كيف صنعت الموسيقى أفلام "جيمس بوند" على مدار 60 عاما؟

كيف صنعت الموسيقى أفلام جيمس بوند على مدار 60 عاما؟
الوقائع الاخبارية : استقبل النقاد والجهور الفيلم الوثائقي "صوت جيمس بوند" (The Sound of 007) -الذي عرضته شبكة "أمازون برايم" مؤخرا- بحفاوة كبيرة، وذلك بسبب إلقائه الضوء على تاريخ الموسيقى التصويرية في سلسلة "جيمس بوند" منذ انطلاقها قبل 60 عاما.

وبدأت أفلام بوند بفيلم "دكتور لا" (Dr.No) عام 1962 بطولة شون كونري، وعُرض أحدث الأجزاء في 2021 بعنوان "لا وقت للموت" (No Time to Die) لدانيال كريغ.

وأفرد الفيلم مساحة للثيمة الأساسية التي يمكن القول إنها الأشهر في موسيقى الأفلام وأكثرها ألفة للأذن.

كانت فكرة إلقاء الضوء على تلك المساحة في حد ذاتها أمرا شديد الأهمية بالنسبة للنقاد والمتخصصين، بسبب أهميتها على صعيد الصناعة السينمائية ككل.

وعلى مدار 3 ساعات (بما في ذلك فاصل زمني مدته 25 دقيقة)، عكس وثائقي "صوت جيمس بوند" تنوع موسيقى تلك الأفلام ببراعة على مدار 6 عقود، التي شملت كل شيء من الموسيقى الكلاسيكية والفانك والجاز، وأيضا موسيقى الروك والبوب الحديث في أحدث الأفلام؛ وكل أغنية تعبّر عن فترتها، إذ تنقلنا إلى مكان آخر وزمان آخر.

تاريخ الموسيقى التصويرية
في كتابه "تاريخ الموسيقى السينمائية" -الذي ترجمه إلى العربية أحمد يوسف- يقول جيمس فيرزبيسكي إن "الموسيقى السينمائية جذبت اهتمام الجميع قبل الحرب العالمية الأولى، وبلغت ذروتها تباعا، قبل أن تتراجع مرة أخرى بوصفها أهمية ثانوية للسينما".

ويعزو فيرزبيسكي الأمر إلى أن "غاية الموسيقى التصويرية السينمائية ليست إبراز البراعة الفنية بقدر ما هي تلبية لحاجات السوق، مبينا أن الموسيقى التصويرية مشتقة من بعضها البعض".

ويرى فيرزبيسكي أن النسبة الأكبر من صناع الأفلام لم تكن تعامل الموسيقى التصويرية بالاحترام الذي تستحقه، وهو ما جعل المؤلف الموسيقي لا يهتم كثيرا بالسينما، لكن الأمر يتفاوت بين مخرج وآخر. ورغم ذلك اكتسبت الموسيقى التصويرية اهتماما أكثر بمرور الوقت، فوُضع تاريخها أمام الجميع منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن.

وبرّر بعض النقاد ضعف الاهتمام بها بالقول إنه ليس بالضرورة أن الموسيقى الجيدة للعزف في القاعات الموسيقية تكون صالحة للأفلام السينمائية، وإن الموسيقى التصويرية تكمّل العمل الفني، ولا تؤسس له.

وتميزت الموسيقى التصويرية لأفلام جيمس بوند دائما بأنها بمثابة مصباح صغير نضعه خلف الشاشة لتهدئة الأوضاع أو إشعالها، وهي المحرك المؤسس للمشهد الدرامي عموما، إذ تدعم بقية الأحداث وتفتح مساحة للمشاعر، أو ربما تأتي كحدث مواز، مثلما فعل هانز زيمر في فيلم "جيمس بوند" الأخير عندما وضع موسيقى قال إنها "تقدم الجانب المشاعري للأحداث التي تفتقد أي مشاعر أو تتجاوزها من دون قصد"؛ وبالتالي فإنها موازية للعمل السينمائي تماما.

تتغير نسبيا النظرة إلى صناعة الموسيقى السينمائية مع خروج أجيال جديدة من الموسيقيين الذين يقدمون منتجات موسيقية خصيصا للسينما، لا كمادة مقتطعة من سياقها وتخدم فيلما بشكل سريع كوسيلة للحصول على الشهرة والمال فقط.

مرجعية ذاتية
يحكي الفيلم الوثائقي"صوت جيمس بوند" -الذي أخرجه مات وايتكروس- مساحة العملية الإبداعية التي أخرجت لنا موسيقى وأغنيات 25 فيلما ضمن السلسلة، كأعمال فنية منفصلة أو متصلة، وعمل عليها نجوم كبار مثل شيرلي باسي وبيلي إيليش وتوم جونز ومادونا، باستخدام مقاطع من الأفلام وتسجيلات الأستوديو، إلى جوار مقابلات جديدة وأرشيفية مع الممثلين والملحنين وغيرهم من المشاركين.

نتعرف في الفيلم إلى تاريخ المقطوعة الموسيقية الشهيرة، ومؤلفها جون باري الذي وضع الخريطة الموسيقية لأفلام بوند، كونه ألّف الموسيقى التصويرية لـ14 فيلما بعد "دكتور لا"، وبلغ ذروة نجاحه جماهيريا -وفق النقاد- في موسيقى فيلم "الأصبع الذهبي" (Gold Finger) الذي صدر عام 1964 تقريبا.

يتناول الوثائقي الأغنية التي ترافق كل فيلم، بوصفها شرفا يناله الفنان، أي أن تتم دعوته لتأليف أغنية لواحد من أفلام جيمس بوند، كما حصل مع شيرلي باسي التي أدت أغنية "الأصبع الذهبي"، مرورا بنانسي سيناترا، ولويس أرمسترونغ، وبول مكارتني، وانتهاء بأديل، وبيلي آيلش التي دعيت لأداء أغنية الجزء الأخير العام الماضي مع الملحن الأشهر على الإطلاق هانز زيمر الذي يشارك بآرائه الموسيقية لفهم فكرة الموسيقى التصويرية عموما داخل الفيلم.

يتحرك العمل خلال خطوط سردية غير خطية تتناول عددا من الفنانين الموسيقيين الذين شاركوا في السلسلة بشكل عشوائي نوعا ما، لكنه يخدم السؤال الأهم بشأن محورية وضع الموسيقى التصويرية نفسها.

الدخول إلى عالم الموسيقى التصويرية هنا يفتح مساحة أخرى لأهمية هذا النوع ليس فقط للأكاديميين والنقاد، بل ليعرف الجمهور العام كيف يمكن فهم السينما في سياق الحديث عن الموسيقى، أو ربما يصلح الفيلم لطرح تساؤل عام يمكن الحديث من خلاله بعد المشاهدة: بعدما شاهدت الفيلم، هل كان يمكن مشاهدة أفلام جيمس بوند من دون موسيقى تصويرية؟

تابعوا الوقائع على