أتعبناه

أتعبناه
.. في الأردن, وحين يموت أحدهم, لابد أن يجتمع الكل وتقام وليمة للميت.. وتذكر محاسن المرحوم, ويذرف الدمع.. فقط لدينا حين يموت الإنسان يصبح عظيما, ولكنه في الحياة تنهشه الألسن وتغتاله العيون.

ونحن الوحيدون في العالم, الذين نقتل النساء, ونقول دفاعا عن الشرف.. من يقتل نفسا بغير حق كأنه تجرد من شرف الدنيا, فكيف يصبح القتل السلوك الخالي من الشرف دفاعا عن الشرف ذاته؟

ونحن الوحيدون, الذين نستفز إذا انكسر كعب أنثى على أدراج (مول) تجاري ونركض كلنا لمساعدتها, لكن حين تلتوي يد البلد.. وحين يكسر زند الدولة, نمارس التشفي.. هواء وطني ليس عدوا, وترابه كذلك وتاريخه.. وشمسه يوما لم تكن غادرة.

ونحن الوحيدون.. الذين يتفاخرون بالجاهات, وعرض صورها.. ليس مهما عدد الأنقياء الذين حضروا, المهم هو عدد من يحمل لقب دولة ولقب معالي ولقب عطوفة, وفي اليوم الثاني ننشر صور الجاهة.. وننسى في قرارة أنفسنا, أن التفاخر بالرضا أهم من التفاخر بالمسؤولين.. غريب أمرنا نشتمهم على الفيس بوك, وفي الجاهات.. نتدافع من أجل التقاط الصور معهم..

وتنشر المواقع في اليوم التالي صور من حضر, وتنسى نشر صورة العريس !

نحن الوحيدون, الذين نتحدث عن الأيام القادمة والصبر.. وننصح أولادنا بالهدوء والتروي, وكل قتلانا في حوادث السيارات, ذهبوا نتيجة السرعة الزائدة.. ونحن من تغرنا صفحات الفيس بوك, نشتم بعضنا فيها ونشتم الدولة..وفي صلاة الجمعة, نطيل الركوع.. أكثر من أجل الدعاء أكثر, ونستمع بخشوع للخطيب.. ثم نذرف دمعة حرى, حين نسمع عن إثم اغتياب الناس ونهش لحمهم.

نحن الوحيدون أيضا, حين نذكر اسم امرأة نقول–بعيد عنك- كأننا الأمة الوحيدة التي تعتبر اسم الأنثى عارا, ونحن الذين تربينا على أن اسم الأم سر خطير, ويجب أن لايفضح...

ننتقد كل شيء, ونشتم كل شيء, ونقدم أنفسنا على أننا أنبياء المحبة والسماحة, وننسى نقد انفسنا.. من قال إن الشعوب دوما محقة كاذب, فعلل الشعوب أكبر من علل المسؤولين..

حين ترى الأوطان تئن, فتأكد أن من يسكنونها..قد وسعوا جراحها, تأكد أن من يعيشون على أرضها.. أتعبوها, والأردن يئن.. لقد اتعبناه كثيرا..
تابعوا الوقائع على