في بلادي ..

في بلادي ..
... ابني عمره (13) عاما, كثيرا ما يسمع عن اصدقائي الذين ذهبوا إلى أميركا, وكثيرا ما يستمع لمكالماتي, وأنا أحدثهم عن أيامنا التي مضت وأسألهم: (متى سيعودون)... ويشاهد أفلاما عن أميركا , ويستمع لبعض (السواليف) من العائلة, عن شباب غادروا ورفضوا العودة.

أول أمس داهمني بسؤال مريع قال لي: (أميركا بتوخذ صف سابع).. حين تتولد الرغبة لدى طفل, يحظى بألف قبلة مني كل يوم, بالرغبة في السفر.. فماذا سيكون شعورك؟..

أخذته جولة في السيارة وقلت له: حين كنت يافعا في أول العشرين من العمر, كان السفر متاحا.. وغادرت في رحلة إلى بلد بعيد كي أجربه , ولكني وجدت أن مذاق الخبز في بلادي أجمل... ووجدت أن أميركا لا يوجد فيها من دروب للجنوب مثل دربي , قلت له أيضا : في وطنك يا بني, حتى البرد حنون عليك, في حين أن برد الغرب عقاب... حتى تشرين حين يمر على الأردن أشعر به شيخا بعباءة وشماغ, يسكب لنا القهوة ويغادر... وتشرين في أميركا تعب على قلق.

قلت له: هذا الوطن مولدي ومستقري, وصدقني حتى موتنا هنا فيه حياة, فنحن من دفء أجسادنا , ينبت فوق التراب عشب, وتحلق الحساسين.. ونحن يا بني على حجم الظلم الذي نلقاه, إلا أن التراب يعرفنا... والكرك تعرفنا, ومعان مازلت بوشمها البدوي تؤكد أن لهذا الوطن هوية لا تمحى, ولا تصهر ولا تغيب.

قلت له, هنا تخشاك الطرق بابني, والصوان يحسب لك الف حساب, حتى وإن شوهوك, وإن خذلوك ..وإن حاربوك وشتموك, وزرعوك عبئا في زوايا الوطن.. لكن الورد يعرفك, وسنابل القمح في حوران تعرفك, والمفرق تعشقك, نحن يا ولدي حضورنا في التاريخ.. وليس على موائد من أقاموا لغربتنا ألف مهرجان, ومن زوروا وجوهنا.. ومن حاولوا شطب نبضات قلوبنا, من دفتر العشق.

عليك أن تبقى, وترمم خساراتي يا بني... وحين أموت, فاحملني على كفيك وأودعني تراب الكرك, وقل للتراب: كان عاشقا وحاولوا تشويه وجهه وعيونه وأنفه, لكن ملامحه ظلت تقول انه الأردني الذي أمطر على هذا البلد.. عشقا بأكثر مما أمطرت غيوم الأرض.

في بلادي.. صبر الإنسان عظيم جدا, يغتالونه في اليوم ألف مرة, ويصر على الصمود.
تابعوا الوقائع على