من الغزلان سارقهن

من الغزلان سارقهن
.. كانت أمي في طفولتي تغني لي: (يا بو عيون من الغزلان سارقهن سبحان يا ربنا كيف انت خالقهن)...

منذ أن وعيت, وأنا أبحث عن البنت التي سرقت, من الغزلان عيونها.. وقد جبت الصحارى, وتأملت وجوه النساء كلهن, وقرأت في الشعر العربي وكتب الرحالة.. لكني لم أجد, وسافرت بغداد..في بغداد العيون مختلفة ولها سحر خاص, حتى هنالك لم أعثر عليها...

قلت في داخلي, ربما عند البدو.. قد أجدها, وقد مررت عليهم متذكرا ما أنشده حبيب الزيودي: (والبارحة وانا بطريق معان عرضت يم البدو تعريض والشيب ما روضك يا فلان.. زادك ولع بالبيض).. ولكني, وجدت أن الصحراء قد سرقت من البدو بعضا من صبرهم, وروضوها تماما كما يروض المهر, على يد عاشق وليس على يد فارس.. بحثت عن التي سرقت من الغزلان عيونها ولم أجدها.

سجلت شكوى لدى البحث الجنائي, باسم الغزلان.. قلت لهم أن مجهولة سرقت, من غزال شارد عيونه, ومنذ أكثر من مئة عام والشعراء ليس لهم شغل شاغل إلا سرد القصائد على مسمع المدى, حول تلك البنت... قلت لهم لا تعتقلوها, بل دلوني عليها... ولكن حتى البحث الجنائي لم يجدها, مع أنه تحرى كما يجب.

سألت حيدر محمود عنها, فقد كتب عن العيون... ولكني اكتشفت أنه سمع بها, ولايعرف اين تسكن أو من أي عشيرة هي, واتجهت لمحمود الزيودي.. وأخبرني, أنها ربما من الجنوب... لأن الغزلان تسكن هناك.. وقال لي إنه أجرى بحثا استقصائيا, ووجدها فقط في الشعر... ولكن أثر خطاها ما زال في الرمل جاثما وربما غادرت..

(يا بو عيون من الغزلان سارقهن سبحان يا ربنا كيف انت خالقهن).. مازال صوت أمي في أذني حين كنت طفلا, وهي تدندن لي بهذه الأغنية.. كي أنام, ومازلت في رحلة بحثي عن تلك البنت... وكم أتمنى أن أجدها.

أنا لا أجيد الكتابة عن الخبز, ولا عن الجوع.. ولا عن الحكومات, ولا عن النمو... أجيد الكتابة عن الحب والعيون فقط, وقد أوقفت مؤخرا رحلة بحثي عن تلك البنت... لأني وجدتها...

أكثر النساء اللواتي يعشقن خطاك في العمر هن: أمك وابنتك..وقد اكتشفت أمس في وجه ابنتي, عيون الغزلان... ربما أمي اورثتها إياها..

وظيفتي في هذا الوطن أن أدافع عن عيون الغزلان وأقاتل لأجلها... هل يوجد وظيفة في العمر, أو رسالة أنبل من تلك... وها أنا أدندن: (يا بو عيون من الغزلان سارقهن سبحان يا ربنا كيف انت خالقهن).
تابعوا الوقائع على