإهمال وعدم الاحتراز من قبل غالبية المعنيين في التعامل المباشر مع الباخرة.
وختم الفراية قائلا: إن تعويض ضحايا حادثة العقبة يقرره القضاء، ولدينا 14 توصية تتعلق بتحسين أداء الموانئ فيما يتعلق بتداول المواد الخطرة.
وزارة النقل ووزارة البيئة وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وجهات رسمية أخرى لم يأت التحقيق الحكومي على ذكرها.
لم يكن في الميناء يوم وقوع الحادث إلا باخرة واحدة، وعدد محدود من العاملين، فيما يزيد عدد موظفي الميناء على 2300 موظف بحسب لجنة التحقيق الحكومية، وتفرض تصنيفات قانون العمل الأردني على المنشآت توفير لجان سلامة عامة وفنيي سلامة عامة وفق الجدول المرفق.
فيما يسمح قانون رقم 47 لسنة 2008 (قانون الصحة العامة لسنة 2008) المنشور في العدد 4924 من الجريدة الرسمية على الصفحة 3450 بتاريخ 17 آب 2008 لمفتشي الرقابة الصحية التفتيش على المنشآت والتأكد من تطبيق القانون ومراعاة شروط السلامة العامة فيها.
كذلك نظام الوقاية والسلامة من الآلات والماكينات الصناعية ومواقع العمل رقم 43 لسنة 1998، وتعليمات حماية العاملين والمؤسسات من مخاطر بيئة العمل لسنة 1998، وقرار خاص صادر عن وزير العمل بمستوى وجهات تدريب مشرفي السلامة والصحة المهنية في المؤسسات لسنة 2014 نشر في الجريدة الرسمية يحدد مسؤولية تدريب لجان السلامة العامة بمؤسسة التدريب المهني.
ويؤكد المحامي المعايطة غياب دور الهيئة البحرية من تطبيق الاتفاقيات التي تدخل فيها الأردن حول مناولة المواد الخطرة من مدى مطابقة اداة المناولة على حمل هذا النوع من المواد الخطرة.
وبحسب قانون السلطة البحرية المادة (5) فقرة (هـ)، فقد نصت على إجراء التفتيش على الموانئ وعلى المعدات المستخدمة بين فترة زمنية وأخرى.
مرت الحادثة بخسارة 13 روحا، وإقالة عدد من كبار المسؤولين في ميناء العقبة من مناصبهم، وتحويل الملف إلى الادعاء العام لاتخاذ المقتضى القانوني، وإثبات لا يغطيه غربال على تقصير وإهمال جسيم في تطبيق بروتوكولات الأمن والسلامة العامة والرقابة عليها وضمان تطبيقها من جميع المؤسسات المعنية.